دار الشعر بمراكش تنهي موسمها الشعري الخامس في الصويرة
في شرفة الأسوار، والمطلة مباشرة على البحر، اختار شعراء فقرة “الشاعر”، هذا الديوان المصغر الذي جمع الشعراء: أحمد لمسيح وزبيدة أوبحو ومحمد الساق، أن يوقعوا على لحظة شعرية وفنية مع جمهور حضر بكثافة. جمعت الفنانة هند النعيرة وفرقة كناوة، هذا التراث الفني الإنساني الضارب في الجذور، ومجموعة من الشعراء، وأطفال ورشات الشعر الممسرح والإلقاء والتشكيل، في لوحة شعرية ممسرحة من تأطير الشاعر يوسف الأزرق. لوحة استقت نصها الدرامي من مجموعة مقاطع شعرية للشعراء (محمود درويش، أدونيس، مبارك الراجي، نوفل السعيدي، زبيدة أوبحو، ومحمد الساق..)، وبرع أطفال الورشات في تقديمها عبر الاعتماد على التعبير الجسدي، ووفق أداء كوريغرافي متناسق.
اختتم اللقاء، ليلة الأحد 7 من الشهر الجاري، بتوقيع ديوان الشاعر محمد الساق “إلق عصاك يا غيب”. واختار الشاعر أحمد لمسيح، ضمن سياق استحضار طقوس خاصة للنص الشعري، أن يسافر بالجمهور عبر نصين إبداعيين الى تلك المراوحة الآسرة بين ذاتين. لغة ترتقي “بالزجل” وتحفر من خلاله سفرا موجها، حيث الشاعر يمسي عابرا للمجاز وهو فيض الكتابة ووجع الحب. أما الشاعرة زبيدة أوبحو، شاعرة الهايكو، فافتتحت بنص المرأة الحرة كي تنتقل الى شذرياتها المكثفة، حيث التكثيف البليغ للصور والمشاعر. أما الشاعر محمد الساق، أحد الوجوه اللافتة اليوم في القصيدة العمودية، فأضفى على قراءاته “حبا مضاعفا”، من خلال استدعاء أسئلة الكتابة وأسئلة القصيدة وبلاغتها.
وكانت فعاليات الدورة الثالثة لتظاهرة “شواطئ الشعر”، والتي نظمتها دار الشعر بمراكش تحت إشراف وزارة الشباب والثقافة والتواصل – قطاع الثقافة، أيام 5، 6، 7 غشت 2022 بمدينة الصويرة، واحتضنت فعالياتها فضاءات: شاطئ الصويرة، دار الصويري، متحف مولاي عبدالله، شرفة فندق الأسوار، والمكتبة الخضراء، قد استضافت ثلة من الشعراء والنقاد والموسيقيين والتشكيليين، وشهدت تنظيم قراءات شعرية وفقرة تجارب شعرية وعرض تشكيلي وتشكيل منحوتة رملية، وانفتاح ورشة الأطفال على موضوع القراءة والشعر الممسرح والغرافيتي، هذه الورشة التي توجت برسم جدارية خلدت لهذه التظاهرة الثقافية بالمدينة، الى جانب المتابعة الإعلامية المميزة لقناة الشارقة والقناة الثانية والثقافية المغربية.
وانطلقت الفعاليات يوم الجمعة، الخامس من غشت، بفقرة “ضفاف شعرية”، شهدت حضور ومشاركة الفنان المرموق سعيد المغربي، الى جانب شعراء ضفاف: عائشة عمور وعبداللطيف السبقي وعبدالجواد العوفير. أهدت الشاعرة عائشة عمور قصائدها للريح، في مدينة الرياح والنوارس الصويرة، فيما اختار الشاعر عبداللطيف السبقي أن يراوح المكان، في مقاطع شعرية تستدعي مجازاته، وقرأ الشاعر عبدالجواد العوفير مختارات من نصوصه حيث اللغة شفافة، آسرة تغمر الذات بالبوح. أما الفنان سعيد المغربي، فقدم من ريبرتواره الجديد أغاني حظيت بتفاعل الشعراء والجمهور، في انشغال دائم بالقصيدة وعبر تأليف موسيقي يستمد مرجعياته من الموسيقى العربية الأصيلة.
الشاعر مبارك الراجي ضيف تجارب شعرية: شاعر كوني يحفر للصمت لغة
وتواصلت الفعاليات يوم السبت 6 غشت بدار الصويري، بتنظيم فقرة “تجارب شعرية“، هذه الفقرة التي اختارت دار الشعر بمراكش من خلالها أن تحتفي بالشعراء المغاربة. لقاء مفتوح مع الشاعر مبارك الراجي، شهد حضورا لافتا لثلة من الشعراء والمثقفين والكتاب والفنانين وجمهور الشعر والفن، الى جانب رواد الشاطئ. لحظة احتفاء بتجربة شعرية وإبداعية استطاعت أن تحقق حضورا لافتا في المشهد الشعري المغربي والعربي، الشاعر مبارك الراجي استطاع أن يحفر اسمه في جغرافيتنا الثقافية والشعرية، ضمن منجز حقق من خلاله تراكما سمته التنوع والجدة؛ مع انفتاح تجربته الشعرية على أفق كوني.
