بُسِطت فُرُش بتوازٍ مع جُدران الحجرة الأربعة؛ هي في الأصل لُحُف منسوجة على نوْل من دعّامات خشبية، وذراع لفّ الخِرقة مُتحرك؛ بخيوط صوف مصبوغة بألوان مختلفة بالنِّيلة؛ تاركة مستطيل وجه حصير من سيقان نبات السَّمّار المجففة يظهر؛ عليه مائدة خشبية قصيرة الأرجل، وجُعِلت على الحائط وسائد مُوزّعة؛ صوفية هي كذلك؛ تبرز منها أزواج خيوط تنتهي أطرافها بأقراص صغيرة ودقيقة؛ بلون معدني برّاق.
كانت تجلس على جزء من الفراش امرأة في سن ما دون الستين، وهي التي نفّشت الصوف، وغزلته، وحاكت به الأنسجة؛ تغطي رأسها بوِشاح فاتح الألوان، وتُرخي على كتفيها وجذعها وطرفيها السفليين إزارا أبيض وأزرق؛ تُمسك براحتيها مِسبحة؛ تُمرّر حباتِها الاصطناعية؛ وشفتاها تتحركان بكلمات التسبيح والتحميد والتّأليه والتكبير؛ تنظُر في اتجاه واحد فقط؛ في ابنها ذي التاسعة عشرة؛ وتسمع ما ينطق به؛ يَقْعُد هو كذلك الأُرْبُعَاء؛ مُتوكّئا بذراعيه على المائدة؛ يقرأ في كتاب، ويخُط مُردِّدا كلماتِ ملخّص فقَرات في تاريخ معركة مُقاوَمة؛ على كُرّاسة: «بعد أن حلَّ الجنرال الفرنسي (أوجين رونو) بفاس؛ في 30 مارس 1912م، ودخل بتجريدة عسكرية إلى القصر؛ ووقّع مع سلطان الدولة الشريفية المولى عبد الحفيظ على عقد؛ تم بموجبه جعل المغرب تحت حماية فرنسا، ثارت قبائل الجبل بعد ذلك بعقد من الزمن؛ كبدت الفرق العسكرية الفرنسية خسائرا في العتاد والأرواح، ودفن الفرنسيون قتلاهم وهم في خضم المعركة…».
كان أذناها يلتقطان كل كلمة؛ تتالى في مُنحنى مُتوازٍ مع حبات السّبحة ولهْجِها هي بما يُعظم الخالق تسبيحا به، وعندما وصل في تلخيصه ذاك، وهو ينكبّ على تقييده؛ إلى الجملة الأخيرة؛ فيكون قد اكتمل المعنى أو كاد؛ توقفت سبّابتها عن تحريك الحبّات، واتسعت عيناها؛ كأنهما كانتا غائبتين، وحدّقت في وجه ابنها؛ باحثةً ولأول مرة عن علامات جديدة تظهر مع نموه من سن لآخر، وركّزت انتباهها في آخر ما لخّصه؛ مُحكما سبابته وإبهامه برأس القلم؛ بادئا بالكتابة، وبسرعة؛ حتى لا تنفلت منه معاني الجمل والكلمات، وسألته مُحقّقة أكثر:
– أوَ قلت يا ولدي دَفَن أولئك الفرنسيين قتلاهم؟
أجاب دون أن يرفع رأسه وينظر إليها:
– نعم.
