وأنا في طريقي من فاس إلى تاونات، أبحث عن جمالية الشعر وامتداد الدهشة في القصيدة، كنت ألتقط إشارات الغربة عن المكان. أنا ابن تلك الأرض إلا أنني غبت عنها لأكثر من ست سنوات. كنت أسمع من حيت لآخر مناديا ينصحني بألا تتجاوز سرعة سيارتي الثمانين كلم في الساعة، ليس خوفا من غرامات رجال الدرك وراداراتهم المنصوبة بإحكام أو المحمولة على الأكتاف، ولكن حفاظا على سلامتي أولا ثم على سيارتي ثانيا، لأن فخاخ المنعرجات متربصة بالسائقين في كل مكان، ولكن تذكرت أن «الذي خلق الطريق الصعب، خلق القوة على اجتيازه»، فازداد إصراري على متابعة الطريق، وما طمأنني أكثر هو البداية الفعلية لتثنية الطريق بين فاس وتاونات، وهو مؤشر إيجابي في المنطقة.
الآن وقد تجاوزت بالكاد عقدي الستين، لم تكن تاونات بالنسبة لي، وهي الساكنة في قلبي دوما وأبدا، النابتة في كياني وأعماقي ودمي، وقد جعلت من ترابها في أشعاري زعفرانا، أكثر من منطقة عبور واستراحة أشرب فيها فنجان قهوة أو برّاد شاي، ولكن جاء شهر ماي من سنة 2023 يحمل معه بُشرى، لكي أراها مشعة بملتقاها وحضور الشعراء والشاعرات إليها، وتصبح هذه المدينة المدهشة بنفائسها السياحية المترامية على الأطراف في مرنيسة، بني وليد، بوعادل، غفساي، سد الوحدة وغيرها من المناطق الموغلة في جمال الطبيعة ملتقى للإبداع والثقافة والشعر، يقصدها الأدباء والشعراء من الشرق والغرب والجنوب، ومنصة للغوص في عالم الأنثروبولوجيا والنبش بين ثنايا التاريخ، ودراسة مكونات الإقليم وما يزخر به من تنوّع وغنى في الثقافة واللهجات واللكنات، وكان الملتقى مناسبة لدراسة بعض سلوكيات الأهالي عند قبائل شراكة والحياينة وجبالة، والنبش في عاداتهم وتنوّع تراثهم وثقافتهم.
وهكذا، شهدت قاعة المحاضرات في دار الشباب «الوحدة» على امتداد أربعة أيام من ملتقاها الوطني الأول للشعر والإبداع والثقافة، بدأ يوم الخميس 25 ماي 2023م، وانتهى في الثامن والعشرين منه.
افتتح الملتقى الوطني الأول لتاونات أنشطته بورشات في الكتابة القصصية قدمت لفائدة بعض المؤسسات التعلمية بالمدينة يوم ال خميس25 ماي، أطرها إبراهيم ديب الشاعر والقاص والروائي وكان إلى جانبه عبد العزيز الكواطري كاتب قصص الأطفال ومحمد الحديفي الباحث في السرديات وتحليل الخطاب. تضمنت الورشة شقا نظريا تمثل في التعريف بالقصة القصيرة وتاريخها وأهم أعلامها، مع الوقوف عند مرتكزاتها ومكوناتها الأسلوبية والفنية، كما عمل الفريق على الاشتغال العملي مع التلاميذ والتلميذات، وفي الجانب التطبيقي على مكوّنات الحكي، تلتها قراءات قصصية من إنتاج التلاميذ. وفي اليوم الثاني كان الموعد مع تكريم أحد كتاب القصة القصيرة، وهو من أبناء إقليم تاونات، يتعلق الأمر بالقاص عبد الله البقالي. وبالموازاة مع ذلك، تم انعقاد ندوة أدبية حول أعماله القصصية تحت عنوان: «التراث والكتابات السردية: قصص الكاتب عبد الله البقالي نموذجا»، شارك فيها الأساتذة: عبد الله الكرضة، فيصل اليزروري، المهدي الزمراني ومحمد بوعزة، مع تقديم شهادات في حق المحتفى به من طرف بعض أصدقائه.
