الرئيسيةأعمدةأحمد القصوار: ذاكرة الايام…….حكاية جيل1989-1994

أحمد القصوار: ذاكرة الايام…….حكاية جيل1989-1994

أحمد القصوار

“الطوبيس” ورحلة الشتاء والصيف من والى ملحقات الكليات بالسويسي- مدينة العرفان ( 1 )
كان أغلب طلبة كليات الآداب والحقوق و العلوم يدرسون في ملحقات السويسي1 ب الأساس أو السويسي2 بمدينة العرفان.لم تكن تبرمج الا حصص قليلة بالمقر الرئيس للكلية؛ وان حصلت فغالبا ما تكون مساء يوم السبت.
للوصول الى مدينة العرفان، توجب على الأغلبية الساحقة من الطلبة القاطنين في الرباط وسلا وتمارة استعمال حافلات الوكالة الحضرية للنقل العمومي ( الطوبيسات).في بداية شتنبر أو أكتوبر، يقومون بإعداد ملف التسجيل للحصول على بطاقة الاشتراك.كان واجب الاشتراك الشهري آنذاك يبلغ 40 أو 50 درهما،ليعرف زيادات متتالية مع توالي السنين تصل إلى 10 دراهم في كل مرة.من حق كل طالب اختيار ثلاثة خطوط لاغير ( أي ثلاث أرقام للحافلات والخطوط المتوفرة).بالنسبة لقاطني أحياء تابريكت وحي السلام وماجاورهما، كان اغلبنا يستخدمون الخطوط: 3-16-34.
يربط الخط 16 بين باب شالة وحي السلام مرورا بأقواس بطانة ومقبرة سيدي بلعباس و”تيليويين/ تالوين”، ثم الطريق الحمراء وتابريكت بمختلف احيائها وصولا الى دوار الجديد وحي السلام/ الشاطو؛ حيث محطة نهاية السير.أما الخط 34، فكان يربط بين باب شالة والأقواس و”تالوين”، قبل المرور على شارع للاامينة وحي المزرعة،ثم تابريكت –اوبرا ومواصلة السير على طول شارع محمد الخامس الى تخوم حي كريمة حديث الإنشاء في ذلك الزمان.
بالمقابل، كان الخط 3 يربط بين باب شالة واكدال العالي قرب مستشفى ابن سينا، مرورا بباب الرواح وشارع عقبة وشارع عمر بن الخطاب وشارع الأبطال وشارع فال ولد عمير، وأخيرا شارع الأمم المتحدة المؤدي الى محطة نهاية السير : اكدال العالي (قرب ملتقى الطرق الشهير وسنين طويلة قبل إنشاء الأنفاق والقناطر الموجودة حاليا).
كانت أغلب الحصص تبدأ في الساعة الثامنة صباحا.للوصول في الوقت او قبله بقليل،كان لابد من القيام برحلة الشتاء والصيف طيلة الموسم الجامعي على متن “طوبيسات الوكالة”.بالنسبة لي ( شأني في ذلك شان عشرات الطلبة الذين كنت أصادفهم)،كنت استيقظ في الخامسة والنصف أو السادسة صباحا على ابعد تقدير.بعد وجبة فطور سريعة ومستعجلة أو من دونها أحيانا، اخرج مهرولا إلى محطة الحافلات المقابلة لبريد تابريكت.
إذا حصل أن قدمت الحافلة 16 غير ممتلئة بالركاب، اصعد في حفظ الله ورعايته.لكن، إذا تأخرت أو كانت مكتظة جدا ( في بعض الحالات لا تتوقف إطلاقا في المحطة)، كنت اختار تكتيكا آخر ( أسوة بعشرات الطلبة). أصعد الى الحافلة 16 او 34 القادمة من الرباط.تواصل الرحلة الى محطة نهاية السير في حي السلام او حي كريمة. لا انزل مثل بقية الركاب.اظل واقفا في مكاني أو اجلس على مقعد من المقاعد الحديدية الصلبة والصعبة.بعد دقائق تتحرك الحافلة في رحلة الإياب إلى الرباط،حيث محطة نهاية السير بباب شالة.كان الرحلة بين أحياء سلا وباب شالة قطعة من عذاب اليم في الثمانينيات والتسعينيات.ما إن تتجاوز الحافلة محطة تالوين/ تيليوين،حتى تبدأ تسير مثل سلحفاة غير أبهة بالزمان والمكان، نظرا للاكتظاظ الكبير وضيق الطريق وتوقف حركة السير منذ منطقة كاردونة بسلا إلى شارع العلويين قرب الفندق الفخم بحسان-الرباط.
تتضاعف المعاناة في الأيام التي تشهد ارتفاعا في درجة الحرارة في بداية فصل الصيف أو بدايات الخريف أو في الأيام التي تمطر فيها السماء بغزارة،حيث “البرك” و”المستنقعات” وسط وبجانب “الطريق”.
غالبا ما كنت اجتاز امتحان الرحلة من تابريكت أو حي السلام أو حي كريمة واقفا على قدمين أو على قدم واحدة.كيف؟. يبدو غريبا ان تقف في الحافلة على قدم واحدة في حالات الاكتظاظ المهول.الأفظع لدرجة أن يكون ” الأروع”، هو أن بعض الأطفال أو الفتيات الصغيرات لا يكونون واقفين إطلاقا. يكون كل واحد منهم “معلقا” بين راكبين في منزلة بين المنزلتين،لان القدمين لا تصلا إلى “سطح” الحافلة،ويبقون “عالقين في الحدود” بين راكبين.
طيلة سنوات الإجازة على الخصوص، عشنا مشاهد مضحكة،وأخرى مبكية أو مثيرة للسخط والقرف.صقلنا “مواهبنا” في رصد اللصوص والمتربصين بالنساء والرجال من كبار السن او الركاب ” البرانيين” من اجل السطو السري على “البزطام” أو إدخال اليد للجيب لمصادرة كل ما تقع عليه من دراهم أو أوراق نقدية وغيرها.
عندما التقي ببعض طلبة الشعبة أو طلبة درسوا معنا في الثانوي ويدرسون في شعب أو كليات أخرى، تكون الرحلة هينة نسبيا،حيث “نقف” قرب بعضنا البعض في “زاوية مغلقة” بعيدة عن وسط الحافلة أو “خط سير” الراغبين في النزول ،خصوصا في المحطات البينية على طول الطريق بين “كاردونة” ( التي اختفت منذ 2010) المقابلة لباب المريسة وملتقى الطرق أمام الفندق الشهير في بداية حي حسان،تكون الطريق عبارة عن غابة من السيارات والحافلات والدراجات. دخان وضجيج وزعيق وأصوات مكبرات الصوت: “كلاكسونات” من كل فج عميق،وكيفما اتفق، ولمجرد رؤية الضوء الأخضر أو تعطل سيارة وسط الطريق أو حصول حادثة سير، ولو بسيطة في الغالب.يا ويل من تتعطل سيارته في القنطرة. سيتعرض للسب والشتم وتدخل الفضوليون في انتظار وصول رجل الشرطة. سيتضاعف الازدحام، وقد تتوقف حركة السير نهائيا.
ما ان تتجاوز الحافلة 16 أو 34 ملتقى الطرق ( الذي انجز فيه نفق تحت ارضي قبل سنوات قليلة)، وبمجرد ولوج شارع عبدالمومن حتى نتنفس الصعداء.اقتربنا من محطة باب شالة. ما هي الا دقائق قليلة وننزل،ثم نصعد الحافلة رقم 3. قطعنا نصف الطريق فقط. ما تزال الرحلة متواصلة…..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *