تعتبر قصص “حب لا يحتاج الى ترجمة” العمل القصصي الثاني للقاصة فاتحة الطايب بعد مجموعتها القصصية “حكاية تبحث عن عنوان” الصادرة سنة 2010م. تقع هذه المجموعة، الصادرة سنة 2018م، في إحدى وسبعين صفحة عن منشورات دار الأمان، وتتضمن إهداء وشكرا وتقديما وفهرس للقصص. كما تمثل”عاش الولد” الحائزة على المركز الأول لجائزة النور للإبداع بالسويد سنة 2019 قصة؛ أي جنسا أدبيا وظيفيا في خريطة الأجناس الأدبية من حيث سعيه إلى القبض على لحظة من لحظات التقطيع الوجودي للإنسان. من هذا المنطلق شكلت مجموعة “حب لا يحتاج إلى ترجمة” نموذجا للقبض على لحظة التلاقح الثقافي عامة، والأدبي خاصة بين الثقافة المغربية والثقافة الجورجية، والإبداع الأدبي المغربي ونظيره الجورجي من خلال التفاعل بين الأنا والآخر ثقافيا وأجناسيا. ذلك أن التواصل أضحى أفقيا بين ثقافتين تنتميان إلى المجال المابعد كولونيالي، مدمجا الدفقة الشعورية واللحظة الإبداعية مع الدفقة واللحظة المترجمة لالتقائهما في الخلفية الفكرية والثقافية والاجتماعية المتشابهة نسبيا.
ولبيان ذلك، نسعى إلى تحليل قصص منتقاة من المجموعة القصصية السالف ذكرها، وهي “حب لا يحتاج إلى ترجمة” و”الانتظار” وعالم بالفراسة”، إضافة إلى قصة “عاش الولد”، مستعينين بثلاثة نماذج تحليلية بنيوية موسعة هي نموذج الشفرات السردية لتزفيطان تودوروف، ونموذج التوازن لرولان بارث، والثنائيات الضدية لكلود ليفي ستراوس.
I. التناظر والاختلاف بين الأنا والآخر
تتمظهر تجربة التناظر في قصة “حب لا يحتاج إلى ترجمة” من خلال تقطيع النص إلى ثلاث مراحل من الاتصال والانفصال. ذلك أن مرحلة الاتصال الأولى- مع الآخر الجورجي- متموقعة في مقطع التوازن الذي يتمظهر في الانسجام مع الطبيعة والثقافة والموسيقى الجورجية من خلال “ردت بالإنجليزية وهي تفهم من ملامح… ” . وتتدرج تدفقات القصة الشعورية لتصل مرحلة الانفصال من خلال مقطع اللاتوازن الذي يشهد عليه عدم التواصل وانعدام الفهم من خلال “إن إنجليزيته ضعيفة- استغرقت بعض الوقت لكي ترد- لا أجيد الروسية” . وسرعان ما تستهدف الساردة ختم النص بالعودة إلى مرحلة الاتصال من خلال الوصول إلى مقطع التوازن الذي عاد فيه التواصل والفهم بشكل أكثر عمقا في قولها “لم تجد صعوبة في فهم ما كان يشرحه” .
وتدخل الموسيقى في نسيج الحكي من خلال حب الساردة للطبيعة الجورجية مستعينة للتعبير عنه بكلمات الأغنية القوقازية التي تدعو إلى الحركة والبحث من أجل كشف الجمال المخبوء في مقولات الاتحاد التاريخية التي طمست معالم ثقافات وطبيعة بهية في جورجيا وفي غيرها من البقع، التي رزحت تحت الهيمنة السوفياتية، والتي تقاسمها التجربة التاريخية نفسها من الاحتلال المخبوء في مقولة الحماية الفرنسية.
