*كالعادة الاستاذ لعميري،عند بداية كل حوار لماذا القصة القصيرة و ليس جنسا اخر؟
1- لماذا القصة؟
هي الكتابة صديقي بجميع ألوانها كانت تستهويني، سواء عن طريق تأثير المقروء المدرسي أو عبر تشجيعات بعض الأساتذة. وبعد تذوق طعم الكتابة في الإنشاءآت المدرسية اكتشفت أن هناك كتابة من نوع خاص. … كتابة حكايات وقصص يمتزج فيها الواقع بالخيال.
ومع تطور الذات والنضج بدأت أعرف الأجناس الأدبية وخصائصها. … وهنا وقعت في حب القصة. قصة حب عصية على التفسير أو التبرير. … ربما لأن القصة تقول المختصر والايحائي واللاذع برشاقة وأناقة ( لفهم الامر يمكن الاستعانة بقصة محاكمة ضمن مجموعتي الثانية: يد الحكاية).
ولكن كتابتي لا تتوقف عند القصة بل تتنوع عبر مجالات أخرى: الدراسة الأدبية أو التربوية، كتابة الرواية لدي مشروع رواية قيد الطبع (خياط الحكايات )….لأن الكتابة حسب رأيي المتواضع تكامل لا تنافر بين أنواعها. …فحياتنا تستوعب كل أطياف التعبير.
*الا ترى أنك دخلت مغامرة كبيرة حين اقتحمت عالم القصة و هي الأصعب كما يرى ممن خبر الياتها؟
2- بالفعل، أستاذ شكيب، وأنت عليم بالأمر، فالكتابة مغامرة، والقصة خصوصا كتابة تطرح على الكاتب أكثر من تحد. فأن تكتب القصة في مشهد ثقافي غني بالأسماء الكبيرة والتجارب المتفردة، وفي زمن أصبح فيه النشر سهلا (خاصة عبر الانترنيت)، معناه أنك مطالب بالبحث عن موقع متميز وتقديم تجربة توفر الجديد والمتفرد، سواء من خلال الاشتغال على البناء أو اللغة الحكائية. … وبدون التخوف من التجريب. … ولكن نظل بحاجة لعمل نقدي مواكب لاكتشاف تجارب الكتاب والحكم عليها من أجل تطويرها. … وتلك حكاية أخرى.
*كيف تراود اللغة وتروضها كي تسير بها رأسا نحو القصة؟
3- اللغة جوهر الكتابة القصصية ولحمتها. بل إن الاشتغال على عناصر السرد هو اشتغال لغوي في كل تفاصيله. وهو تحد مشوق خلال الكتابة. وهنا أستحضر مضمون ما قاله باختين: لغة الشخصيات تعبر عن وعيهم المتعدد.
ولذلك أوظف أحيانا اللغة المحكية أو حتى الأجنبية على لسان الشخصيات لتحقيق هذا الايهام بالواقع وضمان تعدد الوعي عندها. اللغة رهان متجدد في كل لحظة كتابة وفي كل قصة جديدة. وأطمع كثيرا في فضول النقد لاكتشاف هذا الجانب ضمن تجربتي البسيطة، لأنني ألاحظ التركيز أكثر على التيمات والشخصيات مع تناول محتشم للغة.
*الا ترى معي ان القصة القصيرة هي سليلة النص الشعري النثري من خلال التكثيف اللغوي؟
4- (الزين سلالة من العمة للخالة)! مثل شعبي يشير إلى انتقال الجمال وراثيا. كذلك هو الأمر بالنسبة لسلالة (التعبير الشعري)، فهو ليس حكرا على الشعر وحده كنوع أدبي خاص، بل هو صفة مشتركة بين عدة أنواع أدبية أخرى. وهكذا نلاحظ أن كثافة القص تستدعي توظيف لغة إيحائية وكثيفة مما يجعل النص القصصي نسيجا لغويا ذا شعرية عالية. وهذا ما جعل مبدعا كبيرا هو (إدوارد الخراط) يطلق اسم (القصة/القصيدة) على نوع من القصص ذات الشاعرية العالية.