أنشطة الملتقى توالت يوم السبت 27 ماي 2023 لليوم الثالث بدار الشباب «الوحدة» صباحا بندوة حول التراث التاوناتي، وحملت عنوان: «التراث الجبلي بين الثابت والمتغير: مجالات للفهم والاستثمار المعرفي»، وقد شارك فيها كل من الأساتذة : الدكتور عبدالقادر المحمدي أستاذ الأنثروبولوجيا بكلية الآداب سايس- فاس، الدكتور محمد الزوهري أستاذ الإعلام والتواصل من نفس الكلية، الدكتور عاهد الزحيمي باحث في التاريخ، الدكتور عبدالرحيم أبطي ناقد وباحث في التربية والثقافة، عبدالمنعم عفيف ويعقوب المشاشتي الباحثان في الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع. توالت بعد الظهيرة أنشطة الملتقى شعرا في المساء، حيث قدم خلالها مجموعة من الشعراء والشاعرات المرموقين قراءات شعرية، وتناوبون على المنصة لإلقاء ما لديهم من أجمل الأشعار، بعضهم من أبناء الإقليم وآخرون وأخريات قدموا من مختلف المدن المغربية. حضر هذه الجلسات الأدبية والعلمية جمهور عاشق للمعرفة والشعر، كما حضرها أيضا إعلاميون من فاس وتاونات. وكان الختام مسكا بتنظيم رحلة استكشافية وشعرية إلى منتجع بوعادل السياحي صبيحة يوم الأحد 28 ماي 2023م، قدمت هناك قراءات شعرية في الهواء الطلق، وهي تتناغم مع أناشيد الماء المتدفق من شلالات منابع منتجع بوعادل السياحي.
أخيرا لا يسعني إلا أن أشكر الشاعر إبراهيم ديب رئيس جمعية مقدمات الريف للثقافة والإبداع، ومن يعمل معه من جنود خفاء في صمت ونكران ذات، على المجهودات التي قدموها لإنجاح هذا الملتقى الوطني خدمة للثقة بالمدينة والإقليم، وألف شكر للسيد منير الحجوجي المدير الإقليمي لوزارة الشباب والثقافة والتواصل بتازة، والوفد المرافق له، على دعمهم اللامحدود لهذه المبادرة الثقافية الجادة والهادفة بمدينة تاونات.
بقلم: إدريس الواغيش
مبادرة طيبة تستحق التشجيع و التنويه و الاستمرارية
تحياتي للاخ ابراهيم الديب على انجازه الثقافي ،باعتباره مسؤول الجمعية المنظمة لهذا النشاط الثقافي النوعي ،باقليم تاونات.
وتحياتي لكل الإخوة المشاركين في فعاليات هذا العرس الفكري والثقافي والفني ،الذي ازدانت به مناطق الإقليم العزيز على نفوسنا ،حيث يعد مسقط رؤوسنا وقلوبنا ،وحضنا دافئا تلفعنا به زمنا ونحن نمارس مهنة التدريس ،وكان بودي مشاركتكم هذه المتعة ،لولا اكراهات فترة الامتحانات التي حالت بيننا ،والحضور بمعيتكم ،وما يطرب النفس مع ذلك ،هو أنكم دشنتم لمرحلة ذهبية من العطاء ،الذي لن ينضب رواؤه في المستقبل ،بإذن الله ،وستجمعنا فرص أخرى بذات البقاع الطاهرة ،وبعين النفوس والشخوص التي تشرفنا بالتفاعل معها ،إن في الدراسة كالأخ د إبطي أو الزمالة في العمل مثل د الزوهري ود الواغيش ،ويظل علم الاشراف التربوي للأستاذ والمفتش العظيم المفضل أكعبون ،يرفرف فوق هاماتنا،حفظه الله وأطال لقاءه ..
أما شخص ابراهيم الديب ،فالحديث عن نفائسه حديث ذو شجون ،فله مني ألف تهنئة وتقدير.