تبدو ملامح الهوية المركبة كتصريف لطاقة الحب بين الثقافات في تداخل اللغات والفضاءات والثقافات والأفكار على طول النص. ولعل ذلك ما نبرهن عليه من خلال تصورات الكاتبة النقدية؛ حيث تعتبر أن “القارئ الذي يصيخ السمع إلى أصوات الساردين والشخصيات في كتابات المغاربة والمشارقة بالعربية وباللغات الوطنية والأجنبية، ينتهي به الأمر لامحالة إلى تغيير زاوية النظر إلى مفهوم الهوية (…) الهوية بناء متحرك لا يعرف الثبات” . تحضر في النص- بالكتابة المباشرة أو بالإحالة- عديد اللغات من مثل: العربية والأمازيغية والفرنسية والروسية والجورجية، وكذا النرويجية والإسبانية وغيرها. وتتنقل الساردة بين فضاءات متنوعة من قبيل: الأطلس المتوسط وفرنسا وبلجيكا وكندا وجورجيا وغيرها من الفضاءات. كما يحتفي النص بثقافات مختلفة منها الثقافة الغربية والثقافة العربية والثقافة الافريقية وثقافة الهنود الحمر والثقافة الاسيوية، وبشكل خاص الثقافة الجورجية. إنه احتفاء بالهوية المركبة المحبة محبة صافية لا أثر فيها للمصالح الشخصية، إنه إيمان بوحدة الإنسان، ووعي بتنوع هويته وتعددها في الآن ذاته.
وتستمر بنية التناظر في قصة “عاش الولد” من خلال الانتقال من مرحلة التوازن المتمثلة في الصداقة والتواصل مع الروسية (نصرناه- أغنية- مثالية- حلمي- السلام العالمي- الحرية…)، إلى مرحلة اللاتوازن من خلال الصدمة بسماع وجهة سفر الصديقة المفترضة (الرهيب- حجبت ضياء- فوهات الرشاشات- غبار كثيف- نيران- الطلقات المجنونة…) إسرائيل الاحتلال وهضم حقوق الإنسان، وصولا إلى مرحلة التوازن من خلال افتراض عودة حالة البدء وتحول حالة الولد إلى عاش الولد (البدايات- عاش…).
أما قصة “الانتظار” فإن التناظر فيها يتخذ شكلا بنيويا واضحا من خلال تقطيع النص إلى ثلاثة مقاطع موسومة بعناوين دالة على ثنائية الاتصال والانفصال. ذلك أن الإعلان عن مرحلة اللاتوازن يتم في النص النثري القصير للكاتب الجورجي “نيكو لوركيبانيدزي” ،الذي ترجمته الساردة إلى العربية ، من خلال المقطع الموسوم بـ”أحب العاصفة”؛ مقطع الانفصال عبر حقله اللغوي الهائج (الصاعقة- الريح الغاضبة- غيمة سوداء- الموت…). وسرعان ما تنقلنا الترجمة من مرحلة اللاتوازن إلى مرحلة التوازن من خلال مقطع “أحب السماء الصافية” كإبداع ترجمي مساو للإبداع والمتخيل الجورجيين، فتتساوى الكتابة والترجمة لتصبحا لحظة شعورية يتواصل فيها النص/ الثقافة العربية “الهدف” مع النص / الثقافة الجورجية “المصدر”، وذلك عبر حقله اللغوي الهادئ (ضوء الشمس- تزهر الخضرة- حسناء منجريلية- رقصة الليكوري- الجمال متعة…). وفي الختم، تقدم المترجمة-الساردة مرحلة المابين من خلال مقطع “يا أيها القدر” عبر حقله اللغوي المتموقع بين منزلتي الهدوء والهيجان من خلال تيمة الانتظار، الانتظار الذي طبع التواصل المابعد كولونيالي واكتشاف الآخر الإنسان والآخر الأدب (طبيعة باهتة- الضوء الباهت للقمر- يترقب المطر- ينتظر ساعته- يحيط بالصخور…).
II. التواصل الثقافي الما بعد كولونيالي مع التجربة الجورجية
تحملنا الاستعانة بالشفرة التأويلية في قصة “حب لا يحتا ج إلى ترجمة” لتوليد أسئلة من قبيل: لماذا اختيار الصباح؟ لماذا اخيار الحب؟ ولعل أسئلة من ذاك القبيل تفضي إلى تبين سيرورة تحليلية من التدرج من عدم إتقان الروسية، إلى قناعة عدم الحاجة إلى ترجمان، إلى الحديث بلغتين مختلفتين والتفاهم من خلال أنها لم تجد صعوبة في فهم خطابه ولا هو عجز عن فهم خطابها.
