يترأس المخرج والمنتج سعد الشرايبي لجنة تحكيم مسابقة الدورة الثامنة لمهرجان السعيدية السينمائي، المزمع تنظيمها من 9 إلى 12 شتنبر الجاري، وبهذه المناسبة سيتم تكريمه إلى جانب الممثلتين زهور السليماني والسعدية أزكون والسيناريست عبد الإله الحمدوشي. فيما يلي ورقة عن هذا المخرج المثقف يتضمنها القاموس الخاص بالسينمائيين المغاربة، الذي أنا بصدد إعداده للنشر في الشهور القادمة بحول الله.
يعتبر المخرج العصامي سعد الشرايبي، المزداد بفاس يوم 27 يونيو 1952، من وجوه الثقافة السينمائية البارزة والفاعلة بالمغرب، التي ترعرعت داخل حركة الأندية السينمائية، حيث راكم من خلال مساهمته في تأسيس وتسيير نادي العزائم السينمائي بالدار البيضاء، من 1973 إلى 1983، وانضمامه إلى المكتب الوطني المسير لجامعة الأندية السينمائية (جواسم)، خبرة نظرية وعملية في التنظيم الجمعوي والتدبير المالي وتحليل الأفلام وتنشيط جلسات النقاش والكتابة في الصحف وغير ذلك. ومما زاده فعالية ذكاؤه وتواضعه وسخاؤه وحبه اللامحدود للمعرفة وقدرته على المبادرة واستشرافه للمستقبل وعمقه الإنساني.
فهذه الخصال المقرونة بشغفه الكبير بالسينما وثقافتها ساعدته في الانتقال من ضفة المستهلك لصور الغير إلى ضفة المنتج لصوره الخاصة. وهكذا اشتغل مساعدا في إخراج الفيلم الجماعي “رماد الزريبة” (1976) ومديرا لإنتاج الفيلم القصير “الأيام المائة للمامونية” (1977) من إخراج مصطفى الدرقاوي، قبل أن يخرج باكورة أفلامه “بوعادل/من حياة قرية” (1978)، وهو فيلم وثائقي قصير، ثم يردفه بفيلم روائي قصير بعنوان “كلمات وتعابير” (1980) وبعدهما بالفيلم الروائي المتوسط الطول “غياب” (1982)، من تأليفه وإنتاجه وإخراجه ومن تشخيص ثريا جبران وعائد موهوب ومحمد كافي. بعد ذلك دخل تجربة الفيلم الروائي الطويل سنة 1991 بإخراجه “أيام من حياة عادية”، الذي ستتلوه أفلام روائية طويلة أخرى هي على التوالي : “نساء ونساء” (1998) و”عطش” (2000) و”جوهرة بنت الحبس” (2003) و”الإسلام يا سلام” (2007) و”نساء في المرايا” (2010) و”الميمات الثلاثة، قصة ناقصة” (2019) و”صمت الموسيقى” الذي سيكتمل إنجازه سنة 2024. وبالإضافة إلى هذه الأفلام السينمائية أخرج أفلاما تلفزيونية قليلة وأنتج أو نسق إنتاج بعض الأفلام القصيرة…
ما يلاحظ على أفلام سعد الشرايبي الروائية الطويلة أن مواضيعها لا تخرج في غالبيتها عن ثلاث تيمات أساسية متداخلة فيما بينها: تيمة المرأة (وضعيتها وعلاقتها بالرجل في سياقات مختلفة)، تيمة الصداقة (خيبة الأمل في الحاضر والحنين الى الماضي)، تيمة التاريخ القريب (العلاقة بالمستعمر الفرنسي، تأثيرات أحداث 11 شتنبر على العلاقة بين الشرق والغرب، مغرب سنوات الرصاص) .
تجدر الإشارة إلى أن سعد الشرايبي ليس مخرجا سينمائيا وتلفزيونيا فحسب، فمهنته الأساسية مرتبطة بالأدوية وتوزيعها، لأنه تابع دروسا جامعية بكلية الطب بالدار البيضاء، كما تابع دروسا في التواصل بجامعة فانسين الفرنسية في مطلع السبعينات من القرن الماضي. إن انخراطه في الحياة السينمائية المغربية كعاشق للسينما ومتتبع لجديدها، ثم كمبدع ومهني داخل غرفها وهياكلها المختلفة، جعله أحد مهندسي السياسة السينمائية بالمغرب في محطات تاريخية مختلفة بفضل أفكاره وتصوراته وتوصياته وقوته الاقتراحية، وبفضل نضاله إلى جانب سينمائيين آخرين من أجل تحسين شروط الممارسة السينمائية بالمغرب. فطيلة مساره السينمائي كان مناضلا ولا يزال، من مواقع مختلفة، من أجل نشر الثقافة السينمائية وتنظيم المهنة ودعم الجمعيات والتظاهرات السينمائية ماديا ومعنويا وتأطير الورشات وتنشيط الندوات والموائد المستديرة وغير ذلك.
أصدر سعد الشرايبي في مطلع سنة 2020 كتابا توثيقيا ضمنه عينة من كتاباته وتأملاته في واقعنا السينمائي وفي اللغة السينمائية وقضايا أخرى، كما ضمنه أيضا معطيات من تاريخ السينما وكواليسها ببلادنا عند إثارته لمواضيع تتعلق بالمهرجانات وجامعة الأندية السينمائية والمركز السينمائي المغربي والنقد السينمائي المغربي… كما صدر كتابان جماعيان لحد الآن حول تجربته السينمائية: الأول أصدرته الجمعية المغربية لنقاد السينما سنة 2006 بعنوان “التجربة السينمائية لسعد الشرايبي”، والثاني أصدرته جمعية القبس للسينما والثقافة بالرشيدية سنة 2013 تحت عنوان “سينما سعد الشرايبي.. بنياتها ودلالاتها”.
أحمد سيجلماسي