الرئيسيةأخبارندوة تناقش بفاس إنتاجات لسان الدين بن الخطيب في المغرب والأندلس

ندوة تناقش بفاس إنتاجات لسان الدين بن الخطيب في المغرب والأندلس

احتضنت المدرسة العليا للأستاذة بفاس مساء يومه الأربعاء 17 ماي الجاري أشغال ندوة علمية نظمتها مؤسسة لسان الدين بن الخطيب حول موضوع: «المغرب والأندلس من خلال إنتاجات لسان الدين بن الخطيب»،  وذلك بتعاون مع المركز الثقافي الإسباني وجامعة سيدي محمد بن عبد الله، حضر هذه الندوة المصطفى إجاعلي بصفته رئيسا للجامعة، وقد عبّر  في مداخلته عن «استعداد جامعة سيدي محمد بن عبد الله للتعاون مع مؤسسة لسان الدين بن الخطيب، وبلورة المشاريع التي تعمل على التقريب بين ثقافتي ضفتي البحر الأبيض المتوسط شمالا في شبه جزيرة أيبيريا وجنوبا في المغرب»، كما حضرها مدير المدرسة العليا للتكنولوجيا وأساتذة جامعيين وطلبة دكتوراه وإعلاميون من المدينة.

 افتتح الندوة رئيس مؤسسة لسان بن الخطيب الدكتور إبراهيم أقديم، الذي عمل عميدا سابقا لكلية الآداب سايس- فاس ونائبا سابقا لرئيس الجامعة، بكلمة أوضح من خلالها «التقاطع والتلاحم الذي حصل على فترات زمنية مختلفة بين منطقتي المغرب والأندلس، مركزا على التشابه الجغرافي والتاريخي الحاصل بين الثقافتين المغربية والأندلسية»، وقد سطر أقديم بعض أنشطة المؤسسة الماضية والمستقبلية وأهداف المؤسسة على المدى القريب والبعيد، ومنها النشاط الثقافي الذي شهدته الجامعة الخاصة بفاس مؤخرا حول «تاريخ المغرب، نظرات متقاطعة» وآخر دولي نظمته المؤسسة مع بعض شركائها حول التراث المعماري، ومدينة فاس يقول «معرض دائم ومفتوح يزخر بهذا النوع من التراث الفريد»، كما عمل أقديم على «إبراز الروابط المغربية -الاندلسية من زاوية لسان الدين بن الخطيب الموسوعي» بصفته «نموذجا للتجديد والتعايش بين الحضارتين، وما أحوجنا اليوم إلى مثل هذه الشخصيات» يضيف أقديم.

مدير سيرفانتيس من جهته شكر رئيس جامعة سيدي محمد بن عبد الله ومدير المدرسة العليا للتكنولوجيا على حفاوة الاستقبال، وقال بأن «الهدف من هذه الشراكة هو الحفاظ على التعايش بين الضفتين وعلى التاريخ الزاخر في الاندلس»، مشيرا في معرض كلمته إلى أن «لسان الدين بن الخطيب كان سفيرا للضفتين معا»، مضيفا بأننا في المؤسستين، ويقصد مؤسسة لسان الدين بن الخطيب ومعهد سيرفانتيس، «سنبقى أوفياء لهذه الثقافة العظيمة التي كانت في المغرب والأندلس»، مضيفا أننا «ننظم هذه الندوة للتعريف بالتراث المشترك بين حضارة المغرب والأندلس، مع القيام بورشة مشتركة حول هذا الموروث الثقافي والحضاري الهام، ودراسة كيفية التعامل مع الرياضيات في الاشتغال على هذا التراث المعماري العظيم». الدكتور العياشي السنوني ذكر في مداخلته أن «الموضوع عولج في أكثر من مرة، ولكن سنعمل مستقبلا على جمع بعض آثار لسان الدين بن الخطيب المخطوطة والموثقة، ونضع ببليوغرافيا متكاملة لهذه الشخصية الموسوعية والعالمة، وهو المعروف بذي الوزارتين وذي العُمريين وذي المَيتتين»، مشيرا في ذات الوقت إلى أنه «ساهم في التقريب بين الضفتين وتطوير الموشحات والرفع من شأنها»، وهو كذلك صاحب المؤلف الشهير «الإحاطة في أخبار غرناطة».

الدكتورة سعيدة العلمي الأستاذة بجامعة فاس قدمت ومضات ساخرة من أدب لسان الدين بن الخطيب، وجاء في معرض حديثها أن لسان الدين «كان أديبا ساخرا، يتقلب بين مدح وذم وفق ما يمليه عليه مزاجه»، وقد عاشت هذه الشخصية الأندلسية العظيمة كل المتناقضات من مجد السلطة والنفي ومصادرة الأملاك، وهو ما دفعه للهجرة إلى المغرب. أما الدكتور رشيد بناني كاتب عام مؤسسة لسان الدين بن الخطيب فقد أوضح من جهته في كلمته بأن رواية «وزير غرناطة» التي كتبها عبد الهادي بوطالب ترمز إلى التعاون بين الثقافة الأوربية والعربية أو على الأصح المغربية -الإسبانية، ويضيف بأن هذه «الرواية هي أول مؤلف لبوطالب، وقد كانت آخرها، كتبها سنة1950، وهو عمله الأدبي الوحيد في الأدب، قبل أن يأخذه العمل الصحافي بالإضافة إلى مهمات وزارية وسياسية أخرى، مضيفا أنه «لم يستمر في عمله الأدبي، لأنه ساهم كوزير في أول حكومة مغربية سنة 1956، واختير مدرّسا في المعهد المولوي»، وكان اهتمام بوطالب مبكرا بلسان الدين بن الخطيب، وهو من ساهم في التعريف بشخصية هامة من تاريخ الغرب الإسلامي بدل رجالات المشرق وإنجازاتهم، وهي «الرواية الأولى التي عَرّفت بلسان الدين بن الخطيب» قبل أن يُعرّف به أكاديميون ومؤرخون آخرون، ويحققون في أعماله بعد ذلك.