وبذلك، نستنتج دلاليا أن التصريح باقتراح المستحيل هو تضمين لكونه غير مستحيل بالنسبة لإرادتين متساويتين، وتنكشف الدلالة عندما تقر بأن لا مستحيل مع الرغبة والتجربة. وتعميقا للدلالة الرمزية، نجد أن الصمت الخاشع تقدير وتمجيد للفن المحلي الإنساني، وأن ألحانه الخاصة تعميق لتواصل ومحبة صادقة. وتبقى لازمة “الحب لا يحتاج إلى ترجمة” الصلة الأقوى تعبيرا عن التواصل بين الشخوص والزمكان، فهو مادة زئبقية لا تنفك تنفلت من عقال القيود والحواجز، والتعبير عنه بالترجمة يوازي التعبير عنه بالإبداع الشخصي.
ثقافيا، تتواصل الساردة مع التجربة الثقافية الجورجية تاريخيا من خلال التناظر في السياق الاستعماري بين عرب تم استعمار أرضهم بحجة الحماية، وجورجيين خضعوا للتجربة نفسها مع المغول والترك والاتحاد السوفييتي بذريعة الاتحاد. وبذلك يرتفع الإبداع إلى شبه اتحاد فكري مع الجورجي في تأكيد نديته للثقافة الغربية من حيث الفن المحلي العالمي واللغة التواصلية والمحبة الإنسانية.
تعلن الشفرة التأويلية، في قصة “عاش الولد”، عن سيل من الشك في كل اختيار سردي من مثل: لماذا الانتقال من المناصرة إلى المجادلة؟ ولماذا اختيار شخصية جفاخشفيلي؟ وغيرها من الأسئلة. تثير هذه الأسئلة سيرورة تحليلية للتدرج من النصر إلى المناقشة ،إشارة تواصل ثم انفصال، في قول الساردة: “جمعنا ميخائيل جفاخشفيلي، نصرناه قبل أن نجادله…” . ومن ثمة، توصلنا الشفرة الدلالية إلى أن “الروسية الوحيدة” دلالة على موقف معزول لا يمثل الحس المشترك، ثم نلفي تشخيص برميل إسمنت يحتمي به الطفل ليصبح البرميل أكثر إنسانية من الإنسان ذاته. أما البعد الرمزي، فيرفع محمد الدرة إلى رمز عدالة قضية وهمجية آلة قتل. وتتوسع معرفتنا العامة لتعانق شفرة ثقافية في “تاريخ آسيا القديم”؛ تاريخ الأديان والتيارات الفكرية من هندوسية وبوذية وبراهمانية ويهودية ومسيحية وإسلام… وكلها أديان تدعو إلى السلام.
وفي قصة “عالم بالفراسة”، نجد قصة إبداعية في توافق الرؤية الثقافية والأدبية بين الإبداع والترجمة. إنها ترجمة لمقطع من رواية “ناموس الأبدية” للكاتب الجورجي نودار دومبادزي، أي تناص مع جنس أدبي له خصوصيته التي تحولت من اقتطاع الواقع والحالات الإنسانية وغيرها إلى القبض على لحظة من لحظات الواقع الإنساني. إنها لحظة الارتشاء التي تحولت من فعل فردي إلى حدث جمعي بنيوي في ظل نظام مهترئ. لقد حضر جنس الرواية في قصتنا بمنظور مختلف شكلا ووظيفة؛ حيث ترجمت القاصة مقتطفا من رواية “ناموس الابدية” للروائي الجورجي نودار دومبادزي إلى اللغة العربية، فكانت الترجمة إبداعا لدلالات جديدة في تكثيف للغة ودقة في التعبير عن اللحظة الشعورية، وفي سياق الحكي الذي يحتفي بالتلاقح الثقافي عامة وبالترجمة الافتراسية بخاصة.
فالشفرة التأويلية توقفنا على أسئلة من قبيل: لماذا فتح عينيه بعد أن كانتا مغلقتين؟ ولماذا غورام قس بالصفة؟ وتوالت أحداث الرشوة في شكل دمى روسية؟ وتحملنا الشفرة التحليلية إلى تبين الانتقال من ترنيمة “بفضل النظام السوفياتي، وبفضله فقط، تمكن الحزب والحكومة من تنفيذ تدابير من قبيل: تعليم مجاني، وراحة مجانية…” إلى مقطع “وتلقيت رشوة قدرها نصف مليون” ووصولا إلى مقطع “الرجل الشريف تماما هو الذي تكون فردتا حذائه مستهلكتين…” ثم خاتمة السيرورة بمقطع “أنا أيضا، على ما يبدو، وغد لئيم” .