كانت ستتفوه بسؤال آخر، أو بقول، لكنها أدركت أن عليها أن تدع ابنها يستمر في قراءة الفصل من الكتاب، وفي تلخيص فقراته؛ ليفهم درسه جيدا، وليحفظ في ذاكرته المعلومات الضرورية؛ ليتطرق إليها في موضوع يُطرح للامتحان، وصارت تُنقب عن بقايا أحداث قديمة ترسبت في ذاكرتها، وتُذردر عنها أتربة طمرتها بها سنون عمر طويلة، وأهالت عليها النسيان؛ فأول ما تذكرته من ذلك الزمان ثلجَ شتاء، وكيف بدأ يذوب بحرارة شمس ربيع من قمم تلال وجبال الأطلس، وسفوحها، فتنبت في تربة الأرض المروية بالماء المتدفق، وبكثافة جذورٌ تطول أغصانُها وتُورق، وتمتد بساطا بأشكال من البراعم والزهور، وتُضيء المتضرسَ بالجبال شمسٌ مشرقة، وتستيقظ طبيعة تلك البيئة الغنية في أحد الصّباحات، فكانت طفلةٌ، ولابتسامتها الدائمة، ولاستجاباتها السريعة، ولحذقها، ولخفة جسدها، ولرقة قلبها؛ تنجذب لها النفوس، فيظل اسمها (فَاطِنَة)؛ وكانت بحق فَطِنة؛ ينادي به عليها كل من الجيران يصادفها في الطريق الهابط، أو في مسارب مسارح الماشية، أو في السوق؛ يصطحبها أبوها إليه، لأنها بِكره؛ المعمم والـمُتجلبِب بالبياض، وذي اللحية الخفيفة، والوضاءة، والقلبِ السمح؛ يُتاجر في الأسواق الأسبوعية بالحبوب وجِزز الصوف؛ عُدته حقيبة يُطوى عنُقُها، ومـِخيَط، وخيوط من قُنّب، وأخياش، ومِكيال قصديري؛ قد نهضت في ذلك الوقت؛ على نور تدفقت حُزمته إلى الداخل عبر كُوة في الجدار؛ كان أول عهدها به في ذلك العام؛ بث نشاطا في جسدها، وأحست بدفء في الجو، وأطلّت من الباب على الساحة المحاطة بحائط قصير؛ سرحت فيها الدِّيكة والدجاجات والبِطاط والأرانب، وبصبص فيها كلب وَفِيّ، وحارس قطيع الشياه؛ مُبتسمة وفرِحة تلك الطفلة؛ ناظرة في الأرجاء القريبة، وإلى سماء صافية الزرقة؛ تملؤها رفرفةُ أجنحة الطيور، وتغاريدُ العصافير.
غمست قطعة فطير في زبدة الضَّروع مُذابة، ودارت وهي تمضغها إلى وراء الدار، وأخرجت من الزريبة الشائكة خرفانا ونعاجا، وساقتها، يتقدمها النابح؛ ترسل نظرها بعيدا؛ تكون مطمئنة إذا لم يكن هناك ذلك الجالس في أغلب الأوقات أمام كوخه الحجري؛ يُخيفها شعره الأشيب المتدلي والمشعث؛ من تحت عِمامة أطبق بثوبها الغامق على رأسه، وعيناه الحمراوان فالتتان من محجريهما ببريق، كبِليتيْن من زجاج، وتجاعيد برية قوية؛ يغزوها زغب كالإبر؛ وصوته الغليظ؛ كان لا يبدل ثوبا يُشمّره بحزام من كتّان بآخر؛ ذلك المسن لا يتركها تستمر في ضبط سير القطيع، وكان يسمع كثيرا المناداة باسمها، فينهض من العتبة الصخرية المظللة بشجرة، ويمسك بطرف كُمها مُشيرا بعصاه المفرّعة في سفوح جبال الأطلس، ويقول لها مُترنما، وما يُفزعها من تلك المراعي:
– عُشب هي تلك الأرض الآن يا (فاطنة)؛ قبل زمننا هذا كان جوها يختنق برائحة بارود البنادق، وأزير الرصاص، وصيحات بألم اختراق الخرطوش، وأجساد تتهاوى على التراب؛ تنزف دماء يا (فاطنة)؛ لافظة أنفاسها الأخيرة. إلى ذلك التلّ ترتعين يا (فاطنة)؛ تسرح شياهُك على هياكلهم أولئك النصارى… عودي يا (فَاطْنة)… لا تُعرجي على ذلك المكان يا (فَاطْنة)، فما زلت أرى وجوههم ورؤوسهم مُلطّخة بالدماء وهم يُدفنون، واذهبي في اتجاه آخر يا (فاطنة)…
ويمضي يهذِر، وهي تحاول الانفلات من قبضة كفه الصّلبة.
