إنتقل إلى عفو الله في الساعات الأولى من صباح السبت 15 ماي 2021، بإحدى مصحات الدار البيضاء، الممثل المغربي الكبير حمادي عمور عن عمر ناهز 90 سنة، بعد معاناة مع المرض، وبرحيله يسدل الستار عن صفحة مضيئة من صفحات فن التشخيص ببلادنا.
أعطى الرائد حمادي عمور، المزداد بفاس سنة 1931، الشيء الكثير لفنون الفرجة في الإذاعة والمسرح والتلفزيون والسينما على امتداد سبعة عقود مخلفا بعد رحيله مشاركات وإنتاجات فنية مختلفة تعد بالمئات.
سافر إلى الدار البيضاء من أجل العمل في التجارة، إلا أن ظروفا شاءت أن ينقلب الاتجاه إلى ممارسة المسرح. وهكذا انطلقت مسيرته الفنية من مسرح الهواة بالعاصمة الإقتصادية بدور صغير في مسرحية “أنا القاتل” (1948)، وبعد ذلك مباشرة وفي نفس السنة أسس فرقة مسرحية للهواة تحمل إسم “الرشاد المسرحي” التي قدمت بالمسرح البلدي يوم 18 فبراير 1948 عملا من تأليفه يحمل عنوان “ضربة القدر”. ثم أسس سنة 1951 بنفس المدينة فرقة جديدة هي “المنار المسرحي”، التي يعتبرها المنطلق الفني الأساسي له، وقدم في إطارها مجموعة من الأعمال المسرحية، كما سافر إلى القاهرة لمتابعة الدراسة بالمعهد العالي للفن المسرحي إلا أن قيام ثورة الضباط الأحرار بمصر وإطاحتها بنظام الملك فاروق سنة 1952 وما ارتبط بذلك من أحداث اضطرته إلى العودة إلى وطنه، وبه خاض تجارب عدة في مجالات التأليف والتشخيص في المسرح والإذاعة والتلفزيون والسينما، بعد التحاقه بالإذاعة (راديو ماروك آنذاك) وخصوصا بفرقة التمثيل التابعة لها بقيادة الرائد الإذاعي عبد الله شقرون (1926- 2017))، حيث شارك في العديد من التمثيليات، التي كانت تذاع أسبوعيا ليلتي الخميس والأحد على أمواج الإذاعة الوطنية بعد استقلال المغرب، إلى جانب رواد آخرين من أشهرهم العربي الدغمي وحمادي التونسي وأمينة رشيد وحبيبة المذكوري وعبد الرزاق حكم والهاشمي بنعمر ومحمد حماد الأزرق ووفاء الهراوي ومحمد أحمد البصري ومحمد حسن الجندي وفاطمة الركراركي وصفية الزياني والقائمة طويلة… وقد قضى بالإذاعة ما يقارب الأربعين سنة مارس خلالها التأليف والإخراج والتشخيص وغير ذلك من المهام.
شارك الراحل كذلك في إعداد وتقديم برامج إذاعية من قبيل “صندوق الدنيا” و”عالم الفنون”، الذي نشطه لمدة عقد من الزمان (1951- 1962) وهو برنامج إخباري ناجح، مدته نصف ساعة، استضاف من خلاله ليلة كل أربعاء نجوما من المغرب والمشرق أو العالم العربي عموما من بينهم المصريين فريد الأطرش وكمال الشناوي، هذا بالإضافة إلى مساهمته في تأليف وإعداد تمثيليات إذاعية ومسرحيات وأعمال تلفزيونية عدة من بينها البرنامج التلفزيوني الفني “نجوم الليل” وسهرة التلفزيون العمومية من الدار البيضاء، عندما كان رئيسا للبرامج بإذاعتها الجهوية، وكلمات بعض الأغاني من قبيل “عذبتي قلبي” و”ياقلبي هذي والتوبة” من غناء المعطي بنقاسم وألحان عبد الرحيم السقاط و”يا زهرة جيبي الصينية” من تلحين محمد بنعبد السلام وغناء محمد الإدريسي و”بنت الجيران” من غناء إسماعيل أحمد وغيرها.
كما كان من أوائل الممثلين المغاربة الذين وقفوا مبكرا أمام كاميرا السينما في أفلام من قبيل “علي بابا والأربعين لصا” (1954) لجاك بيكر و”طبيب رغم أنفه” (1955) لهنري جاك و”من أجل لقمة عيش” (1960) للعربي بناني …
من أفلامه السينمائية الأخرى نذكر العناوين التالية: : “القنفودي” (1978) و”إبراهيم ياش؟” (1982) لنبيل لحلو و”دموع الندم” (1982) لحسن المفتي و”عبروا في صمت” (1998) لحكيم نوري و”كيد النساء” (1999) لفريدة بن اليازيد و”ولد الدرب” (2002) لحسن بنجلون و”إكس شمكار” (2009) لمحمود فريطس والفيلم القصير “نهار العيد” (2016) لرشيد الوالي…
ومن أعماله التلفزيونية الأخيرة لازلنا نذكر فيلم “المهمة” لعادل الفاضلي ومسلسل “رحيمو” لإسماعيل السعيدي وسيتكومات سعيد الناصري ك”العوني” و”الربيب” للمخرج حسن غنجة وغيرها من الإنتاجات التي تميز فيها بخصوصية أدائه للأدوار الكوميدية.
حظي قيد حياته بتكريمات من طرف جمعيات ومهرجانات بفاس ومكناس ومدن أخرى…
رحم الله الأستاذ حمادي عمور وألهم ذويه وأصدقاءه الصبر الجميل وإنا لله وإنا إليه راجعون.
أحمد سيجلماسي