وتفضي بنا الشفرة الدلالية إلى أن الأب غورام ضد الرشوة أيضا، وسؤاله الآتي:” أينجم عن هذا أن أحدهم قد قبل بالفعل رشوة ، يا سيد باتشانا ؟” ،يدل على أنه عاش مخدوعا ، لا علم له بما يجري في واقع الأمر. لتصبح الرشوة نسقا متشابكا ومتداخلا تتعدد مظاهره وأساليبه ووسائله في نسق الخفاء والتجلي.
كما أن وضعيات “المقدمة كانت بالية” و”حذاءه كان يضغط عليه” و”كعب حذائه أطول” إحالة إلى وضعيات مجتمعية لأنماط من العيش الذي تختل فيه الموازين بين إمكانات الأنا وطموحاتها في المجتمعات التي عاشت وتعيش مظاهر الاستعمار المباشر وغير المباشر، ونموذجه المجتمعان المغربي والجورجي.
وتحملنا الشفرة الرمزية إلى كلمة الأب التي ترمز إلى أقصى درجات ادعاء الطهارة. والشتم بالروسية الذي يرمز إلى فساد الاتحاد السوفييتي البنيوي، والضرب تعميق للمعنى الرمزي من خلال استعراض القوة الذي يسم الاتحاد إبان الحرب الباردة ويسم كل القوى التوسعية.
بينما تفتحنا الشفرة الثقافية على الثقافة العامة التي تضع “باتشانا” قبل استيقاظه موضع آدم في جنته قبل أن تظهر حواء. إن “باتشانا” النائم هو آدم الطاهر الذي لم يرتكب الخطيئة، واكتسابه الوعي أو تذكر فعل الارتشاء هو نظير لشخصية حواء التي تمثل رمزا للخطيئة في الثقافة المسيحية. لقد خضع النص لبنية نصوص شبيهة به من قبيل: نص “يونغ كود مان براون” (Young Goodman Brown) لناتانييل هاوثورن (Nathaniel Hawthorne) الذي آمن بطله بالطهارة، ثم خرج في مغامرة ليلية ليكتشف زيف هذا الادعاء من خلال اكتشاف أن آباءه ورعاة الكنيسة الطهرانية، هم كذلك، مرتكبون للخطايا. كما أن النص يدخل في تواصل مع نص “أنيمال فارم” (Animal Farm) لجورج أورويل (George Orwel) الذي كشف زيف شعارات الاشتراكية كالعدالة الاجتماعية والمساواة والحرية من خلال استقصاء وتجربة مدى واقعيتها في تجسيد الحركة الثورية في خنازير المزرعة.
أما مقطع رواية “عالم بالفراسة”، فكان كاشفا عن قيم مستعرضة لمختلف البلدان من مثل التضحية والفساد والحكم بالمظاهر وغيرها. وبذلك نجد تجسيدا لبعض مبادئ الأدب المقارن المتمثلة في أنه يبحث في سؤال “كيف؟” أكثر من سؤال “ماذا؟”، فضلا عن كونه ينطلق من تصور للحوار بين الثقافات واللغات والآداب والتخصصات وغيرها .
III. قيمة الحب جسر للتواصل مع الثقافة الجورجية
تفتح الثنائيات الضدية في قصة “حب لا يحتاج إلى ترجمة” مجال الكشف عن التقابل بين “الحلم” و”نام دهرا” في مقابل “الصباح” و”واقع آخر” للتدليل على التقابل بين الاستعمار والتقييد من جهة والجمال والتحرر من جهة أخرى. فضلا عن التقابل بين “تضمك” و”عنوة” للإحالة إلى “الاتحاد” و”الاستعمار”. إضافة إلى التقابل بين فهمها بصعوبة وعدم إيجاد صعوبة في الفهم.
