الرئيسيةمقالات و دراساتمنى بنحدو: إبداع في قصيدة النثر

منى بنحدو: إبداع في قصيدة النثر

لايزال مبدعو ومبدعات القصر الكبير، يرفرفون كالفراش في حدائق الأدب والفن والفكر. وها نحن اليوم نلتقي مع فراشة ارتحقت العلم من بيت فقيه، والأدب من أريج نهر لوكوس الخصيب.
إنها منى بنحدو. فمنذ حداثة سنها، وهي كمعظم أديبات وأدباء القصر الكبير، مولعة بالقراءة، حيث كانت تطلع على الكتب ولو عبر الصور. وبما أن والدها قد انتبه إلى هذه الصفة فيها، لذلك كان يعمد إلى اقتناء قصص الأطفال لها. وهكذا صارت تطلع وتقرأ كل ما رأته عيناها، فتنهل منه حتى لو كان أكبر من مستواها. وكان أبوها يشجعها، بل وجعل يقتني لها مجلة ماجد، إضافة إلى اطلاعها على مجلته المفضلة (العربي) حينذاك. لاسيما وأنها قد وجدت خزانة كتب لدى والدها، كانت ملاذها الذي تنهل منه. ويبدو أنها كانت تتخذ من والدها قدوة لها، فكانت تحب تقليده في القراءة، كما تقرأ الجرائد، مما اضاف لديها حب الاطلاع على المعلومة العامة. تقول شاعرتنا في هذا الصدد:
(( أتذكر جيدا أنني قرأت كتابا لمحمود عباس العقاد وأنا في سن الثامنة كانت أختي أتت به للدراسة وأنا اطلعت عليه وأول ما لمحت عيناي كلماته لم أكن أعي حينها الشعر تقول: مهلا على الحب مهلا / ماهكذا الحب يسري …
أعجبتني جدا وبعدها ومع السنين والمطالعة بدأت أخربش كلما أحسست بثقل بمشاعر متضاربة أكتب أي شيء ….)).
إن شاعرتنا من مواليد مشرع بلقصيري، لكنها عادت للإستقرار بمدينة القصر الكبير مع أسرتها، باعتبارها مسقط رأس أبيها وأمها، فالتحقت بمدرسة التوحيد، حيت درست المرحلة الابتدائية بها، وبعدها انتقلت إلى إعدادية وادي المخازن (المعهد الأصيل حين ذاك)، ثم التحقت بثانوية المحمدية، حيث نالت شهادة الباكلوريا أداب عصرية.
وكمعظم شباب القصر الكبير، شدت منى بنحدو الرحال لاستكمال الدراسة العليا خارج المدينة، فالتحقت بجامعة مولاي عبد الله بفاس، لتقضي سنتين من الدراسة في مادة القانون؛ ثم إلتحقت بمدرسة للتسيير، قضت بها سنتين من أجل تحصيل شهادة دبلوم تقني متخصص في التسيير المالي والإداري .
أما عن مسارها الأدبي، فيمكن القول إنها مع الدراسة والمطالعة، برزت موهبتها في المستوى الثانوي وتحديدا في الباكالوريا، حيث انتبه أحد اساتذتها لأسلوبها الجيد في الكتابة، فبدأ يشجعها ويزودها بروايات من الحجم الكبير، ويطلب منها تلخيصها في وقت قياسي، مما شجعها أكثر على الكتابة ..
لكن الشعر كان دائما يستهويها ويعجبها، فاتجهت إلى شعراء الأدب الجاهلي والقصائد الطويلة والغنية باللغة العربية القحة. غير أنها لم تقلدها، إذ كانت تميل إلى البساطة، وتبتعد عن القيود من نظام تفعيلات وبحور صارمة. لذلك أخدت تطلع وتبحث عن البديل، إلى أن قرأت ديوانا للشاعر توماس سترينز إيليوت في ترجمة عربية. فأعجبت بطريقته, وهنا ِبدأت تتشكل وجهتها الشعرية، فانصرف إلى قراءة شعر نيزار القباني ومحمود درويش وأدونيس وأمثالهم .ِ.. واختارت في آخر المطاف الإبداع في حقل قصيدة النثر.
كتبت في العديد من المنتديات الشرقية، كما إتصلت بموقع دروب الذي كان يترأسه الكاتب والشاعر التونسي كمال العيادي، ويضم نخبة مهمة من الكتاب والشعراء المغاربة، كالدكتور الحبيب الدايم ربي، زهرة رميج، الباتول المحجوب المدغيري، أحمد الكبيري، عبد السلام البقالي، مليكة مستظرف رحمها الله. وكانت إنطلاقة منى بنحدو الفعلية مع هذه الثلة من الأدباء. ثم شرعت نشر إنتاجها في جريدة بيان اليوم بصفحة الأستاذ عبد العالي بركات. وقد أغنت تجربة النشر بجريدة عبد السلام واحمد ستيتو، وبجريدة المغرس الالكترونية، إلى جانب كونها قد شاركت في العديد من الأمسيات الثقافية.
ونحن في انتظار صدور ديوانها الأول، الذي سيرى النور قريبا، متضمنا مجموعة من القصائد المنشورة في الجرائد والمواقع الالكترونية. كما أنها تفكر في العمل على إنجاز ديوانها الثاني، في صيغة صوتية.
وقد قرأنا لأديبتنا منى بنحدو إضافة إلى شعرها نصوصا قصصية لها، مثل قصتها (لكل جحيمه) المنشورة في كتاب “الحاءات الثلاث” للأستاذ سعيد الريحاني، الذي ضم مجموعة كبيرة من القصاصين مشكورا.
وهي حاليا تكتب في ركن بصفحة نوفوم الإخباىية، وفي المدقق اللغوي بمنتدى الأكاديمية العربية للآداب.
وها هو نموذج مقتطف من قصيدتها (انبعاث من رماد)، لعله يساهم في تكوين فكرة تقريبية لدى القارئ الكريم، عن إبداع شاعرتنا منى بنحدو:
كطائر الفينيق
أنبعث من رمادي
مرة و وثلاث
كنسمة باردة ترطب لفحات الشمس في صيف قار لصحراء ذابلة
كرمش مذبوح, يتحرق خجلا من نظرات ترمقه بتعال, يستشيظ غضبا على ما صار
كجرح تعافى من دمعة الفينيق المباركة
و استكان على أنشودته بصوته الملائكي المشبع بالرحمة .
كليال دافئة في حضن يتفانى في اكتشاف ذاك الجانب الغامض ,بين المد والجزر .
كالأنا المتغطرسة تجمع شتاتها المبعثر بين سراديب النفس البشرية .
أمشي على دربي المنهك أرى شط البحر أنغمس في حضنه
انجرف مع تياره
أهيم مع أطلال القمر لعله يحيي ما بقي من ذرات جسدي و هي رميم
أستنشق هواء تفوح منه رائحة الكذب
يثقل كاهلي

بمراجعة سلسلة الأديبات القصريات، اللائي تحدثنا عنهن سابقا هنا، تتضح حقيقة مسلم بها، مفادها أن للمرأة القصرية حضور واسع في مجالات المعرفة والأدب والفن الخ.. فإلى المزيد من العطاء والإضافة أختي القصرية، في هذه الميادين الحضارية الراقية.

 

أمينة بنونة
أمينة بنونة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *