شعرا كانت أو أو قصة او رواية ، الكتابة غواية . يد الحكاية يد ممدودة للحكاية.. يد تميط اللثام عن عالم سردي مشاكس ، يحمل الكاتب فيه مشعل ما يعتمل في صدورنا .. يد الحكاية رحلة في منعرجات السرد و الحكي. رحلة بوح في كتابة عنوانها السهل الممتنع ، الالتقاط الدقيق للحظات و المواقف و الأحاسيس..رحلة تسبر غور الهوامش، كورال من المرويات و الحكايا ،كتابة ممانعة ،منددة و آسرة ..
هذه قراءة بسيطة في ثنايا المجموعة القصصية :يد الحكاية للكاتب المبدع الأستاذ عبد الجليل لعميري آثرت فيها الإكتفاء برصد بنية الحكاية من خلال مكوني المكان و الشخوص.
الشخوص في المجموعة
1-الكاتب / المبدع : على امتداد صفحات و أصابع يد الحكاية يحتل الكاتب / الشاعر / المبدع موقعا متميزا داخل هذا الضجيج السردي. رحلة الحكي تبدأ بإرهاصات الحكي “حادث تفكير : ص 16″ ، لكنها صعبة فالكتابة مغامرة و اختيار ” طاقية الإخفاء ص 17″ لأنها للذات المبدعة طوق نجاة و تسام عن العوالم المندد بها ” تأكل الحياة ص 15 ” حيث يرصد الكاتب الواقع البئيس للبلدة حتى أن ظله يأنف من الاستمرار ” حكاية ظلي ص 27″:{إنك تعيش داخل غابة… }. لكنه يظل دائما ممارسا لدور المساءلة للمكان و الزمان و الشخوص و المتناقضات “بركات ص 30″ ، بل حتى في المواقف البسيطة يرجها و يعصرها متنا حكائيا فلاتمر اللحظات فيه و أمامه بسيطة، بل يغزلها و ينسجها من خلال التكتيف الدقيق للأحداث ” يوميات نملة ص 32″
و لأن الكتابة مغامرة وخيار تعتبر لحظة التبني لشكل إبداعي معين لحظة فارقة في حياة المبدع ، فلكل خط ثمنه و رهاناته .وهي بلا شك لحظة صراع و انزعاج و أرق متكرر : “محاكمة 1 / 2 / 3 ًص 57 ، 59 ، 62″ ، و لأن الكتابة مغامرة أيضا قد تصبح في زمان ما و مكان ما وسياق ما سبيلا لانتهاك سلامة المبدع الشخصية و الجسدية ” دم الشاعر ص 65″ ، ولأن الكتابة كذلك مغامرة و اختيار و رهان ، ربما في سياق ثقافي معين تقود المبدع إلى الهلاك المعنوي تهميشا ونكرانا :” الإرث المر ص 84.”
والكتابة أيضا معاناة . والهروب أحد أساليب الكاتب في التخفيف من وطأة هذه المعاناة إما اختيارا : “إرهابي في باريس ص 79” ، أو اضطرارا عبر التواري أو لبس جبة الأسماء المستعارة : “الإسكافي ص 81.”
لكن الكتابة أيضا لحظات فرح و احتفاء ، لحظة خروجها من فسحة الأديب إلى رحابة المتلقي ، حيث يبدأ الإبداع في الانفتاح على قراءات أخرى ، وتملك آخر :” ضيفة / ضيوف 19 ، 20″.
2 – شخصيات أخرى
الفقيه . الكابران ،النادلة ، العتروس ، الكسال ، الأستاذ و الشرطي ، الصعلوك ، الظل ، الهراوة ، المهاجر …..شخوص ترتبط بالكاتب لتأتيث الحكي ، بعضها يصل حد التماهي ، و الآخر حد التضاد ، شخصيات توزعت بين الأستاذ الذي يرفض الصداقة في غياب المبادئ “الصديق القديم ص 94” ، النادلة تواجه الواقع المتردي من أجل التحرر و تحقيق الذات “النادلة ص 37” ، الكسال الخبير بدقائق و تفاصيل محيطه / زبنائه ، الصعلوك الذي لا يهادن ، المشاكس.، هي في الواقع امتداد لهذا المبدع أو لحظة حكي عنه بطريقة غير مباشرة ، حيث يأخد لحظات استراحة ليحكي لنا عنه بطريقة أخرى لشخوص تتماهى معه. في المقابل ربما – أزعم – أن شخصيات : الفقيه الذي اختلط عليه الأمر أو العتروس الضحية أو الكابران المنفصل عن واقعه هي على النقيض من ذات المبدع و كينونته.