وهكذا يتحول السياق، في القصص قيد التحليل، من سياق واقعي مرجعي إلى سياق شخصي يصطبغ بذات الكاتبة وتجربتها الشعورية . ذلك السياق الذي يتلون بدوره بالتجربة الفكرية والثقافية لصاحبته . إن استحضار الساردة لفسيفساء من اللغات (العربية والأمازيغية والفرنسية والجورجية والروسية وغيرها) لم يكن بداعي تمجيد اللغات والاحتفاء بها كما خبرتها أثناء تنقلاتها في عديد المؤتمرات الدولية في كندا وجورجيا ومصر وغيرها، بل نجده استحضارا قصديا من أجل نسف منظورها الإقصائي إبان التواصل اللامتكافئ. ولكي تختبر الساردة أهمية اللغة في التواصل- التباعد تخلت عن اللغة في لحظة من لحظات السرد فتحقق التواصل، وتأكد الإحساس بالحب الذي لا يعرف لغة بعينها، بل يتحقق جوهريا في غيابها، ويتعالى عن تعددها ليحتفي بوحدته الإنسانية السامية. وفي هذا الاطار، نلفي قول الساردة: “لا كلام يترجم عظمة ذلك الصباح…” ، وكذا في قولها: “لم تجد صعوبة في فهم ما كان يشرحه من أمور تتعلق بسر الحياة في البيت، ولا هو عجز عن فهم استفساراتها” . تستحيل القصة هنا موقفا من الواقع، لا انعكاسا ساذجا له؛ أي تحقق فعلا بالقول داخل القصة يجعل أثر غياب اللغة أو تعويضها هو حضور التواصل بين الطرفين. إن في هذا التمظهر الفني تحققا لغاية الأدب العالمي الذي يمثل إنتاجا إنسانيا يوحد الشعوب ولا يفرقها، مع أنه يحافظ على خصوصية كل منها.
يظهر الرضى النسبي عن واقع العلاقة في بزوغ فكر مواطني المستعمرات، وفي أن المستعمَر قد تغير حاله، وفي أن قوة اللغة المتداولة اختل ميزانها. قد يتحقق الحب/ التواصل/ التفاعل بنوع من الوعي بالهوية عامة وبالهوية اللغوية بخاصة، فنعود إلى لغاتنا بمنطق منفتح ومعتز بها، عوض لغة تنمطنا وتهيمن علينا. ولعل ذلك ما دعا البطلة إلى تغيير اللغة في قول الساردة: “ولجا المغامرة، وحلت لغاتهما بتدعيم من الاشارات محل لغة الهيمنة الجديدة” . وبهذا نكون قد دخلنا مع القاصة مرحلة مابعد المقارنة الإبداعية- النقدية؛ حيث التركيز على إعادة النظر في المركزي والهامشي .
يحضر التقابل نفسه في قصة “عاش الولد” من خلال التقابل بين الصداقة والتحفظ كموقف شخصي يحمل وعيا جماعيا بالتموقف من الذي انحرف عن الصداقة والسلام. وتختتم القصة بالتقابل الأشمل بين “مات الولد” و”عاش الولد” دلالة على ديمومة القضية وبقائها بقاء الاحتلال.
وتتعمق الثنائية الضدية في قصة “الانتظار” عبر التقابل بين الصفاء والعاصفة؛ أي لحظات اتصال بالطبيعة وبالثقافة وباللغة كمعارضة للحظة الانفصال الشعورية في نص متصل تتساوى فيه الكتابة بالترجمة، ليصبح النص إبداعا مزدوجا ينكتب من لدن مبدعة مزدوجة تكتب ويكتب معها المترجَم في انكتاب النص الإبداعي.
وبذلك ننطلق، في مطلب المساواة بين الإبداع والترجمة، من حكم الكاتبة وهي ترتدي قبعة الناقدة في معرض تحليلها لرواية سيرك عمار لسعيد علوش ليصبح حكما على “حب لا يحتاج الى ترجمة”، فنقول إن الكاتبة تضيء وهي تزاوج بين الكتابة الإبداعية والنقدية مشروعها الذي يمتلك منطقه الخاص داخل سياق جمالي وثقافي وإديولوجي . لنقول أن الكاتبة تزاوج بين الإبداع والترجمة حتى تستحيل الترجمة جزءا بنيويا من الإبداع، في ظل مشروع ما بعد المقارنة.
تركيب
لقد شكلت المجموعة القصصية عامة، والقصص موضوع التحليل بخاصة، مناسبة لفتح مجال التفكير أمام عديد القيم الإنسانية والموضوعات الأدبية والقضايا النقدية. ذلك أن الحب والتثاقف والاستقامة قيم نبيلة تنبني في القصص وفق صراع بين التصورات الكولونيالية والمابعد كولونيالية، في رغبة إبداعية فكرية للتحرر من ربقة الهيمنة والسلطة وخطاب المركزية لتنفتح على التحرر والتكافؤ وتفكيك الخطاب. كما شكلت المقارنة الأدبية والثقافية بين المجال العربي المغربي والمجال الجورجي على مستوى اللغة والكتابة الإبداعية والموسيقى والرسم وغيرها مجالا مسهما في استكمال مشروع القاصة الناقدة الموسوم بما بعد المقارنة. وتحضر قضايا الإبداع والترجمة والتجنيس في شكل إبداعي يجسر الهوية بين الإبداع والترجمة وبين الأنا والآخر لتصبح الكتابة حجابا، لا كشفا، يخفي وحدة الإنسان المتعددة.
