بعد أربعة كتب سينمائية سابقة هي تباعا: “تشريح الفيلم المغربي” (2013) و”سينما العالم في المهرجانات المغربية من 2009 إلى 2014″ (2014) و”كيف تعلمت السينما؟” (2018) و”جدل في شارع السينمائيين المغاربة”، أصدر الناقد السينمائي النشيط محمد بنعزيز مؤخرا كتابه السينمائي الخامس بعنوان “النقد السينمائي بين النظرية والبراكسيس” (2022)، وهو ثمرة لما تراكم لديه من معطيات وأفكار وغيرها نتيجة مداومته على المطالعة والمشاهدة والكتابة.
تتوزع صفحات هذا الكتاب الجديد، وعددها 196، على فصلين: الأول خصصه المؤلف للحديث عن النظرية النقدية وخلفياتها الفلسفية والفنية، والثاني طبق فيه هذه النظرية على أفلام مرجعية في المشهد السينمائي العالمي من قبيل “الجوكر” و”بارازيت” و”ستموت في العشرين” و”غرين بوك” و”حدث ذات مرة في هوليود”…. وحسب مؤلفه فهذا الكتاب الخامس عبارة عن محاولة لتحرير نقد فني جمالي بلغة حديثة وفق منهج دراسة حالة، ومما جاء في مقدمته: “منذ ركزتُ على الكتابة عن السينما بهدف فهم كيف تصنع الأفلام، وقفتُ على كثير من المقالات التي تصنف كنقد سينمائي، ويتصف جلّها بما يلي: أولًا، مقالات أقرب إلى محاضرات عامة عن فلسفة الفن والصورة ونقد ملكة الحكم… وليس عن متن سينمائي، أي أفلام محددة. ثانيًا، مقالات ـ محاضرات مرتجلة مشبعة بالاستطرادات عن عشق السينما، يغير فيها الكاتب والمحاضر الموضوع بعد كل سطرين، أو بعد كل دقيقة، ومقالات هي مغرقة في التجريد، ومفرطة في تنظير عاطفي متعال وغير سينمائي. ثالثًا، مقالات تستغفل القارئ بذكر مصطلحات كبيرة غير سينمائية، وتستشهد بأسماء فلاسفة عاشوا أصلًا قبل ظهور السينما. رابعًا، مقالات يفترض أنها عن السينما، ولا يذكر كتابها ولو فيلمًا واحدًا، وقد يذكر عشرة أفلام في صفحة واحدة، وهذا تعميم مفرط. خامسًا، مقالات موضوعاتية عن المرأة في السينما والطفل والتاريخ في السينما والبطاطس في السينما، مقالات هي مقاربات فضفاضة، سوسيولوجية في أحسن الأحوال، ولكن ليست فنية، وقد تؤول كتابة نضالية مؤدلجة تُحلل وتحرّم. سادسًا، مقالات عن أفلام قديمة جدًا، وتحتل فيها المقدمة أكثر من نصف المساحة. سابعًا، مقالات فيها جمل طويلة تشمل أكثر من عشرين كلمة… مقالات فيها كثير من أدوات النفي والاستدراك والإضراب، مثل: ليس، لكن، بل، غير أن… أساليب إنشائية في كل سطر. مقالات نفي وليست مقالات خبرية تعرض معارف فنية. ثامنًا، مقالات أشبه بسيرة ذاتية لكاتب يتجول في المهرجانات، يكثر من ضمير المتكلم ويمتدح طيبوبة الأصدقاء، لذلك فهي مقالات تنويهات متبادلة من باب “الكلمة الطيبة صدقة”. مقالات مغرقة في الذاتية لا تمدّ عقل القارئ بمعلومات عن الأفلام. لتجاوز هذا الوضع، جاء هذا الكتاب الذي يهدف للمساهمة في رفع مستوى الأسئلة المطروحة، وتدقيق الأجوبة التي تخص ممارسة النقد السينمائي.“
فما هو الفيلم؟ وكيف يمكن تناوله نقديا؟
يعرف بنعزيز الفيلم بكونه نصا يقرأ ويفكك ويحلل، والتحليل في نظره هو عزل كل عنصر من عناصر الفيلم، كالتصوير والتشخيص والصوت والموسيقى…، ودراسته لذاته ثم إظهار صلته بباقي المكونات المجاورة له في تركيبة الفيلم. وكتابه الخامس هذا هو مساهمة لرفع مستوى الأسئلة المطروحة وتدقيق الأجوبة التي تخص ممارسة النقد السينمائي. وهو أيضا محاولة لإبراز ما يلي:
كيف نجعل من كثافة الإنتاج السينمائي رافعة ثقافية؟
كيف نوفر مادة ثقافية تغني النقاش على هامش المهرجانات السينمائية؟
كيف تساهم الكتابة عن السينما في تطوير السرد الفيلمي؟
ويرى محمد بنعزيز أن ذلك يتحقق بترك أثر مكتوب بعد كل مشاهدة لفيلم ما، باستخدام العلامة اللفظية لفك شيفرة التعمية عن العلامة المرئية على الشاشة.
وفي نظره فالمهرجان الذي لا يكتب عن أفلامه يتبدد مع “بوز” البساط الأحمر، ومن هنا سحر النقد السينمائي الذي لا يتبدد مع الزمن، وذلك لأنه يمنح الأفلام التي يتناولها حياة أخرى.
أحمد سيجلماسي.