*يشتغل القصاص لعميري ناقدا و مبدعا، الا يعرقل النقد لحظة الابداع عندك في القصة؟
5- الوعي النقدي للكاتب مهم في الكتابة الإبداعية، ولكن كيفية حضوره هي التي تحدد مدى إيجابيته أو سلبيته. فهو مفيد في تطوير الكتابة ولكنه يصبح عبئا على الكتابة عندما تسقط في اجترار المفاهيم النقدية أو تقطيع النص وفق مفاهيم نقدية جاهزة بدون دمج أو توظيف محكم.
الوعي النقدي، خصوصا إذا كانت المواكبة جادة للمستجدات، يساعد على الذهاب بعيدا في التجريب واكتشاف آفاق جديدة في القصة أو غيرها ولكن بمقدار.
*ما هي طقوس الكتابة عند الاستاذ لعميري؟
6- طقوس خاصة. .. لا أتوفر عليها. …. ولكن الكتابة غالبا هي حالة شعورية قد تولد في لحظة ما. … وحينها ألتقطها وأشرع في كتابتها أينما كنت: في البيت أو المقهى أو في أي مكان آخر (وسائل نقل، العمل. ..). لا يهمني وجود هدوء أو فوضى. … أحيانا أكتفي بتسجيل رؤوس أقلام وأعود اليها لاحقا. … وغالبا أستعمل مسودات فأنا من جيل الورق أو القرطاس. … وحين أستعمل الحاسوب أو الهاتف تتوفر مسودة رقمية أيضا أعود إليها وأنقحها لاحقا.
*هل تسير الى الكتابة أم هي التي تأتي اليك؟
7- أنا والكتابة جدل دائم…. أحيانا أطاردها في كل مكان لآلتقاطها. وأحيانا تهاجمني في أحلام يقظتي ونومي. …وفي كلا الحالتين تتحول الى نصوص جديدة …. أو أفكار أو فقرات أو حتى مجرد جمل. .. وأحيانا أخاصمها و تهجرني فتجف ينابيع التعبير ويحل القحط كما قال منيف.
*تنتمي الى تنظيمات: نقابية وحزبية ، ما أثرها على الكتابة؟
8- الإنتماء إلى إطارات سياسية أو مدنية هو جزء من واقع الكاتب ومصدر من مصادر (الهامه). وقد يحضر في بعض كتاباتي ما هو سياسي ونقابي و جمعوي. ولكن كتابتي ليست مرآوية في علاقتها بكل ما ذكرت؛ بل لا بد من وجود مسافة تضمن الخصوصية الفنية للكتابة وإلا أصبحت مجرد منشور دعائي.
*نشرت العديد من المقالات النقدية، تراوحت بين مقاربة الزجل والقصة و الرواية . كيف تنظر الآن الى القصة في ميزان النقد؟
9- لعل إيقاع الإنتاج المرتفع في مجال القصة، سواء نشر المجاميع القصصية أو نشر نصوص قصصية عبر الجرائد والمنصات الرقمية، أصبح يطرح تحديا كبيرا على النقد. فالمتابعات النقدية للقصة محدودة، وحتى في البحوث الجامعية بكليات الآداب لا تحظى القصة إلا بنسبة قليلة أمام هيمنة الرواية والشعر. ولعل برغماتية بعض دور النشر أصبحت لا تشجع على نشر نقد القصة وحتى نشر القصة نفسها، مع إكراهات النشر المعروفة. ومع تطور الطباعة والنشر وتراجع كلفته نسبيا مازال المبدع لا يجد دعما مناسبا من الجهات المعنية، ولا تشجيعا من الناشرين مما يضطره إلى اللجوء إلى النشر على حسابه الخاص وما يطرحه من إكراهات متجددة.
ولابد من الإشارة إلى أن الكتاب المدرسي المغربي خصوصا بالتأهيلي يخصص حيزا لابأس به لتدريس القصة القصيرة، ونرجو أن تحظى بالمزيد من الاهتمام في الكتب المدرسية المقبلة (الكتاب المدرسي بالتأهيلي عمر حوالي 20 سنة وآن وقت تجديده بجدية ).