لم تدر الآن لماذا لم تطرأ عليها آنذاك فكرة إخبار أبيها الحاج، والذي كان في مثل عمرها وهو راعي أغنام، ويقضي وقته في صنع مزامير من أنابيب قصب الوادي، وكثيرا ما التقيا في التبكير بالقطيعين، أو بالعودة منهما عند غروب الشمس، ويجتمعان إلى بعضهما البعض عندما يظهر ذئب على قمة ربوة؛ رافعا خيشومه يعوي، فيهددانه بعصوايهِما، ويتقدمان في اتجاهه ببضع خطوات؛ يطردانه إلى ما راء التلال، وليتقهقر بين أشجار الغابة، فقد يتسلل لينقض على حُملان تأخرت، أو شياه زاغت؛ هو من أخبر أباها بذلك، فسألها والدها:
– أوَ صحيح يروّعك ذلك الشيخ؛ بمدافن موتى الفرنسيين؟
فتجيبه قائلة بثلعتم خافضة بصرها، ومحركة إحدى قدميها:
– نعم… إنه يُحذرنا بالرعي في تلك الناحية…
قال بهدوء:
– لا شيئا يشغل (موحى الزّياني) غير الكلام فيما مضى من أحداث… كان ممن قاوم تقدم فُرق فرنسا العسكرية إلى الجبل.
كان بصرا (فاطنة) قد رأيا هناك في ذلك المنخفض شياه صانع المزامير، وقد انتشرت على العشب؛ الذي غطى الأرض، فصاحت على غنمها تستحثها، ولوّح هو عليها بيده بسعادة، والتقط حصاة ألقمها أوراق دَوْم مضفورة، وأدار ثقلها بخيط مفتول من الدّوم نفسه، وتركها تمرق مُصفّرة بالريح؛ إلى طائر مُتيقّظ؛ طار بعيدا، وردت هي رافعة يدها، وهاشة بعصاها على خروف حمسته شساعة الكلأ.
وكان قد انقضى نهار ذلك اليوم، فلَمَّ كل منهما شياهه، ووجهها إلى طريق العودة، وكان قرص الشمس قد غَرَب، وبدأ الليل يزحف على بيوت الدّوّار، وعلى قمم وسفوح جبال الأطلس، وتخيلت (فاطنة) الموتى الفرنسيين؛ دفيني تلك الجهة التي ترعى فيها ذوات أصواف؛ ينتظر القرويون قدوم فصل لقَطعها، وكانت تجري يمينا وشمالا لتُحافظ على انضمام الغنم إلى بعضها البعض، وتنظر إلى الوراء؛ إلى المساحات التي أظلمت؛ ما إذا كان هناك ذئب يتعقب القطيع، وكانت تسمع من وقت لآخر همهمات الرّاعي، وهو يجدّ في مثل ما تفعل هي، والذي شد بصريها إليه في الظلام هو ثلاثة أشباح؛ يستنيرون سراجا مُلحّما بصفائح قصديرية، وله وجوه أربعة من زجاج؛ يشع منها نور شمعة؛ يحمله أحدهم؛ يسيرون بخطا خفيفة؛ عرفت من مشية أحدهم (مُوحى الزّياني)؛ يتقدم اثنين، ومن الجلباب الصوفي الثقيل (شيخ) الدوار، والآخر فرنسي يرتدي لباسا أسود اللون، وتبرق صفيحة حذائه الملمع الجلدي تحت ضوء المصباح، فنادت بصوت خافت على صانع المزامير، فالتحق بها، وقالت له:
– أوَ رأيت… (موحى الزياني) مع اثنين؟
نظر حيث أشارت، وقال:
– نعم.
تساءلت بفطنة:
– أهم ذاهبون إلى موتى النصارى؟
قال الراعي:
– لنوصل القطيعين إلى الزريبتين، ونعود لنعرف ما يفعلون في هذا الوقت من الليل.
