توفيت ليلة الأربعاء 25 يناير 2023، بمنزلها بالدار البيضاء (بوسكورة)، الممثلة القديرة خديجة أسد عن عمر ناهز 70 سنة، وذلك بعد معاناة مريرة مع المرض. فيما يلي ورقة سبق لي أن أعددتها وألقيت انطلاقا منها شهادة في حقها بمناسبة تكريمها مساء يوم 9 نونبر 2022 في حفل افتتاح الدورة 12 لمهرجان الرشيدية السينمائي:
خديجة وعزيز وجهان لعملة فنية واحدة:
لعل السر في نجاح الفنان سعد الله عزيز (1950- 2020) هو زوجته الفنانة خديجة أسد (1952- 2023)، والسر في نجاح الفنانة خديجة أسد هو زوجها الفنان سعد الله عزيز.. لقد شكلا ثنائيا فنيا ناجحا على امتداد عقود (منذ السبعينيات إلى لحظة رحيل الفنان عزيز صباح الثلاثاء 13 أكتوبر 2020) من خلال تعاونهما وتكاملهما على مستويات الإعداد والتأليف والإقتباس والتشخيص والتنشيط والإخراج وتنفيذ الإنتاج للعديد من الأعمال المسرحية والتلفزيونية والسينمائية وغيرها.
فببساطتهما واجتهادهما ومبادراتهما وقدرتهما الهائلة على ترجمة هموم الناس إلى أعمال فنية هادفة وممتعة، بصدق واحترافية، داخل الوطن وخارجه، استطاعا الوصول إلى قلوب ملايين الجماهير هنا وهناك.
ولم يقتصر إمتاعهما للناس على الأعمال الفنية طيلة نصف قرن من الزمان فحسب، بل نشعر بنفس المتعة ونحن نستمع إليهما في حوارات ولقاءات صحفية إذاعية وتلفزيونية (على ندرتها) وغيرها.
الممثلة المتعددة المواهب خديجة أسد، المزدادة بمدينة الدار البيضاء (درب السلطان) سنة 1952 والمتوفاة بها يوم الأربعاء 25 يناير 2023، معروفة بأعمالها الفنية الفرجوية الغزيرة داخل المغرب وخارجه.
عزيز وخديجة في مسرحية “مونسيرا” في مطلع السبعينات.
فقد أمتعت بهذه الأعمال، ذات الطبيعة الكوميدية في غالبيتها، الملايين من الناس على امتداد نصف قرن من الزمن، رفقة زوجها الممثل والمؤلف والمنتج والمخرج والمنشط عزيز سعد الله، حيث كانا يشكلان ثنائيا فنيا ناجحا بامتياز أحدهما يكمل الآخر.
ظهر ميلها إلى التشخيص وفنون الفرجة منذ الصغر، ودفعها هذا الميل القوي والمبكر إلى الالتحاق سنة 1968 بالمعهد البلدي للموسيقى والرقص والفنون الدرامية، الذي كان يشرف على إدارته ويدرس به آنذاك الفنان الراحل أحمد الصعري (1940- 2019)، حيث درست به إلى حدود سنة 1971 على يد أساتذة ورواد مسرحيين كبار من عيار أحمد الطيب العلج (1928- 2012)، إلى جانب زملاء لها أصبحوا مثلها فيما بعد فنانين محترفين من بينهم سعد الله عزيز والحسين بنياز (باز) ومحمد كافي وفؤاد سعد الله وبوشعيب الطالعي وإسماعيل أبو القناطر وميلود الحبيشي وغيرهم.
