اذا ما اجتمعت الموهبة والإبداع في أديب أو أديبة، فسينتج عنهما بالتأكيد إبداع راق يتميز برؤية شفافة، خصوصا اذا كانت البيئة المحيطة ذات قدرة على تنمية المواهب وفسح الآفاق المشجعة.
وتنطبق تلك الفكرة على مبدعتنا القصرية، الشاعرة والفنانة التشكيلية مينة الزاكي، التي يمكن اعتبارها فراشة من فراشات نهر لوكوس الملهِم. ففي ضفافه رأت النور، إذ كانت تقطن بغرسة الشاوش، محاطة بجمال الطبيعة الخلابة، بأشجار الاكلبتوس والليمون الحامض والشفرجل الخ…
ومبدعتنا الفنانة الموهوبة هذه من مواليد القصر الكبير. وقد تابعت دراستها الابتدائية بمدرسة فاطمة الأندلسية، والإعدادية بالمنصور الذهبي، والثانوية بالثانوية المحمدية التأهيلية. وقد حصلت على الباكلوريا بإحدى ثانويات مدينة وزان. كما حاصلة على الإجازة في الرياضيات، ودبلوم في الهندسة المعمارية في جامعة ابن طفيل بالقنيطرة، ودبلوم في الانفوكرافيا، ودبلوم الصناعة التقليدية، ودبلوم لوحات التزين والديكور المنزلي بنفس المدينة.
وقد ساهمت عناصر أخرى إلى جانب تأثير جمال الطبيعة، في إغناء حسها الفني، لا سيما وأنها اعتمدت في عصامية على نفسها بالدرجة الأولى، في تكوينها الثقافي والفني الذاتي؛ من أهمها كونها منذ صغرها وهي تهوى قراءة قصص محمد عطية الأبراشي، ثم انصرفت من بعد في سن المراهقة إلى قراءة أعمال نجيب محفوظ، وطه حسين، وكتاب آخرين. وبالنسبة للشعر، فقد قرأت للشاعر نزار قباني وغيره. كما أنها تعودت على تخصيص وقتها كله للكتابة والتلخيص في مذكرة، مع صور مناسبة للمشهد. وأحيانا كانت تحاول كتابة ما ينتابها من أفكار دون معرفة الآخرين، بحكم طبيعة مجتمع مدينة القصر الكبير، والأسرة المحافظة جدا. كانت مذكرتها هي ملادها للكتابة بالعربية والفرنسية والانجليزية.
من ذلك أنها كثيرا ما كانت تستهويها حوارات هادفة فيما تشاهده من أفلام، فتكتب في مذكرتها ما تلتقطه من حكم وعبر وقيم فيها. وبقيت على هذا الحال تسجل كل ما يخالجها من افكار وخواطر، لكن دون ان يرى النور.
اما بالنسبة للفن التشكيلي، فقد استلهمته وهي صغيرة من الأفلام الهندية والمصرية. ففي ايام الأعياد والمناسبات كان يصطحبها والدها الى السينما. ومن هنا استهوتها الالوان والطبيعة الجميلة والمواقف الدرامية، فتظل راسخة في ذاكرتها، ثم تعمد إلى رسمها، كما كانت تفعل بالنسبة للمشاهد الدرامية، وكما فعلت مع ما كانت تشاهده في البيئة القصرية، من فياضانات، ولباس تقليدي، وجمال طبيعية خلابة كل ماتضمه الأفلام من مناظر جميلة كل هذا في سن الطفولة وبعدها بدأ دور الخيال وكل هذا في مذكرة بأوراق بيضاء وبقلم الرصاص والألوان دفين لا يرى النور مع مسارات الحياة والزواج والأسرة.
