حول التحديات المحلية والعالمية للإعلام والاتصال في الزمن الراهن، صدر للباحث أحمد القصوار كتاب جديد معنون بـ”الإعلام والاتصال في زمن العولمة: مقاربة نقدية”، قدمه الأكاديمي والخبير الإعلامي عبد الوهاب الرامي.
يجمع هذا الكتاب مواضيع تهم مهنة الإعلام، وتحدياتها ومسؤوليتها الاجتماعية، وأخرى تسلط الضوء على مباضع تشريح خطابي الإعلام والاتصال وتداخلاتهما، فضلا عن مواضيع تقف عند الخطاب الإعلامي المغربي، مقدمة ملاحظاتها واستدراكاتها عليه.
كما يقدم الباحث أيضا عددا من الأفكار البارزة في نقد الإعلام والاتصال، لكل من: هربرت شيلر، وبيير بورديو، وجان بودريار، وريجيس دوبري، ونعوم (نُوام) تشومسكي، وبول فيريليو.
وعلى امتداد 180 صفحة، يتطرق الكتاب في فصوله الأربعة إلى “تحولات ووظائف الإعلام والاتصال في زمن العولمة”، و”نقد الإعلام والاتصال في الفكر الفلسفي والسوسيولوجي المعاصر”، وظواهر وتحديات “الإعلام المغربي والاتصال السياسي”، و”أسئلة التعددية والوظائف الاجتماعية والثقافية في التلفزيون المغربي”.
وفي تقديمه للكتاب، تحدث الأكاديمي عبد الوهاب الرامي عن الصرامة المنهجية البارزة للمؤلَّف، التي يشرح بها “موضوعا من أكثر المواضيع آنية وحساسية اليوم: الإعلام والاتصال”.
ونبه الرامي في تقديمه إلى الخلفية التي تتبطن أطروحة الكتاب حول ما يعيشه الإعلام والاتصال مع “تحدي العولمة واستغلال فورتها من طرف قوى المال والسياسة لتكريس العسف الإيديولوجي، وفرض نوع من القِوامة الفكرية والسلوكية، كسبيل للتحكم وتدجين الرأي العام، ناهيك عن الزوغان المتنامي لكثير من المنابر الإعلامية عن الشروط المهنية والأخلاقية التي من المفترض أن تقوم عليها خدمة الصالح العام، وارتمائها خانعة في أحضان الاتصال، بمعناه الترويجي السلعي”.
ويرى الرامي أن قيمة الكتاب تتجلى في ثلاث نقط، أولاها صرامة خلفيته المرجعية، المستشفة من اعتماده على “أساطين المتمعّنين في الإعلام، من منظور الفكر الفلسفي والسوسيولوجي المعاصر”، لإغناء الأطروحة الكبرى التي يدافع عنها. وثانيها: “إعمال الفكر وتوليد المعنى”، المتمثلين في مقالاته التي واكبت مرحلة فارقة على مستوى تطور التكنولوجيات الجديدة للإعلام، وقدمت عدة مداخل لالتقاط “السمات الأساسية للتحولات الطارئة، دون رجعة، على التواصل الإنساني”.
أما ثالث النقاط التي تبرز قيمة الكتاب، حسب الخبير الإعلامي عبد الوهاب الرامي، فهي: “الاهتمام بالمغرب كفضاء للدراسة”، حيث “يفرد المؤلف نصف مادة الكتاب للمغرب، مسائلا فيه الإعلام والسياسة، وما بينهما من اتصال وانفصال، وسوء فهم وبئس توظيف، والتلفزيون المغربي في علاقته بالتعددية والوظائف الاجتماعية والثقافية”.
ويرى الباحث المتخصص في الإعلام والاتصال أحمد القصوار أن من المهام المستعجلة للتنظيمات المهنية والنقابية المؤطرة للصحافيين، التفكير الجماعي في الوظيفة الصحافية عالميا ووطنيا، بعد التجزيء والتقسيم الكبير الذي عرفه هذا العمل، وما نعيشه من “حقبة نهاية الصحافي النجم”، و”نهاية احتكار وظيفة الإخبار”، وابتلاع الاتصال للإعلام، و”سلعنة الخبر”.
ويعرج كتاب القصوار أيضا على مشاكل التواصل السياسي الذي “ما يزال متخلفا في بلادنا”، علما أن الاتصال السياسي للمؤسسة الملكية “شهد تغييرا مهما منذ تولي الملك محمد السادس العرش، حيث بذل مجهودا لا ينكر لتحسين صورة الملك والملكية، والتقليص من الخسائر في الشعبية التي تركها عهد الحسن الثاني”، وهو ما لعب فيه “التلفزيون العمومي، بقناتَيه، دورا، عبر صور مصافحة الناس، وبساطة التعامل، وعفويته، وسياقة السيارة…”.
