عاشت دار الشعر بمراكش، كما مراكش وأحوازها، كارثة زلزال الحوز يوم الثامن من شهر شتنبر المنصرم، والذي خلف الكثير من الضحايا والجرحى والدمار الذي لحق بالمنطقة على امتداد جبال الأطلس. وقدم المغاربة درسا في التآزر والتضامن والتلاحم المجتمعي، في ترسيخ للحمة الوطنية المغربية، ضمن سلسلة من أساليب الدعم النفسي والمادي والمعنوي لضحايا الكارثة. ولم يتخلف صوت الشعراء عن الحضور، إذ توالت القصائد والنصوص الإبداعية لتأكيد قدرة الشعر على ترسيخ قيم المشترك الإنساني في مواجهة الكوارث والأحداث والمحن.
اتجهت قافلة دار الشعر بمراكش، يوم السبت 30 شتنبر، الى المدرسة الجماعاتية أولاد دليم (46 كلم عن مراكش) بمعية لفيف من الشعراء والإعلاميين والفاعلين الجمعويين والأطفال. قافلة شعرية وإنسانية موجهة لنزلاء زلزال الحوز، بالمدرسة الجماعاتية لاولاد دليم، حيث يقيم أطفال الجبل القادمين من منطقة أغبار. وشهد هذا اللقاء الموسوم ب”شعر وفرح.. من أجل أطفال الحوز”، تقديم قراءات شعرية للشعراء: حليمة الاسماعيلي واسماعيل زويريق وزينة بوحيا واسماعيل آيت إيدار الى جانب الطفلة الشاعرة نورالهدي الجواي والطفلة هديل جدي من مرتفقي ورشات الكتابة الشعرية (الفوج السادس).
كما تضمنت فقرات هذا اليوم الاستثنائي، برامج فنية وتنشيطية أعدتها الفنانة نزهة الجعيدي، حرصت من خلالها على تقديم فقرات تربوية تنشيطية موجهة للطفل، كما ساهم الفنان عبدالعالي مكوسي بألعاب سحرية لقت استحسان باذخا من أطفال الحوز. واختار الفنان عزالدين دياني والفنانة نزهة بلحو أغاني تحتفي بالقصيدة، ضمن اشتغال خاص يسهر على إعداده الفنان دياني واشتغل من خلاله على المنجز الشعري المغربي الموجه لفئات الأطفال واليافعين.
“أصابنا بالذي ماكان يحتمل
هذا المصاب فأدنى أمره جلل
مراكش اليوم في أدهى مواجعها
قد اعترى الحوز جرح ليس يندمل”
من ديوانه “أروى” الموجه للأطفال، قدم الشاعر اسماعيل زويريق (مكرم الشارقة) قصيدة تحمل نفس العنوان، مقدما من “ديوان الزلزال” رسائل أمل للأطفال وإرادة واعية لتجاوز المحنة. وقرأت الشاعرة حليمة الاسماعيلي، من ديدن هذا المشتل، نصا شعريا قصيرا يختلي الى ذات أصابتها لوثة الحياة. فيما تقاسم الشاعر اسماعيل أيت ايدار (من ثلاث نيعقوب، أحد المناطق الأكثر تضررا من هول الكارثة)، مع الطفلة هديل جدي، قصيدة الشاعر الراحل أحمد بركات والذي حمل “نبوءة” مبكرة حين يدعونا في قصيدته الى التمسك ب”الوردة” التي “توبخ العالم”.
في لحظة مليئة بفيض إنساني، تقدم الشاعر أيت ايدار أمام أطفال الحوز وهو يقاسمهم آلامهم، بلسانهم القريب من وجدانهم، ليقدم بعدها مع الطفلة هديل قصيدة “أبدا لن أساعد الزلزال”، تخللت القراءة لحظات مليئة بالشجن وهو ما جعل أطفال الحوز يتفاعلون بحس إنساني فياض. ومن الفصيح الى الزجل، قرأت الشاعرة زينة بوحيا، إحدى إشراقات دار الشعر بمراكش، نصا زجليا يستلهم ولع الكتابة ومحبة الشعر. القسم الثاني من برنامج “شعر وفرح”، خصص لفقرات ترفيهية وتنشيطية غنائية. وأعدت الفنانة نزهة الجعيدي، بمعية عبدالعالي مكوسي، فقرات متنوعة رسمت البسمة على وجوه الأطفال المتعطشة للغة الأمل.
طلب أطفال الحوز، في نهاية اللقاء، أن يقدموا لوحة من “رقصة أحواش”، هذه الرقصة التراثية التي تحتفي بالفرح الجماعي، وكانت تتويجا ليوم اختارت دار الشعر بمراكش، ضمن لقاء “شعر وفرح من أجل أطفال الحوز”، أن يكون رسالة مفعمة بالأمل وبالحياة، وتجاوز لحظات المحن، وشكل من أشكال الدعم النفسي والمعنوي لأطفال عاشوا هول الكارثة. إصرار على التمسك بأرقى الرسائل الرمزية للشعر وقيمه، من داخل هذا الفضاء الرمزي الذي جمع الشعراء المغاربة.
لقاء “شعر وفرح” لحظة استثنائية أخرى، تخطها دار الشعر بمراكش من “قلب الفاجعة”، وضمن اختيار واعي لفئة عمرية محددة، كي تؤكد رسالتها الإنسانية المجتمعية. وهو ما أكدت عليه كلمة مدير دار الشعر بمراكش، الشاعر عبدالحق ميفراني، في مستهل اللقاء.. “أن تأتي الدار الى “أطفالها” كي تتقاسم معهم قيم الشعر والحياة والأمل”.