غير أنها بعد سكون امتد لسنوات، استطاعت الفراشة ان تخرج من شرنقتها بألوانها المتعددة، وذلك عبر الفايسبوك بشذراتها. ومن هنا كان الانطلاق بعدما نالت إعجاب مجموعة من المهتمين، وبتشجيع من الأصدقاء والمقربين، استطاعت ان تصنع لنفسها مكانا بين الفنانين والشعراء، سواء بالشعر الحر أم بالقصة القصيرة، إلا أن للهايكو مكانة خاصة لديها، باعتباره السهل الممتنع، إضافة إلى الومضة والشذرة.
اما عن اعمالها الفنية، فقد طورتها من خلال دراسة فنون الديكور، والعمارة، فاعتمدت على التلقائية الفطرية، التي استمدتها من البيئة المحلية المحيطة، ومن طبيعة المكان، إذ كان لها الأثر الكبير في تنمية الحس الفطري لموهبتها، سواء من خلال المدينة العريقة، ذات الطبيعة الجميلة، أم من توظيف تراث ثري بالزخارف، وبتشيكيلاته المميزة. ومن ثم كانت البيئة هي المنبع الأساسي، الذي ساهم في صياغة الموهبة الفطرية لدى مبدعتنا. وكانت أمها من أكثر المؤمنين بموهبتها فحرصت على توجيهها ومسانداتها.
ومعلوم أن أديبتنا وفنانتنا الموهوبة، قد شاركت في عدة ملتقيات ومعارض وطنية ودولية. كما أن لها مؤلفا سيرى النور قريبا.
تقول عنها الناقدة أ.د. لمياء كرم صافي: ((تحاول الفنانة التعبير عن الخواطر النفسية باستخدام الضوء كعنصر يخدم موضوعاتها، فهي تسعي الي نقل روح رقيقة، ونسمات خفيفة من السعادة خلال الأنوار والأضواء الخافته الحالمه؛ لهذا تحاول ان تنقل ماتراه بالعين المجردة ، والتركيز علي انعكاسات ضوئية في اللوحة لتزيد من جماليات العمل الفنية .
ولعلها هي بداية فنية لفنانة رقيقة حالمة تسعي دائما وراء تطوير وتنمية نفسها من خلال اكتساب الخبرات الممارسة العملية إلي جانب التثقيف الفني الذاتي والسعي الإيجابي، وفي الختام نتمني لها التوفيق والنجاح.)).
وإليكم هذه القصيدة نموذجا من شعرها، من أجل الاستئناس:
سيمفونية الحب
لم تنطق بكلمة…نطقت عيناك واخذت قلبها
كيف ستنتظر النظرات… وهي تعيش اجمل اللحظات والعبارات
تتقاسم الحكايات… بصوت هادئ وابتسامات..
انت غيمة الوقت والزمان…ارويها امطار الامل
سرقت وجدانها وتسألها عن اليقين وماذا فعلت….
فيك الصفاء..الهناء…والشفاء…والعشق والاشتياق
انت الهواء…حياتها ذاهبة إلى حيث لا تدري…اعتنق البقاء
قد لا يهتم الزمان بشأنها… وهذا يؤلمها…
لا تخبر أحدا عن سر…دمعتها
كيف تكون قمرا، شمسا…أميرة الروح والعقل
ولا تشبه أنثى…ولن تتركها…أدمعت عيناها وانسحبت اليك
الآن خطفت حنينها… وغيرت نظامها.. فنادت باسمك………
سألتك..هل تحبها؟…نطقت..أكرهك..أكرهك..
علمت من شدة حبك ولوعة اشتياقك…حتما تحبها..تحبها
منتهى العشق والاشتياق معك..احتضنتك وهذا يكفيها..
سيمفونية…حبها: قدر..خفقان..عشق..لوعة واشتياق..
تحبك ولا تحررها ….. فهي سجينة حبك.
فالموهبة كالنبتة أو البرعم الصغير، الذي يجب تعهده بالرعاية والسقاية، وإلا هلكت. ومبدعتنا وجدت المحيط فأطلقت العنان لمواهبها، التي نضجت وأثمرت عبر استلهامها لمنابع الجمال في حوض لوكوس.
أمينة بنونة