انقضى رمضان ولا زالت روحانياته وأجواء صفائه تنبض في سرائرنا وأنفسنا، والعبد المؤمن المحب لله هو الذي يجعل ما أنعم الله عليه من الروحانية والصفاء مولدا جديدا يحياه بعد رمضان وبذلك تصبح الأيام كلها رمضان.
فما كان يحرمه علي نفسه في رمضان، فليكن كذلك بعد رمضان فيصوم عن الغيبة والنميمة ، ويبتعد عن الكذب ويهجر المعصية بكل معناها سواء كانت كلاما أو خلقا أو سلوكا ، ويحيا الصفاء الروحاني..والسلام النفسي على مدى الأيام مترجما هذه الروحانية الي عمل نافع وتعاون تتجلى فيه التقوي والصلاح وحب الله.
وبذلك كان شهر رمضان ميلادا جديدا ، وبزوغ اشراقة الايمان في حياته، ورسالة اليه كي يحافظ علي هذا الصفاء النفسي فيحيى ليالي العمر بالقرآن والذكر والصلاة، ويتصالح مع نفسه والآخرين بالعمل الصالح والعطاء، ويحيا أجمل نبضات الحب مع الكون وما خلقه الله من آيات تتجلي فيها نسمات الحنان الالهي.
ويزين أيامه ولحظات عمره بالأخلاق الحميدة ويضع أمامه حقيقة هامة خالدة وهي: أن إلى ربه المنتهى ولتحقيق المعني الجليل للآية الكريمة ” وإن إلى ربك المنتهى” لا بد من مسلكين هما: الارادة والرياضة.
الارادة المصممة التي لا تلين ، وتزيل ـ لقوتها وتصميمهاـ كل ما يقف أمامها من عقبات في سبيل الوصول الي الله سبحانه .
والرياضة التي تتخذ الله هدفها، والتي تتمثل في معاني الهجرة الي الله ، والفرار اليه جل جلاله.
وتتعاون الارادة والرياضة في الوصول ـ بتوفيق الله ـ إلى هذا المنتهى الذي لا بد من الوصول اليه، لتستقر الارادة وتسكن.
إن الله سبحانه وتعالي يأمرنا على لسان نبيه صلي الله عليه وسلم بالفرار اليه :” ففروا الي الله ، اني لكم منه نذير مبين ”
والانسان يفر الي الله من الكفر إلى الايمان، ومن الطاعات إلى القربات، ومن الكون إلى المكون، ومن النعمة إلى المنعم، ومن الخلق إلى الخالق، ومن نفسه إلى ربه.
والفرار إلى الله لا نهاية له، لأن الترقي إلى الله لا نهاية له ، وكما أن الفرار إلى الله مستمر .. فان الهجرة إليه سبحانه مستمرة دائما، وهذا يذكرنا بقول سيدنا إبراهيم عليه السلام:
” إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم”
إنه عليه السلام مهاجر إلى ربه بعمله، بحركاته، وسكناته، وأنفاسه، بنومه وصحوه.
والهجرة إلى الله والفرار اليه بمعني واحد شامل وضحه لنا رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم ممتثلا في أمر الله سبحانه وتوجيهه في قوله تعالي:
” قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين …”
والرياضة ذكر دائم ، وتذكر له سبحانه في كل لمحة، وهي إتجاه إلى الله بكل الأعمال، وهي هجرة لا تنقطع اليه سبحانه.
فاذا كان شهر رمضان قد انقضي… فان الهجرة إلى الله لم تنقض بعد ، وأبواب الفرار إليه مفتوحة…
فلنفر اليه من الطاعات في رمضان الي القربات علي مدى الأيام للوصول اليه سبحانه……………..
” فإلى ربك المنتهى” ..
فلتسارع اليه بالخيرات والعمل الصالح.. يذكرك سبحانه في الملأ الأعلى ، وتفتخر بك الملائكة ……فتصبح عبدا ربانيا من أهل الله وخاصته اذا قال للشيء ” كن .. فيكون”.
د. ناهـد الخراشي
الكاتبة والمحاضرة في العلوم الانسانية
تسلم الأيادي التي خطت هذه المقاله
أحسنت النشر وجزاك الله خير الجزاء
رفع الله قدرك وعز شانك وكتب أجرك