من الأعمال الفنية الأولى التي شاركت فيها خديجة أسد كممثلة إلى جانب سعد الله عزيز وهما طالبان بالمعهد المذكور نشير على سبيل المثال إلى مسرحيات “الدروج” (1969) مع صلاح الدين بنموسى و”ديوان سيدي عبد الرحمان المجدوب” (1969) للصديقي و”مونسيرا” (بداية السبعينات) للكاتب الفرنسي إمانويل روبلز… كما اشتغلت من 1976 إلى 1979 مع فرقة مسرح الجيب في بعض الأعمال من بينها مسرحيتان هزليتان لأحمد الطيب العلج هما “الناعورة” و”عريس بزز منو” شارك فيهما إلى جانبها بوشعيب الطالعي وسعد الله عزيز وأحمد الصعري ومحمد الحريشي وأحمد الرداني وفتاح عمر وآخرين…
في موسم 1980- 1981 أسست خديجة أسد رفقة زوجها سعد الله عزيز فرقة “مسرح الثمانين” المحترفة، وهي الفرقة التي كانت وراء إنجاز العديد من المسرحيات الناجحة نذكر منها بالخصوص ما يلي: “سعدك يا مسعود” (كتبها سعد الله وأخرجها حميد الزوغي وشارك في تشخيص أدوارها محمد مفتاح وسعاد صابر وثريا جبران وعائد موهوب)، “النخوة على لخوا”، “فكاك الوحايل”، “خلي بالك من مدام” (أخرجها عزيز سعد الله سنة 1984 بتأليف مشترك بينه وبين سعد الله عبد المجيد)، “برق ما تقشع”، “كوسطة يا وطن”، “صاروخ أمزميز”، “كاري حنكو”. وقد تم تنظيم العديد من العروض لهذه المسرحيات داخل الوطن بمختلف المدن المغربية وخارجه لفائدة الجاليات المغربية المتواجدة بأروبا وأمريكا والشرق الأوسط ومناطق أخرى من العالم.
وتعتبر “فكاك الوحايل” آخر مسرحية عرضتها فرقة مسرح الثمانين بالمسرح البلدي بالدار البيضاء قبل هدمه سنة 1984، بمشاركة حمادي عمور وسعاد صابر وخديجة أسد وخاتمة العلوي وصلاح الدين بنموسى ومحمد بلقاس، وذلك بنجاح منقطع النظير (لا مقعد فارغ) لمدة 10 أيام متتالية. كما نظمت بها حوالي مائة عرض بمختلف المدن والقرى المغربية.
وبالموازاة مع ذلك اشتركت خديجة وزوجها عزيز في ملحمتين من إخراج الطيب الصديقي هما “مسيرتنا” (1985) و”نحن” (1986).
تجدر الإشارة إلى أن فرقة “مسرح 80” تمكنت من إنتاج 8 مسرحيات طويلة وحوالي 10 مسرحيات قصيرة مع تنظيم عشرات الجولات الوطنية والدولية (الشرق الأوسط، فرنسا، بلجيكا، هولاندا، ألمانيا، المملكة المتحدة، السويد، الدنمارك، النرويج، كندا، الولايات المتحدة الأمريكية) بهذه المسرحيات في الفترة المتراوحة بين 1980 و2003. وقد اضطلعت خديجة أسد، بتعاون مع زوجها ومبدعين آخرين، بمهام الإنتاج والإخراج والتأليف والتشخيص والدعاية وغير ذلك من الأمور.
لم يقتصر نشاط الثنائي الفني خديجة أسد وسعد الله عزيز على المسرح وحده، بل انفتح منذ سنة 1975 على التلفزيون المغربي، بقناته الوحيدة أولا ثم الثانية فيما بعد، بأعمال كوميدية لقيت استحسانا كبيرا لدى المشاهدين، وذلك من خلال سكيتشات فكاهية ومسرحيات هزلية مصورة وسلسلات كوميدية واجتماعية عديدة وسيتكومات ومسلسلات وبرامج… لعل أشهرها “هي وهو” (أواخر السبعينيات) وفيلم “إثنان ناقص واحد” (1979) لمصطفي الدرقاوي، وهو من بطولة سعد الله عزيز ومحمد مفتاح لا غير، ومسلسل “الشرع عطانا ربعة” (1980) وبرنامج “ت ف 3” أو “تليفزيون 3″ (1984)، من إعداد وإخراج حميد بن الشريف (1940- 1986)، و”كاريكاتير” و”صور ضاحكة”، من إخراج حسن المفتي (1935- 2008)، وغيرها… كما