وتظل القصة قادرة على التواجد في مجموعات هذا العصر المتسارع لأنها فن الاختصار ولهذا بدأنا نقرأ القصة القصيرة جدا والومضة والأدب الوجيز، وما دام هناك صوت مفرد فستظل القصة حاضرة.
*هل المستقبل للقصة في المغرب؟
10- ليس المستقبل كله طبعا، ولكن بعض المستقبل، لأن هناك منافسة كبيرة بين أشكال التعبير التي يرتبط بها الإنسان وضمنها أنواع أدبية مثل الرواية. …. التي سيطرت على العالم فأصبح زمن الرواية هو المسيطر لاعتبارات كثيرة منها ما هو مادي طبعا.
هل يمكن القول بنهاية القصة أو موتها ذات يوم؟
لا أظن ذلك، فالحكي ملازم للإنسان والقصة القصيرة حكي يساير نبض الحياة وسرعتها. …. لذا ستعيش القصة طويلا في تاريخ الإنسانية.
*ما رأيك في الجوائز ؟ و ما الاضافة النوعية التي تضيفها للمبدع؟
11- من المفروض أن تكون الجوائز وسائل تحفيز وتشجيع للمبدع. وهو أمر جيد وهناك بعض الجوائز لعبت دورا مهما في تحريك المشهد الثقافي و ترويج الكتاب وتشجيع القراءة.
ولكن – مع الاسف – تظهر بعض الأمور تشوش على مصداقية الجوائز وتظهر ضعف موضوعاتها، مع طغيان الزبونية والإخوانيات وغيرها من الاعتبارات الأيديولوجية أحيانا. ومع ذلك تظل الجوائز مهمة ولابد من رفع درجة موضوعيتها ومصداقيتها لتلعب الدور المنشود منها.
وهنا أشير الى ظاهرة الكتابة تحت الطلب للجوائز وتفصيل الإبداع على مقاسها، وهو أمر يضر بالإبداع ، الذي يظل متحررا من القوالب الجاهزة وأكبر من الجوائز نفسها. فكم من إبداع عظيم لم يحظ بجائزة ولكنه يجد الطريق إلى القراء بسلاسة.
وكخلاصة الجائزة هي التي تبحث عن الإبداع وليس العكس.
*ما الاضافة الفنية التي شكلتها (مجموعة يد الحكاية)في علاقتها بمجموعة(وسطى الاباخس)؟
12- هل شكلت (يد الحكاية )إضافة إلى (وسطى الاباخس)؟ أتمنى أن يجيب ناقد مثلك أستاذ شكيب على هذا السؤال.
أما من وجهة نظري فأظن أن مخاض مجموعتي (وسطى الاباخس) كان شاقا وطويلا وتأخرت كثيرا في إصدارها. وهي تغطي مرحلة زمنية تتجاوز 20 سنة من الكتابة (بداية من التسعينيات). أما مجموعة (يد الحكاية) فتغطي مرحلة (2017/2020) وحاولت أن أصنف نصوصها بحسب رمزية أصابع اليد.
..وللنقد واسع النظر في التمرينات التجريبية التي ضمنتها متون تلك المجموعة.
*رأيك في الأسماء التالية: محمد زفاف؟ أحمد بوزفور؟ حسن الرموتي؟
13- آه. … محمد زفاف أحد الكتاب المغاربة الذين حببوا لي القراءة وكتابة القصة. ..اطلعت على معظم إبداعه قصة و رواية. ولا أنسى العربة وبيضة الديك. … أما أحمد بوزفور فأسميه بسندباد القصة المغربية. … بارع في بناء قصصه ومرجعية يمكن الاستفادة منها. … وأما حسن الرموتي الكاتب الصويري فأتابع بعض أعماله عبر الإنترنت وأرى أنه كاتب يجتهد ويستحق الاهتمام والمتابعة.
وفي الختام أشكر لك أستاذي هذا الاهتمام بالإبداع والمبدعين وأتمنى لك كل التوفيق. …وللقراء أقول ننتظر من الأستاذ عبد الرحمن شكيب أن يخرج إلى النور عمله الأدبي في أقرب وقت.
حوار: الناقد عبدالرحمن شكيب