ورجعا، واستهديا إليهم؛ أولئك الثلاثة بضوء السراج، ولما دنوا منهم اختبئا بأجمة، ورأيا (مُوحى الزّياني) يحفر بمعول، والفرنسي يجرف التربة بمجرفة؛ حتى تعمق الحفر، فنزل ذو اللباس الأسود والحذاء المتقن التصميم؛ على ركبته اليمنى، وأخرج جمجمة إنسان، ورسم على صدره وجبهته إشارة الصليب، وصار كلما أدخل يديه أخرج عظاما.
ففزعت (فاطنة) والراعي، فوليا هاربين؛ يجريان؛ لم يسبق لهما أن عدوا وقلباهما يدقان؛ يزلزلان جسديهما الصغيرين، وتعثرا غير ما مرة بجذوع قصيرة، لم ينبسا إلى بعضهما البعض ببِنت شفة، واتجه كل واحد منهما إلى بيته؛ مُتكتما على ما شاهد.
في سكون ليل ذلك اليوم، وفي الهدوء الذي شمل البيت، رفعت (فاطنة) وهي مُكوّمة في غطاء صوفي مخطط؛ عينيها إلى فتحة الجدار؛ لترى جزءا من القمر يبدو، ثم يختفي، ويُداهم خيالها وجه (موحى الزّياني) الجبلي؛ الغليظ التجاعيد، والجمجمة التي نَبَش عنها، فكان نومها متقطعا حتى الفجر. أذهب عنها التوجس وقعُ أظلاف قطيع غنم؛ يُبكر به صاحبه إلى السوق، وثغاءٌ مكتوم، ولما أضاءت الشمس المشرقة الخارج؛ نهضت، وبدأت تستعد لرعي غنمها، وكان ما يُسيطر على بالها هو (موحى الزياني)، أسيمضي في تحذيرها من ذلك المرعى مرات ومرات؟ وسواء سيكون الآن جالسا كالعادة، أو لا يكون؛ ستُغير طريقها، وهي سائرة مرتاحة إلى حد ما؛ وفي حُسبانها أنها نحّت بنفسها عن طريق النابش عن العظام، لكن ذلك لم ينجح، فقد شاهدته، وقد استيقظ في غير الوقت؛ يسير ويتوقف عندما بدت له التلال والربوات والأجراف الصخرية، وصار ينقل عينيه في امتداداتها، وفي عُلوها، كأنه يُعين أحد القبور لنبشه، ثم خطا راجعا، ولما رآها أسرع وأحكم قبضته على رُسغِها، وقال مُنغِّما:
– (فاطنة)… يا (فاطنة)… رحل أحياؤهم يا (فاطنة)؛ أزحفوا على الجبل ليعودوا يا (فاطنة)؟ وعظام موتاهم يا (فاطنة)… سترحل هي أيضا يا (فاطنة).
في المرات السابقة كانت لا تُعير أي اهتمام لما يتفوّه به، أو قد تستهين به، لكن وقد شاهدته وهو يحفر عن هذه العظام، التي يكون قد استوف بها كلامه الأخير، فإنها أحست بخوف، وامتلأ ذهنها بصور كثيرة تُروِّعها، ونظرت إليه نظرة واحدة فقط؛ إليه هو الذي يحفر عن عظام موتى النصارى، وعندما أخلى سبيلها؛ تبعت قطيعها، والتقت بالراعي، وكان أول ما قال هو أنه سمع في الليلة الفائتة خاله يقول لأبيه؛ أن رجلا فرنسيا؛ يتدلى من عنقه صليب مُذهّب؛ مُكتنز الوجه؛ مُشبّع الجلد؛ قدِم مُكلّفا من طرف دولته بالنبش هنا عن عظام من قضوا في معركة؛ جرت بين مقاومي الجبل والجيش الفرنسي الزاحف والمغير والمخطط للاستيلاء، وأن شيخ الدّوّار هو من دلّه على من بقي على قيد الحياة؛ من الذين كانوا من المقاومين المحليين، وهو (مُوحى الزَّياني)، ويعرف أين طُمرت الجثث، وأن ما ينبشون عنه يراكمونه في جانب من ذلك المبنى القديم المسقوف بالقرميد الأحمر، وهو أحد مخلفات المحتلين، والموصد دائما؛ يحيط به سور تُغطيه نباتات، وتغزو بابه الحديدي الصدأ، لأنه لم يعُد مطروقا منذ مدة طويلة.