شارك بعد ذلك مع القناة الثانية في أحد أشهر سيتكوماتها “لالة فاطمة” لنبيل عيوش على امتداد ثلاثة مواسم من 2001 إلى 2003، هذا بالإضافة إلى كتابتهما لمجموعة من الأعمال التلفزيونية ومشاركتهما كممثلين في سكيتشات “مواقف” وسيتكومات أخرى من قبيل “دور بها يا الشيباني” (2013) لزكية الطاهري و”ماشي بحالهم” (2018) لإبراهيم الإدريسي الحسني وأحمد بوعروة، وفيلمي “الزواج الثاني” لعزيز سعد الله (سيناريو وحوار خديجة أسد) و”الطبيب” لعزيز الجاحضي، وسلسلة “بنت بلادي”، والسلسلة الكندية “قطع من الحياة” (2010- 2013) للمخرجين الكيبيكيين فرانسوا بيجان وجيلبير دوما…
لقد تميزت الفترة المتراوحة بين 1975 و2014 بمشاركة خديجة أسد وسعد الله عزيز، كممثل ومنتج منفذ وكاتب سيناريوهات، في مجموعة من الأعمال التلفزيونية التي بثتها القناة الأولى (18 فيلما، 5 مسلسلات، 6 سلسلات، 3 سيتكومات وتنشيط أكثر من 30 سهرة فكاهية). كما تميزت الفترة المتراوحة بين 1998 و2003 بإنجاز عزيز، كممثل ومخرج ومنتج منفذ، رفقة زوجته خديجة لسلسلة المسابقات “إلى قلعتي شنو”، التي كانت تبثها القناة الثانية مباشرة بعد حلقات سيتكوم “لالة فاطمة”، وقد بلغ عدد حلقاتها 96 مدة كل منها 10 دقائق صورت بالمغرب وفرنسا وبلجيكا وهولاندا وألمانيا وإسبانيا ومصر والسينغال.
من الأفلام السينمائية القليلة التي شاركت فيها خديجة أسد كممثلة نذكر العناوين التالية: “بيضاوة” (1998) لعبد القادر لقطع و”نامبر وان” (2008) لزكية الطاهري و”السيناريو” (2011) أو “زمن الإرهاب”، الفيلم الروائي الطويل الوحيد الذي أخرجه زوجها وكتبه رفقة السيناريست علي أصمعي وشارك في بطولته بمعيتها إلى جانب ممثلات وممثلين آخرين.
وكغيرها من الممثلات والممثلين المغاربة شاركت خديجة أسد وزوجها، باستوديوهات عين الشق بالدار البيضاء، في دبلجة مجموعة من الأفلام إلى الدارجة المغربية، خصوصا الهندية منها، تحت إشراف الرائد إبراهيم السايح (1925- 2011)، حيث أعارا صوتيهما لبعض الممثلين والممثلات كما هو الشأن مثلا في الفيلم الشهير “الحب هو الحياة”، حيث نطق الممثل الهندي ريشي كابور بصوت سعد الله عزيز ونطقت حبيبته في الفيلم الممثلة الهندية نيتو سينغ بصوت خديجة أسد.
من جهة أخرى، مارست خديجة أسد رفقة زوجها تنشيط السهرات الفنية وبعض البرامج بالتلفزيون المغربي (برنامج المسابقات “لالة لعروسة” في موسمه الرابع سنة 2009 نموذجا)، بالإضافة إلى حفلات افتتاح واختتام بعض المهرجانات الفنية لعل آخرها الدورة الأولى للمهرجان الدولي للسينما والأدب بآسفي سنة 2019. وقد أبانا في مختلف هذه المناسبات عن علو كعبهما في هذا المجال.
حظيت خديجة أسد قيد حياتها ببعض التكريمات هنا وهناك من بينها: تكريمها رفقة زوجها سعد الله عزيز في الدورة الثانية لمهرجان العيون الدولي لمسرح الشارع سنة 2016، وفي الدورة الثانية لمهرجان الحسيمة الدولي للفيلم سنة 2018… ولعل آخر تكريم حظيت به خديجة أسد بعد رحيل زوجها كان في حفل افتتاح الدورة 12 لمهرجان الرشيدية السينمائي مساء 9 نونبر 2022، دون أن تتمكن من الحضور بسبب وطأة المرض. رحم الله الفنانة الكبيرة خديجة أسد وزوجها سعد الله عزيز.. إنا لله وإنا إليه راجعون.
بقلم: أحمد سيجلماسي