عبد الرحمن بن خلدون عاصر لسان الدين بن الخطيب وتجاور معه في فاس، ولكن ابن خلدون كان مشهورا بفضل رحيله إلى المشرق، عكس ابن الخطيب الذي لزم الغرب الإسلامي، متنقلا بين فاس في المغرب وقرطبة في الأندلس، حتى أنه سمي بـ «ذي الدارين». وقد عاش عبد الهادي بوطالب نفس تجربة ابن الخطيب، تجربة متقلبة في مواقفه وفي قربه وبعده من السلطة. كان بوطالب فقيها قانونيا، وعاش هو الآخر على غرار ابن الخطيب مدّا وجزرا في قربه وبعده من مركز السلطة في المغرب. ويبقى الكتاب- الرواية رسالة تربوية إلى نفسه، وفي كيفية التعامل مع هذه العبرة والتجربة المريرة في القرب من السلطة أو البعد عنها، وهي نفس الدسائس التي عاشتها لسان الدين بين بني الأحمر في الأندلس. ابن الخطيب ألب عليه أعداؤه حين استبد بالسلطة، وهو يعرف بأنها غير دائمة. وهو كشخصية هامة في تاريخ معين من حياة الأندلس مؤشر تاريخي في الإحساس بالتأثير والتأثر بين المغرب وشبه جزيرة إيبيريا تاريخيا ومرحليا، سواء في ضرورة التعاون والتكامل، وإن كان يتحول هذا التعاون إلى منافسة في بعض الأحيان بحكم القرب والجغرافيا، ولكن يبقى المصير المشترك في الأخير هو الذي يجمع بين الضفتين. ويضيف بناني أن هذه «الرواية تركز على العلاقة بني نصر (النّصريون أو بنو الأحمر) وبني مرين التي اكتوى بنارها لسان الدين ابن الخطيب، وكان فاعلا فيها، كما أن هذه العلاقة هي التي كانت السبب في محنته».

محمد اللبار أستاذ التاريخ بفاس عنوَن مداخلة بـ «المسار الصعب»، ركز فيها على المشوار السياسي الصعب الذي عاش فيه لسان الدين خلال ق 14، وهي الفترة التي «كان يشتكي فيها من التذبذب والدسائس»، وهو ما أدى إلى سقوط الأندلس في الأخير على يد الملكة إيزابيل في القرن15م، لأن «مشاكل الأندلس انطلقت مع عصر لسان الدين، وضاعت «يوم فسدت العلاقة بين النّصريّين في الأندلس»، وحدث أن كانت «نكبته الأولى سنة 1359، وصودرت أمواله، ولكن شفع له حينها سلاطين بنو مرين في المغرب وأمراؤهم»، وكان لابن الخطيب دور في «تأسيس المارستانات في فاس ومراكش نقلا عن تجربة غرناطة»، وقد «حكم عليه بالإعدام في فاس بتواطؤ من وزراء غرناطة، وأشنق ليلا حتى لا تعاد محاكمته، كما أن جثته قد أحرقت بفاس قبل أن تدفن بمقبرة باب محروق»، ويضيف اللبار أن «التسمية لا علاقة بحرقه».

إميليو فرين عن سرفانتيس ألقى كلمة باللغة العربية الفصحى أثارت إعجاب الحاضرين حول التقاطعات بين ابن خلدون وابن الخطيب، لأن «لسان الدين الغرناطي وابن خلدون التونسي التقيا في فاس، وكان ابن خلدون أصغر منه بحوالي عشرين سنة» يقول إميليو، وكانت «الضغوط على أشدها في ذلك الوقت على آخر مملكة عربية مسلمة في الغرب»، ويضيف فرين أن «الثغر الأندلسي كان بمثابة مفترق الطرق وملتقاها بين الضفتين من الناحية اللغوية والدينية والحضارية»، مضيفا في نفس الآن أنه في الأندلس «كان اللقاء بين قوة إسلامية في الشمال وأخرى قوية في الجنوب. وكان ابن الخطيب شاهدا على بناء قصر الحمراء، وساهم ببعض الأبيات من قصائد شعره، ولازالت منقوشة على حيطانه إلى حدود اليوم». واختتمت الندوة العلمية التي كانت غنية بمداخلاتها وأسئلتها وأجوبتها بشريط وثائقي قصير حول قصر الحمراء، وقام بتسيير أشغالها باقتدار الأستاذ عبد السلام الزّروالي.

 

متابعة: إدريس الواغيش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *