حفريات في شجرة الشعر المغربي الوارفة
صدر عن منشورات دار الشعر بمراكش، في طبعة أولى الشهر الماضي، كتاب الباحث نبيل الهومي “جماليات الإبداع في شعر السهيلي (ت581 ه): التناص والأسلوب”، والمتوج بالجائزة الثانية مناصفة لمسابقة دار الشعر بمراكش ل “النقد الشعري” (الدورة 4/2022). يقع الكتاب في 110 صفحة من القطع المتوسط، تزينه لوحة الفنان والحروفي لحسن الفرساوي، ويحمل رقم ستة ضمن سلسلة دراسات نقدية.
وتوج هذا الكتاب، للناقد نبيل الهومي، بالجائزة الثانية لمسابقة النقد الشعري للنقاد والباحثين الشباب، والتي تنظمها دار الشعر بمراكش سعيا لإغناء المنجز النقدي الشعري في مجال البحث العلمي والمعرفي عبر تشجيع الكفاءات الشابة في مجال البحث والنقد في جنس الشعر المغربي، في تقدير بليغ ولماح من لجنة التحكيم لضرورة معرفية ونقدية تتمثل في تشجيع البحث العلمي والحفر في ذاكرتنا الشعرية المغربية، ولعل نموذج شعر السهيلي (توفي سنة 581 هـ) هنا، سيسهم لا محالة في الكشف والتنقيب على بعض من رموزنا الإبداعية وشجرة الانتساب الوارفة لشعرنا المغربي.
أما وأن يكون البحث، يرتكز على شخصية ثقافية تركت بصمتها في تاريخ الحركة الثقافي المغربية ومراكش خصوصا، فهذا المسعى يعمق من هذه الحفريات التي بدأت تغني مكتبتنا المغربية، في التوقف والبحث والتنقيب عن رموز شعرية وأدبية خطت مسارها الغني والخصب في تاريخ مراكش. المدينة الخالدة في التاريخ، ليس لأنها واجهة سياحية، بل لأن عمقها الثقافي والفني شكل رافدا مهما كي تكون مراكش أيقونة المدن الكونية بامتياز.
حين توجت لجنة التحكيم هذا البحث، عن جماليات الإبداع في شعر السهيلي، من أقنومي التناص والأسلوب، فقد استطاعت أن تتوج من خلاله باحثا يؤسس مساره العلمي والمعرفي بتؤدة، وتجيب هذه الرؤية على هوية وأهداف جائزة دار الشعر بمراكش للنقد الشعري، إذ اختارت الدار أن تفتح نوافذ جديدة للباحثين والنقاد الشباب المغاربة، ومن خلالهم الانفتاح على النقد الشعري في المغرب وتشجيعه، وأيضا الاحتفاء بشجرة الشعر المغربي الوارفة والغنية، راهنا وفي الماضي، في التماعة لتلك الرؤية الحصيفة: لهذه الشجرة جذور وتاريخ.
ولعل أهم خلاصات هذا البحث، تفيد هنا في تمثل هذه المرتكزات الأساسية، إذ شكلت بنية المفارقة الأساس الذي لحم أبيات مختارة من لدن الباحث، وهي ما أسعفت في الكشف عن توليد جملة من التراكمات الدلالية. لقد توزع بحث الناقد نبيل الهومي إلى مقدمة وفصلين وستة مباحث ثم خاتمة. وقد قدم في الفصل الأول حياة السهيلي من خلال عرض “أهم محطات الرجل، وأبرز الأحداث التي وشمت مساره”، كما سلط الضوء في مبحثه الثاني على ومضات من شعر دفين باب الرب. وفي الفصل الثاني الموسوم ب “التناص والأسلوب في شعر السهيلي” عمل على تحديد الأسس النظرية لمفهوم التناص.
ليواصل في في المبحث الثالث عمله على مقاربة الأسلوب من خلال الوقوف عند مفهومه ومبادئه ومستوياته. ويبدو أن المقاربة التاريخية والسيميائية قد أغرت الباحث في مسعاه البحثي، وهي التي توسل بها الطرق لتفكيك مستويات العديد من المرتكزات داخل الكتاب. لكن، يبقى الأساس والجوهر هو المسعى الحفري، في تاريخنا الشعري المغربي، وهذا المسعى الحفري في ثقافتنا المغربية. إن جزء مهما من خلاصات هذا البحث، تؤكد هذا المسعى وتشجع العديد من شبابنا على اتخاد نبراس توليد الفكرة من راهنها اليوم: من خلال استقصاء جغرافيتنا الشعرية المغربية المتعددة، الى الحفر في تاريخنا الشعري المغربي، ضمن مساراته المتشعبة.
طنجة الأدبية