وقدم الشاعر نوفل السعيدي ورقة “عاشقة” لسيرة مبارك الراجي، من خلال سفر بين دواوينه وأيضا مساراته الحياتية، في حين تحدثت الأستاذة غيثة الرابولي عن مبارك الراجي الإنسان والشاعر، مستعيدة لحظة تتويجه بجائزة البياتي الشعرية. أما الناقد الفني الدكتور عبدالله الشيخ، فاستقصى حضور الشاعر القوي وأفقه الإبداعي. وقرأت فرانسواز موانوري نصا لمبارك الراجي مترجما الى اللغة الفرنسية، في حين عاد الشاعر عبداللطيف السبقي، المربي، الى بدايات الشاعر وكتاباته ونباهته المبكرة. وتخللت الشهادات قراءات شعرية للشاعر مبارك الراجي، عبر نصوص مست نواة البدايات وعمق المسار الإبداعي المتراكم. بعدما احتفت تجارب شعرية بالشعراء (أحمد بلحاج آيت وارهام، مليكة العاصمي، محمد الشيخي، محمد بنطلحة)، اختارت أن تنفتح على أحد أيقونات القصيدة المغربية الحديثة. الشاعر مبارك الراجي الذي رسم سيرة الشاعر، من خلال حرص بليغ على الحفر في اللغة، والتقاط التفاصيل الأكثر سديمية في العالم.
قصائد وتشكيل وغرافيتي ومنحوتة رملية: حوارية الشعر والفنون
أنهى الفنان محمد الصبان منحوتة رملية اشتغلت على استعارة الحرف، على شاطئ الصويرة وقرب المكتبة الشاطئية “الخضراء”. تترك “شواطئ الشعر”، لدار الشعر بمراكش، أثرا مجازيا مفتوحا أمام الصويرة وزوارها. فضاء المكتبة الخضراء، الذي شهد خلال الثلاثة أيام، تنظيم ورشات الشعر والقراءة والتشكيل وهي ورشة خصصت للشعر الممسرح، وتنمية مهارات الإلقاء والصوت والتجسيد الحركي وخاصة بالأطفال، وأطرها الشاعر الأستاذ يوسف الأزرق.
اختتمت الورشات برسم جدارية، شكلت رسالة أمل من الأطفال للإنسانية، الى جانب اللوحة الشعرية الممسرحة والتي كانت ضمن فقرات الأمسية الشعرية “الشاعر”. وشهد كل من رواق الجنوب وقاعة بوجمعة لخضر (متحف مولاي عبدالله)، الجمعة 5 غشت، افتتاح المعرض التشكيلي “وجوه” للفنان نافع أمثقال والذي ظل مفتوحا طيلة التظاهرة أمام الزوار. ويستقي الفنان أمثقال تجربته من تأطير الوجوه، دون ملامح محددة، حيث تبدو تجسيدا لأسئلة الهوية الملتبسة.
وشكلت الورشات والمعرض والمنحوثة، فضاء آخر لتجسيد حوارية الشعر والفنون، ضمن استراتيجية الدار التي تبنتها منذ التأسيس. تظاهرة “شواطئ الشعر”، هذا الفضاء الثقافي والاجتماعي يسعى لتجسير الهوة بين الجمهور والشعر، ضمن برمجة مفتوحة تسمح باللقاءات المباشرة للمبدعين وجمهورهم. كما يشكل، وضمن ما شهدته دوراته، من سفر الشعر بين الأمكنة والفضاءات ضمن ذروة عودة المواطنين المغاربة للوطن، إحدى اللحظات الرمزية المليئة بالحس الاجتماعي وبلاغات اللقاء والتلاقي.
وتندرج الدورة الثالثة لتظاهرة الشعر في المدن الشاطئية، ضمن انفتاح دار الشعر في مراكش على مختلف المدن والجهات المغربية، وأيضا من أجل المزيد من خلق فرص تداول الشعر بالفضاءات العمومية. واختارت الدار، والتي تأسست سنة 2017 بموجب بروتوكول تعاون بين وزارة الثقافة والاتصال بالمملكة المغربية ودائرة الثقافة بحكومة الشارقة دولة الامارات العربية المتحدة، تنظيم الدورة الثالثة للملتقى بمدينة الصويرة، بوصفها فضاء ثقافيا ومتلقى لحوار الثقافات.
طنجة الأدبية