الببليوغرافيا
المراجع باللغة العربية
– الطايب (فاتحة)، “مركزية الهامش: الهوية الثقافية في روايات ابراهيم الكوني”، ضمن: أسئلة القراءة وآليات التأويل”، بين النقد ونقد النقد-، دار الامان، الرباط، ط1، 2015.
– الطايب (فاتحة)، حب لا يحتاج إلى ترجمة، دار الأمان، مطبعة الأمنية، الرباط، 2018.
– الطايب (فاتحة)، عاش الولد، مجلة ضاد، اتحاد كتاب مصر، عدد 17- 18، 2020.
– الطايب (فاتحة)، من الأدب المقارن إلى الدراسات الثقافية او تطور الرؤية الثقافية في الجامعة المغربية، ضمن: المقارنون العرب اليوم، تنسيق: ادريس اعبيزة، منشورات كلية الآداب والعلوم الانسانية، الرباط، ط1، 2014.
– بوعزة (محمد)، استراتيجية التأويل- من النصية الى التفكيكية-، منشورات الاختلاف (الرباط) ومنشورات دار الأمان (الرباط)، ط1، 2011.
– شوقي رضوان (أحمد)، مدخل إلى الدرس الأدبي المقارن، دار العلوم العربية، بيروت، ط1، 1990.
المراجع باللغات الأجنبية
– Eco (Umberto), L’œuvre ouverte, tra: Chantal Roux de Bezieux, éd: Seuil, 1965.
– Totosy de Zepetnek (Steven), Comparative literature: theory, method, application, ed: Rodopi, B.V, Amsterdam, 1998.
العربي قنديل
أستاذ باحث بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين (بني ملال).
– فاتحة الطايب، حب لا يحتاج إلى ترجمة، دار الأمان، مطبعة الأمنية، الرباط، 2018.
– فاتحة الطايب، حب لا يحتاج إلى ترجمة، ص 35.
– نفسه، ص 35.
– نفسه، ص 36.
– نفسه، ص 34
– فاتحة الطايب، “مركزية الهامش: الهوية الثقافية في روايات ابراهيم الكوني”، ضمن: أسئلة القراءة وآليات التأويل”، مرجع سابق، ص 182
– فاتحة الطايب، عاش الولد، مجلة ضاد، اتحاد كتاب مصرـ عدد 17- 18، 2020.
– ، فاتحة الطايب، حب لا يحتاج إلى ترجمة، ص 57.
– نفسه، ص 59.
– نفسه، ص 65.
– نفسه، ص 66.
– Steven Totosy de Zepetnek, Comparative literature: theory, method, application, ed: Rodopi, B.V, Amsterdam, 1998, p 16
– محمد بوعزة، استراتيجية التأويل- من النصية الى التفكيكية-، منشورات الاختلاف (الرباط) ومنشورات دار الأمان (الرباط)، ط1، 2011، ص 32
Umberto Eco, L’ œuvre ouverte, tra: Chantal Roux de Bezieux, éd: Seuil, 1965, p 50.
– فاتحة الطايب، حب لا يحتاج إلى ترجمة، ص 34
– نفسه، ص 34
– أحمد شوقي رضوان، مدخل إلى الدرس الأدبي المقارن، دار العلوم العربية، بيروت، ط1، 1990، ص 9
– فاتحة الطايب، حب لا يحتاج إلى ترجمة، ص 36
– فاتحة الطايب، من الأدب المقارن إلى الدراسات الثقافية او تطور الرؤية الثقافية في الجامعة المغربية، ضمن: المقارنون العرب اليوم، تنسيق: ادريس اعبيزة، منشورات كلية الآداب والعلوم الانسانية، الرباط، ط1، 2014، ص 230
– فاتحة الطايب وآخرون، أسئلة الفراءة واليات التأويل- بين النقد ونقد النقد-، دار الامان، الرباط، ط1، 2015، ص 141