ويسلط الباحث الضوء على “المهام شبه المستحيلة أمام التلفزيون العمومي” في التعاطي مع الأحزاب السياسية، وهو “خصم وحكم”، المنطق السائد لصياغته “الأخبار الوطنية الرئيسية”، منطق “الخطبة” و”البراح” (مهنة البراح تاريخيا قائمة على تبليغ الخبر الرسمي دون تصرف، بالصّدع به بين التجمعات السكانية).
ويذكر الباحث أن القناة الأولى منذ سنة 1962 كانت أداة “شخصية” للاتصال “في يد المؤسسات الحاكمة”؛ وهو “ما يؤدي التلفزيون ثمنه غاليا، حيث يتخلى في قسط كبير من نشراته عن دوره كوسيط جماهيري، ليصبح أداة من أدوات الاتصال السياسي للمؤسسة الملكية، أو أداة للاتصال المؤسساتي للوزارات الأكثر نفوذا، وبعض المؤسسات والتنظيمات المعينة، بالقراءة الحرفية، مثلا، للبلاغات والروايات الرسمية”، فلا يبقى، بالتالي، “وسيلة اتصال مستقلة تقوم بخدمة إعلامية عمومية، متعددة ومتوازنة، من دون الانتصار لهذا الطرف أو ذاك”.
ويعتبر الكتاب أن التحدي الأكبر الذي يواجه العمل الصحافي، في علاقته بالمجتمع والسلطات السياسية أو الاقتصادية، هو “الإفلات من فخ إلباس الحقائق الجزئية لجماعة معينة، لباسا تبدو فيه أنها “حقائق” موضوعية عامة، تسري على جميع المغاربة، ويقبلها الكل”.
وانطلاقا من أربعة نماذج تلفزية، يبرز الكتاب “تغييب الصراع الاجتماعي في البرامج التلفزيونية”، مستحضرا نماذج، مثل: برنامجي “الخيط الأبيض” و”أسر وحلول”، وما يستتر في عملهما من آليات “تخفي كل أنواع الهيمنة والظلم الاجتماعي، مقابل التبئير على أبعادها الفردية والفرجوية”، وما يحدث من “عزل الظواهر والحالات المقدمة عن أسباب تشكلها الاجتماعية، من خلال طمس أشكال الظلم واللامساواة وعدم تكافؤ الفرص والهيمنة، التي تدفع الطبقات المسحوقة دفعا إلى التخبط في أعطاب نفسية واجتماعية لا أول لها ولا آخر…”.
ويستحضر الباحث أيضا برنامجي “أخطر المجرمين” و”مسرح الجريمة”، قائلا إن الملاحظ تبئيرهما، بشكل كبير، على الدوافع النفسية لـ”المجرم”، ومسرحة أحداث ومشاهد الجريمة، والمجهودات والخيوط الدقيقة التي ساعدت المحققين على تعقب أثره، لتقدم الجريمة “كواقعة فردية أو جماعية تخص رجال الشرطة بالدرجة الأولى، والحال أن أبعادها الاجتماعية والاقتصادية مغيبة بشكل شبه كامل”.
هنا، ينبه القصوار إلى الحاجة للوقوف على “مسرح الجريمة” الاقتصادية والاجتماعية في بعض أحياء المجرمين، والحاجة لـ”إعادة تمثيل” أفعال “أخطر المجرمين” الاقتصاديين والاجتماعيين “الذين أفسدوا البلاد والعباد”.
وفي مسلسلات مغربية بارزة مثل “دار الورثة”، يرصد الباحث ما تكرسه من اختزالات مثل “مدينية” و”عروبية” (أعرابية/بدوية)، وتزكيتها “الهيمنة الذكورية” البارزة خلال السلسلة بأشكال متعددة. كما يشدد على خطورة ما تقدمه بعض حلقاته التي تظهر توحد الإرادة لدفع الأب إلى بيع “الرّياض” عبر الشعوذة، وطرحها كخيار “معقول”؛ مما يطرح سؤال الإسهام في تكريس الجهل، والتطبيع مع الخرافة والشعوذة، “ولو على سبيل الضحك الذي يفعل فعله في العقول واللاوعي”.
ورغم أهمية التضامن الاجتماعي، يشد الباحث الانتباه إلى ما تعكسه بعض الحلقات من إلباس أمراض اجتماعية واقتصادية لبوس “قيم التضامن الأُسري”، وتحميل مسؤولية المآسي المجتمعية للأقارب، وهو ما يعني، بالتالي، التستر على “مسؤولية الدولة وساسة الحكومة، والمجالس المنتخَبة، والرأسمالية المحلية والعالمية”.
تجدر الإشارة إلى أن من بين ما يتضمنه هذا المؤلف الجديد، أبحاث في الإعلام والتغيير السياسي، والرأي العام وصناعة القرار السياسي، وملاحظات حول المسؤولية الإعلامية في المغرب، والمعيقات الاجتماعية والإيديولوجية لاستقلالية الصحافي بالبلاد، وضرورة التوعية الاجتماعية في التلفزيون العمومي، وأسئلة الإعلام في زمن ويكيليكس، والحدود التي سقطت بين الإخبار والتثقيف والترفيه في الإعلام.
هسبريس – وائل بورشاشن