تذكُر الآن أن ما حكى لها الراعي دفعها إلى التفكير في شيء؛ مُستنفدة شجاعتها، فقالت وقد غير الخوف من علامات وجهها الصغير:
– أنذهب إلى هناك ونرى عظام النصارى؟
قال بإقدام الصّغار:
– بعد غروب الشمس… حتى لا يرانا أحد.
ومشيا في المسالك المخترقة للمراعي، وتفرقت خِرفانهم وخَرائِفُهم في خُضرة الكلأ، ويذهبان من حين لأخر إلى تلك الحفرة –وكان قد ازداد عددها؛ وصل إلى ثلاث نُبشت في الليلة السابقة- التي أُفرِغت من العظام، وأطلا في قعرها بتردد؛ كأنهما سيُباغتان بعظمة باقية أفلتت من الجرف؛ وبعد أن ساقا قطيعيهما في المساء إلى الزريبتين لقي بعضهما البعض، وقصدا تلك البناية المهجورة، لكن وجدا سورها يعلو عن قامتهما؛ قال الراعي بشجاعة:
– سأنحني وتسلقي ظهري.
وقد فعل، فوضعت (فاطنة) رجليها الحافيتين على ظهره المقوس، وإن كان يتحرك بثقل (فاطنة)؛ لا يثبُت؛ إلا أنها استطاعت أن تُطل، وذقنها ينجره حجر السور؛ أن ترى ركاما من الجماجم، وعظام الهياكل الأخرى، ونزلت بسرعة حاثتا إياه على ترك المكان قائلة:
– إنه لشيء مخيف… هناك الكثير من عظام النصارى.
وأسرعا بمغادرة المكان؛ يُخفيهما الظلام.
بعد أيام، وفي أحد الأصباح، وهما ينظران من بعيد إلى ذلك البناء المنعزل في أذهان القرويين، ولا يدخل في اهتمام هؤلاء اليومي؛ رأيا شاحنة داكنة اللون تدخله، ثم تغادره، وتسير في الطريق الضيق بين المزارع، والأراضي الفارغة؛ يرمي بها إلى ذلك الطريق المعبد الذي يقال أنه يذهب بالمسافر بعيدا… بعيدا؛ إلى أماكن تهجم عليها أمواج بحر لا يُحدّ في خيال (فاطنة).
انتظرت (فاطنة) الأم حتى طوى ابنها كتابه وكراسته، ورفع رأسه أخيرا مُتنهدا بعمق؛ آخذا نفسا عميقا؛ وفاركا عينيه المتعبتين بالتحديك في الورق؛ حينئذ قالت:
– وأنا طفلة أرعى الغنم في سفوح وأودية جبال الأطلس؛ شاهدت عظام قتلى تلك المعركة التي لخصت حدثها التاريخي؛ تُنبش عنها قبور ترابية، وتُركم في بناء مهجور، وتُحمل في شاحنة إلى وجهة مجهولة.
قال:
– سآتيك بخبرها غدا أمي حتى تعرفين نهاية حكايتها.
في الغد؛ ولما عاد من الفصل الدراسي؛ كان أول ما تحدث به إلى والدته هو العظام، حيث قال بأنه سأل عنها أستاذه المحاضر في التاريخ الراهن؛ فأجاب بأنها عظام من قضوا في تلك المعركة فعلا، ورجح أنها لم تُشحن بمركب إلى الشمال، وأُقبرت في مدفِن النصارى بإحدى مدن الساحل.
أحمد القاسمي