صدر عن منشورات دار الشعر بمراكش، في طبعة أولى الشهر الماضي، كتاب نقدي موسوم ب”جمالية الانزياح في الشعر الأمازيغي (الصوت، الدلالة، التركيب)” للناقد والباحث مبارك أباعزي، والمتوج بالجائزة الأولى لمسابقة دار الشعر بمراكش ل “النقد الشعري” (الدورة 4/2022). يقع الكتاب في 164 صفحة من القطع المتوسط، تزينه لوحة الفنان والحروفي لحسن الفرساوي.
توج هذا الكتاب، للناقد مبارك أباعزي، بالجائزة الأولى لمسابقة النقد الشعري، والتي تنظمها دار الشعر بمراكش سعيا لإغناء المنجز النقدي الشعري في مجال البحث العلمي والمعرفي، عبر تشجيع الكفاءات الشابة في مجال البحث والنقد في جنس الشعر المغربي. ولعل اختيار، لجنة التحكيم الجائزة، لهذا الكتاب النقدي يؤشر على هذا التراكم الذي أمسى يتحقق اليوم، من خلال دراسات وبحوث تستقصي جماليات الإبداع الأمازيغي.
لقد خصص الباحث دراسته لمقاربة جمالية الانزياح في الشعر الأمازيغي، من خلال بنيات الصوت والدلالة والتركيب، لاعتبارات منهجية تتعلق بمحاولة التوقف النقدي عند تمظهرات الشكل في الشعر الأمازيغي، ومحاولة استنطاق بعضا من خصائصه الفنية، على عكس الكثير من الدراسات والبحوث والتي اتجهت الى سياقات تتعلق بالمضمون، وأيضا التركيز على الشق الاجتماعي والتاريخي. لقد حرص الباحث مبارك أباعزي على بلورة “تصورات نقدية حول الشعر الأمازيغي”، منطلقا من فرضية مفادها “أن جمالية الشعر الأمازيغي كامنة في الانزياح لأنه يتفاعل مع اللغةِ العادية عبر التمرّد على مسالكها التعبيرية بخلق مسالكَ تعبيريةٍ خاصة”.
إن محاولة الإجابة على سؤال إشكالي، من قبيل: ما دور الانزياح في تحقيق جمالية الشعر الأمازيغي؟ جعل الباحث مبارك أباعزي يختار متنا webشعريا مائزا، يتمثل في ديوانيْ “تيميتار” و”ءيزمولن” للشاعر والباحث علي صدقي أزايكو، نظرا لخصوصية هذه التجربة الشعرية الغنية وتميزها، وأيضا قدرتها على تحويل اللغة الأمازيغية وإخراجها الى نماذج جديدة تستمد عناصرها الثقافية من مرجعيات أزايكو الخصبة، وهو ما جعلها تحذو نحو الفرادة والتميز. ليتوقف الباحث، ومن خلال فصول الكتاب، عند الانزياح الصوتي والدلالي والتركيبي، في نشدان لتلك الرجة الجمالية والإبداعية، والتي أحدثتها تجربة الشاعر أزايكو في بنية الشعر الأمازيغي التقليدي وإرهافه بمساحات استعارية تخييلية، وهو ما أضفى على هذه التجربة تميزا حداثيا نابعا من ثقافة الشاعر المتعددة.
كتاب الباحث مبارك أباعزي “جمالية الانزياح في الشعر الأمازيغي (الصوت، الدلالة، التركيب)” إضافة نوعية خاصة للمنجز النقدي المغربي، في إضفاء هذا الوعي الحاد بخصوصية التنوع الثقافي المغربي، وفي الانفتاح على جغرافيات شعرية وإبداعية. لكن في نفس الآن، يفتح هذا المجهود العلمي الباب أمام أسئلة جديدة ووعي جديد بالظاهرة الأدبية اليوم، كما يؤسس لأفق نقدي “هوياتي” منفتح يضفي المزيد من الغنى والإخصاب على الظاهرة الشعرية في المغرب.
طنجة الأدبية