الرئيسيةأخبارالباحثان منصف والخطابي يطلان من جديد على فلسفة ريكور: إعادة تأصيل العقل الهرمينوتيقي.

الباحثان منصف والخطابي يطلان من جديد على فلسفة ريكور: إعادة تأصيل العقل الهرمينوتيقي.

كما أشرنا في ورقتنا السابقة حول الدراسة التي أصدرها الباحثان عبد الحق منصف وعز الدين الخطابي في ثلاثة أجزاء تحت عنوان “فلسفة الوجود الإنساني عند بول ريكور”، فقد تم إغناء هذه الثلاثية بعمل جديد من جزأين اختير له كعنوان “إعادة تأصيل العقل الهرمينوتيقي”. وهذا العمل الجديد هو عبارة عن ترجمة لمجموعة من نصوص هذا المفكر الفرنسي المتميز (حوالي 750 صفحة)، وبذلك أصبحنا أمام خماسية متكاملة تجمع بين الدراسة التحليلية والترجمة.

إعادة تأصيل العقل الهرمينوتيقي:

في تقديمهما لهذه الترجمة، الصادرة أيضا عن دار أفريقيا الشرق، اعتبر الباحثان بأن النصوص المختارة تعكس تنوع الاهتمامات الفكرية لبول ريكور على مدى أكثر من نصف قرن من العطاء الفكري المتميز، حيث شملت مجالات الفينومينولوجيا (الظاهراتية) والهرمينوتيقا والفلسفة التحليلية والفلسفة السياسية ونظرية أفعال الكلام وإتيقا الغيرية.. الخ.. وهو ما سمح له ببلورة تصور تأصيلي جديد للعقل الهرمينوتيقي، عبر نقد بنّاء للمواقف الأخلاقية والسياسية والأنطولوجية والسيكولوجية والأنثربولوجية لمجموعة من المفكرين الذين تمتد سلسلتهم من أرسطو إلى راولز، مرورا بكانط وهيجل ونيتشه وهوسرل وهايدجر وغادامير وحنا آرندت وهابرماس واشتروس وغيرهم.

تجدر الإشارة إلى أن التأصيل المذكور ظل متأرجحا بين الميراثين الكانطي والهايدجري، أي بين موقف إيجابي من الحداثة وآخر منتقد لها. وهو ما دفع العديد من الدارسين لأعمال ريكور، إلى اعتبار هذا الأخير ممثلا لحداثة مفارقة، قريبة من حداثة حنا آرندت، لكونهما انطلقا معا من إرادة بناء أفق إتيقي– سياسي مناهض للكليانية.

في هذا الإطار، أكد المترجمان أنه بالإضافة إلى تتبع مسار فكر ريكور على المدى المذكور (أكثر من نصف قرن)، فإن الغرض من ترجمة نصوصه تَمثّل أيضا في ربطها بالأطروحات التي تم عرضها ومناقشتها في العمل التحليلي من ثلاثة أجزاء، كي تكتمل الصورة لدى القارئ وتسهل عليه المطابقة بين الأسئلة التي أثيرت في العمل التحليلي المذكور والأجوبة المستفيضة التي قدمها ريكور على هذه الأسئلة، عبر نصوصه القيمة والممتعة.

سياسة التأويل:

وهكذا شكلت نصوص الجزء الأول، بعنوانه الفرعي “سياسة التأويل” (424 صفحة)، إجابة على إشكاليات ذات صلة بقضايا التأويل واللغة والتمثلات الاجتماعية، ضمن ما يمكن دعوته بالرمزية البشرية وأصناف خطاباتها ومدى قدرة الذات الإنسانية على بناء هويتها السردية وبناء علاقتها بالآخرين. ذلك أننا ننظر بعيون مشتركة إلى العالم المحيط بنا، ونكوّن معا جماعات قادرة على التأثير في مشهد التاريخ. ولن يتحقق هذا الأمر إلا في إطار علاقات المواطنة داخل دولة الحق، أي داخل مؤسسات عادلة.

تأويل السياسة:

في حين عالجت نصوص الجزء الثاني، بعنوانه الفرعي “تأويل السياسة” (325 صفحة)، مشكلات الأخلاق والسياسة وعلاقة السلطة بالعنف ومسألة العدالة والاعتراف والذاكرة. وتعبر هذه الموضوعات عن الفاعلية البشرية وتجلياتها الإتيقية والسياسية والدينية والإيديولوجية. أما الهدف الأساسي وراء كل هذا فهو فهم معنى هذه الفاعلية انطلاقا من عقل هرمينوتيقي يروم كشف الخيوط التي تربط بين هذه القضايا، ذلك أن مسألة التأويل هي في عمقها إشكالية إتيقية ذات أبعاد سياسية وحقوقية وأخلاقية وتاريخية وثقافية.

ولا بأس من الإشارة في الأخير، وكما أكد المترجمان على ذلك، إلى أن وضع هذا المتن المترجم بين يدي القارئ، يهدف بشكل أساسي إلى تمكين الباحثين والمهتمين بالحقل الفلسفي والثقافي عموما، من فرص توسيع أفق البحث في قضايا العقل التأويلي، عبر الاستفادة من إنجازات هذا المفكر المتميز الذي أعاد قراءة التقليد الفلسفي، في ضوء التحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفكرية التي يعرفها عالمنا.

أحمد سيجلماسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *