من أهم المعجزات الإسلامية المعروفة، معجزة الإسراء والمعراج المدهشة. ذلك أن هذه المعحزة لم تكن رحلةُ حدثاً عادياً؛ بل كانت معجزةً إلهيَّة متكاملةً أيَّدَ الله بها نبيَّهُ محمداً عليه الصَّلاة والسَّلام، ونَصَر بها دعوتَهُ، وأظهَرهُ على قومِه بدليلٍ جديدٍ، ومعجزةٍ عظيمةٍ يعجزُ عنها البَشر؛ إذ أسرى بهِ من المَسجدِ الحرامِ في مكَّة،َ إلى المسجدِ الأقصى في مدينةِ القدس؛ِ لِيُسرِّيَ عنهُ ما لَقيَهُ من عنت أهلِ الطَّائف، ومن آثارِ دعوتِه، وموتِ عمِّهِ وزوجَتِه. ثمَّ عَرَجَ بِهِ إلى السَّماواتِ العُلى؛ ليريَهُ من آياتِهِ الكبرى. وعلى الرّغمِ من عدمِ ذكرِ الحادثةِ تصريحاً في آياتِ القرآنِ الكريمِ، إلَّا أَّنها اشتَملت على إشاراتٍ تُؤيِّدُ صحَّتها، منها ما وَرَدَ في قوله تعالى: (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ*عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىٰ*عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ*إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ*مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ*لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ)، وفي تفسيرِ الآية: (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ)؛ فإنّ رؤيةَ الرَّسولِ عليهِ الصَّلاة والسَّلامُ لجبريل، كانت على هيئَتهِ التي خَلقهُ اللهُ عليها، وكانت هذه الرّؤيةُ مرَّتينِ: أولاهما ليلةَ البعثِ لمَّا أوحى إليهِ، والثَّانيةُ ليلةَ الإسراء.
وتعتبر معجزة الإسراء والمعراج، في العقيدة الإسلامية، حدثاً ضخماً من أحداث الدعوة الإسلامية، سبقته البعثة وجاء قبل الهجرة. وهو حادثة جرت في منتصف فترة الرسالة الإسلامية، ما بين السنة الحادية عشرة إلى السنة الثانية عشرة، منذ أن أعلن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أن الله قد أرسل إليه جبريل، يكلفه برسالة دينية، يبلغها إلى قبيلته قريش، ومن ثم إلى البشرية جمعاء، وأن رسالته هي خاتمة للرسالات السماوية السابقة. وحسب التاريخ الإسلامي لهذه الفترة المصطلح على تسميتها السيرة النبوية، تعد حدث الإسراء الرحلة التي أرسل الله بها نبيه محمد على البراق مع جبريل ليلاً، من بلدهِ مكة -المسجد الحرام- إلى بيت المقدس في فلسطين، وهي رحلة استهجنت قبيلة قريش حدوثها، إلى درجة أن بعضهم صار يصفق ويصفر مستهزئاً، ولكن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أصر على تأكيدها، وأنه انتقل بعد ذلك من القدس، في رحلة سماوية بصحبة جبريل على دابة تسمى البراق، أو حسب التعبير الإسلامي، عرج به إلى الملأ الأعلى عند سدرة المنتهى، أي إلى أقصى مكان يمكن الوصول إليهِ في السماء، وعاد بعد ذلك في نفس الليلة. وبصدد هذه المعجزة يقول الله تعالى في سورة الإسراء (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)
إن لمعجزة الإسراء والمعراج، رمزية خاصة واضحة، بالنسبة لبيت المقدس، حيث تؤكد إسلاميته، باعتباره كان أول القبلتين، كما أنه ثاني الحرمين.
أمينة بنونة