بمناسبة الحديث عن الأستاذة الأديبة سمية نخشى، تجب الإشارة إلى أن عددا مهما من الأدباء والأديبات في مدينة القصر الكبير، قد جاؤوا إلى عالم الأدب والإبداع، من بيوت ثقافة وأدب وفن وفكر، خصوصا وأن تلك البيوت كانت تتوفر على مكتبات عامرة، إضافة إلى وجود أساتذة ومثقفين وأدباء من بين أفراد أسر الأدباء والأديبات.
فبمدينة القصر الكبير، ولدت أديبتنا سمية نخشى سنة 1962، في بيت جدها سيدي عبد القادر نخشى، بعدوة باب الواد، جوار ضريح مولاي عبد القادر الجيلالي، وغير بعيد عن المسجد الأعظم، الأمر الذي جعلها تتعلق وترتبط وجدانيا بمدينتها، وبالمدينة العتيقة بشكل خاص.
فقد رأت عيناها النور داخل غرفة، تتصدرها مكتبة جدها القيمة. وهكذا نشأت بين أهم الروافد المعرفية، في مكتبة زاخرة بأمهات الكتب في شتى المجالات : الأدبية ، الفقهية، الصوفية، والقانونية . مما آلف ما بينها وبين الكتاب، فكان لها ومنذ نعومة أظافرها خير جليس ومؤنس. علما بأن الطالبة صباح بنعياد قد قامت بفهرسة هذه المكتبة المهمة، بإشراف الدكتور محمد بنعبود، في كلية الآداب والعلوم الإنسانية / جامعة عبد الملك السعدي في تطوان، برسم السنة الجامعية 2000/2001 ، وذلك في إطار موضوع بحث لنيل شهادة الإجازة.
تلقت أديبتنا سمية نخشى، تعليمها الابتدائي بمدرسة ابن خلدون. والطريف أن سمية قد كتبت حول تلك المرحلة، مذكرات في خمسة اجزاء بعنوان” ذاكرة زمن مفتقد”. وكانت خلال هذه الفترة قد دأبت على شراء وقراءة قصص الأطفال، وخاصة مجموعة “عطية الأبراشي”. كما أن والدها قد أهداها عند حصولها على شهادة الدروس الإبتدائية سنة 1972 ، سلسلة “ألف ليلة وليلة “، ومجموعة من قصص يوسف السباعي، رغم صغر سنها آنذاك. وكانت أمثال تلك الكتب تنقلها إلى عالم الكبار.
وحين انتقلت إلى الثانوية المحمدية، لمتابعة تعليمها الإعدادي ثم الثانوي، تم توجيهها ادبيا، رغم تفوقها في المواد العلمية، وذلك تلبية لرغبة والدها، رجل القانون الذي كان شغوفا ومهووسا بالأدب والشعر، فكان يخطط لاستفادتها من مكتبته، حسبما كان يردد لها دائما في جلساتهما الهادئة ((اريدك يا ابنتي أن تقرئي لي عندما أكبر في السن)). لكن المنية لم تمهله واستعجلت رحيله، تغمده الله بواسع رحمته .
كانت أديبتنا سمية نخشى تلميذة نجيبة، وشاركت بعدد من العروض، سواء على مستوى القسم أم على مستوى المؤسسة، من أهمها عرض “موقف الإسلام في الشعر”، تحت إشراف استاذ مادة اللغة العربية انذاك الأستاذ محمد السكاكي، وذلك بقاعة المطعم، اذ لم تكن توجد بالثانوية قاعة كبرى ، وبحضور مدير المؤسسة السيد أوطاح، والأساتذة والتلاميذ. وقد تكلل العرض بنقاشات جادة وحادة، وانتهت بتذكير السيد المدير لها، بأن اسمها سمية تيمنا باسم أول شهيدة في الإسلام “سنيو زوجة ياسر”
ومن وفائها، فإنها لاتزال تحمل مشاعر المحبة والامتنان لمجموعة من أساتذتها الأجلاء، الذين بصموا شخصيتها، مثل السيد عبد القادر واية والأستاذ الطايع العلوي رحمهما الله، والأستاذ بوسلهام الميسي والأستاذ محمد الزياني، اطال الله عمرهما.
حصلت على شهادة البكالوريا سنة 1979، والتحقت بجامعة سدي محمد بن عبد الله بمدينة فاس . تلك السنة المشؤومة التي نعى فيها وزير الترببة الوطنية آنذاك، السيد عز الدين العراقي، شعبة الفلسفة معلنا إفلاسها واستغناء الدولة عن خدمات خريجيها، لكن دون ان يجرؤ على إغلاق أبوابها، التي ناضلت أجيال و أجيال من أجل المحافظة عليها، مشرعة في وجه مريديها. لتستحدث السنة الموالية مباشرة شعبة الدراسات الإسلامية، كبديل تعليمي وايديولوجي لها . في هذه الفترة اجتاحتها ثورة داخلية، فعزمت على تغيير مسارها ، ورفضت متابعة دراستها ضمن شعبة اللغة العربية وآدابها، رغم إلحاح أساتذتها على ذلك، خاصة الأستاذ السكاكي، الذي كان يبعث لها برسائل شفوية مع زملائها يدعوها لاستكمال دراستها الأدبية.
عبرت لوالدها عن قلقها وتخوفها من التسجيل بشعبة الفلسفة، بسبب الضبابية التي كانت تلوح في افقها، وبسبب الحرب الضروس التي أشهرت ضدها، ناهيك عن الألغام التي زرعت في طريقها .