المكان في : يد الحكاية
1 – البلدة
يد الحكاية ، يد ممتدة عبر أمكنة و فضاءات متعددة و متباينة و حضور هذا ليس عبثا ، لكن لابد من مكان محوري تحوم حوله قصص ،يد الحكاية – البلدة- وقد أكون متطفلا فأقول الشماعية و نواحيها ، فالكاتب لم يفصح صراحة وان تضافرت قرائن المرويات حول ذلك ، البلدة المكان المحوري تتعرض لسيل من الشجب و الإدانة : “القديمة ، الغشيمة” ، البلدة التي أضاعت رصيدها الثقافي و الطبيعي كما في ،” للا زيمة ًص 43 “، البلدة التي ترزح تحت التأخر و الفساد و البداوة ، البلدة التي لا تستجمع قواها في الحكي أو الحياة ، إلا بالإحالة على البادية ، هنا تمارس البادية ساديتها و كبتها في فضاء يستعصي على التحضر ، البلدة الخارجة عن سياق التنمية ، إلا في لحظة التكفير عن آثامها ” العتروس الشهيد ص 46 ” في “المقص و اللصوص ص14 ” و” احتجاج ص 13 ” و” للا زيمة ” و ” الزيارة ص 55 ” ما يكفي من التقريع لبنية البلدة السياسية و التدبيرية ..نصوص تسائل كل غيور على هذا الكنز التاريخي و الثقافي و البيئي لانتشاله من واقع الهشاشة و العبث بمقدراته.
2 – المقهى
حضور المقهى في بنية الحكاية ، كان حضورا قويا ، المقهى مكان يلتقط فيه الكاتب دقائق البلدة و تناقضاتها و تمظهراتها الاجتماعية و الثقافية ، إنها مسرح البلدة المفتوح : “غابة من الذكور ، تربوا على تقاليد البلدة الصغيرة ، أيدي متسخة” .
المقهى مكان لبداية المبدع و ربما لنهايته : “موت رومنسي ص 39 “. المقهى كمكان يرصد فيه المبدع الحكايا اليومية و الغرائبية كما في” بركات”، المقهى مكان للصراع كما في “النادلة” و المتناقضات كما في “حكاية ظلي”.
3- أماكن أخرى
الأماكن الأخرى : الحمام ، السوق ، البادية ، سبخة زيمة ،المدرسة ، المجلس البلدي ، باريس ، بلد المهجر ، تركيا تنتظم العلاقة بين البلدة كمكان شاسع للحكي الممانع و المقهى كمكان لتحليل وتدقيق الرؤيا لواقع البلدة كتابة و معيشا يوميا ، هي أماكن وسيطة فيها إحالات صريحة أو ضمنية على هذا الواقع المحكي إما هروبا بالاغتراب أو السفر،و يمكن اعتبار قصة المصير تكثيفا سرديا لكل ماتمت الإشارة إليه : الفساد الصغير ينخر المواطن ثم ينقلب على ذاته لينتج فسادا أكبر من : الفكر و العهر ،،،الفساد الذي يورطنا جميعا ، عنوان المصير : ذكي وماتع .و الإبهام في يد الحكاية البصم ,, فلا مجال للتأويل يد الحكاية تبصم على ما يعتمل في صدر الكاتب من الضيق درعا بواقع البلدة المؤسف.. الذي تجاوز حدوده.
العنوان / الإحالة
درج الكثير من رواد القصة القصيرة ، أو الأقصوصة على عنونة المجموعة القصصية بعنوان إحدى قصص المجموعة ، في يد الحكاية يحمل العنوان أكثر من دلالة فيما سبق التطرق إليه:
-يد الحكاية : يد مفردة و الحكاية مفردة في إشارة إلى يد واحدة توزعت على قصص المجموعة من الخنصر إلى الإبهام و أيضا حكاية واحدة الشيء الذي يزكي ماقلناه سابقا من ارتباط محوري بين قصص المجموعة انطلاقا من شخصية محورية تكررت ظهورا و ضمورا ، تماهيا و تضادا ، و مكان رئيسي يستجمع باقي الأمكنة في ثناياه بسلسلة من العلاقات التفاعلية.
يبدو أن اختيار العنوان تم بدقة متناهية ، العنوان كعتبة للمتن السردي/ العنوان يحكم المتن و يوزع أحداثه / العنوان لهندسة المجموعة وترتيب حكاياتها / العنوان إحالة على الكاتب/ الحاكي و الحكاية / المحكي و مكان الحكي / البلدة أصالة و باقي الأمكنة إتباعا..
خاتمة
الكتابة إبداع ، و القراءة تملك ثان لرصيد المبدع و كنزه ، القراءة الجيدة تقتضي كاتبا جيدا و قارئا مجيدا ، وهي أيضا لحظة تواصل ، ليس بالضرورة التواصل بمعناه التقليدي الخطي ، و إنما التواصل بمعناه الحديث حيث يغيب المتلقي الذي يحلل رسالة إلى متلق يعيد الإنتاج من خلال رؤية للعالم أو مايسمى بالخريطة الذهنية اللاشعورية و هو ما يعني رفع اللبس عن أي تحامل على رؤية المبدع ، و أيضا فتح المتن السردي على تملك جيد و فهم جيد.
دامت لكم مسرة الكتابة والقراءة..
بلقيس عبد الكريم
الشماعية في 11/ 03 / 2021