سمية نخشى
شجعها والدها هذه المرة على دراسة ما تميل إليه وتختاره، مذكرا إياها بأن المستقبل بيد المولى عز وجل، فأقدمت على هذه الخطوة التي كانت آنذاك مجازفة حقيقية، في دراسات صعبة مستقبلها موؤود. لكن كان من حسن حظها أنها درست على يد كبار الأساتذة المغاربة، أمثال الدكتور جمال الدين العلوي، الدكتور ألوزاد رحمهما الله، ومشارقة أمثال د. حسن حنفي ، د. الحبيب الشاروني ، د. السيد ياقوسي. وهكذا حصلت على الإجازة سنة 1983، وتوفقت في التسجيل لاستكمال الدراسات العليا المعمقة، مع الدكتور جمال الدين العلوي في “الفلسفة الإسلامية /ابن رشد نمودجا”. غير أنها توقفت عن مواصلة مسار تعليمها العالي، لظروف الحصار السياسي الشديد الخانق، الذي ضرب على شعبة الفلسفة، والذي لم ينفرج إلا سنة 2003 إثر الهجمات الإرهابية على مدينة الدارالبيضاء يوم 16 ماي.
ولظروف خاصة، اضطرت للالتحاق بالعمل ضمن أطر وزارة التربية الوطنية، فانشغلت لمدة سنة كإطار ملحق بمعهد الدراسات والأبحاث للتعريب في الرباط، بإدارة الأخضر غزال، حيث شاركت في بحث أنجز حول دارجة المناطق الشمالية باللغة الإسبانية. ثم عينت أستاذة ملحقة بقسم التعاون والعلاقات الثقافية بوزارة التربية الوطنية، كرئيسة مكتب. إلى أن التحقت للعمل بالثانوية المحمدية سنة 1990 ولازالت في رحابها لليوم.
خلال مسارها المهني التعليمي قامت بعدة أنشطة وعروض داخل المؤسسة، كما شاركت إلى جانب مفتشي مادة الفلسفة، في الاختبارات العملية لشهادة الأهلية التربوية، للعديد من الأساتذة بمدينتي القصر الكبير والعرائش. ومن أنشطتها داخل المدينة، كونها كانت عضوا مؤسسا ضمن أول مكتب لجمعية الأنوار النسوية، منذ انطلاقتها الأولى. كما أنها حاليا عضو في اللجنة العلمية للجامعة للجميع فرع القصر الكبير. وتجدر الإشارة إلى أن لها عددا من مشاركات في مهرجانات وملتقيات متعددة.
اما عن علاقتها بالكتابة، فيمكن وصف الأديبة سمية نخشى بأنها كاتبة عصامية، استماتت في تكونها الثقافي والأدبي ذاتيا. ونظرا لشعورها بسمؤولية الكاتب، كانت تهاب الكتابة وتهاب الانتساب إليها، وتعتقد ان محرابها عصي لا يصلي فيه الا الأتقياء الأصفياء، الذين اصطفتهم ملكاتهم غير العادية . لذلك كانت ولفترة طويلة، تكتب لنفسها ولبعض مقربيها فقط، الذين طالما شجعوها على النشر ولو تدوينا، وعلى رأسهم خالها الاستاذ سعيد البنشعبوشي. لكنها كانت ترفض وتتوارى في الظل، إلى أن أجبرها حزنها الشديد عل فقدان أخيها، على القاء مرثية في ذكراه الأربعينية بدار الثقافة “محمد الخمار الكنوني. مما غير رأيها السابق، فبدأت على استحياء وبكثير من التردد، بتدوين بعض نصوصها، التي تنوعت نصوصها بين الشعر، والنثر، والمذكرات، والمقالات في مواقع إلكترونية محلية وجهوية ووطنية، مثل أصوات من الشمال، وجريدة هسبريس، وطنجة الأدبية. وأيضا عربية مثل: موقع “رابطة أدباء الشام ” وموقع “تلقف” العراقي. ومؤخرا نشرت لها خاطرة مرثية في والدها، وذلك ضمن كتاب جماعي، من إعداد جمعية البحث التاريخي والاجتماعي بمدينة القصر الكبير، موسوم ب “لمع من ذاكرة القصر الكبير ” الجزء الثالث .
وللأديبة سمية نخشى مشاريع أدبية متعددة تنتظر النشر، منها:
ديوان شعر
مذكرات
مجموعة قصصية
سيرة والدها المرحوم سيدي محمد بن عبد القادر نخشى
وإليكم بعض نبضات حروفها، مقتطعة من قصيدة وسمتها ب “نبض الكلمات”:
كلمات و حروف تطايرت
أحاسيس تأججت
و عقد انفرط
تناثرت حباته
على فسيفساء درب الحياة
إيزيس تعيد نظمها
قلادة على صدر الزمن
حين يتجمل
كرة من الصوف
تدحرجت على بلاط ملائكي
تشابكت خيوطها
التفت حواشيها
عبثت بها يد قديسة
جن جنونها
لتعيد غزلها
و تنسجها وشاحا قرمزيا
يحجب نور الشفق
يبعث دفءا
في مساءات شتوية
ظلت طريقها وعرجت
على حدائق النار
مثوى الجميل من الأفكار
يلتف عل جسد
اثقله الوجع
الروح فيه هائمة
تحتسي نبيذ الأحزان
و تنتشي بلهيب الخذلان
في ختام هذا المقال، نود أن نؤكد آن الوسط الأسروي في القصر الكبير، قد لعب دورا توجيهيا مصيريا، بالنسبة لبعض المثقفين والمبدعين القصريين ذكورا وإناثا، ممن ينتمون إلى أسر يسودها الجو الثقافي المطلوب. وهو ما اتضح هنا من خلال رصد حياة الأستاذة الأديبة سمية نخشى تعليما وإنتاجا أدبيا. ولعل هذه الظاهرة هي التي تدفع الموهوبين من القصريين إلى الانكباب على التكوين الذاتي بكثير من العصامية.