تنتمي الشاعرة أمل الأخضر إلى جيل يعشق القراءة والعمل الجمعوي، كما أن الإبداع بنظرها يتخلق من رحم واحد. وتساند الشاعرة أمل بكثير من الحماس الاحتفاء باللغة العربية، على الرغم أن لغة الضاد اصبحت ضحية لتخلف أبنائها.
شاعرتنا من مواليد مدينة القصر الكبير، سنة 1968، تعمل أستاذة بالتعليم الثانوي، حاصلة على دبلوم الدراسات العليا المعمقة في الأدب العربي القديم من كلية الآداب والعلوم الإنساني بتطوان. وهي بصدد تهيئ أطروحتها لنيل شهادة الدكتورة.
بدات تعتني بالتعبير عن مشاعرها منذ سن مبكرة ـ الرابعة عشرة سنة – وقد أسهم تفاعلها الذاتي والموضوعي في تشكيل بصمة خاصة لشاعرتنا في عالم الإبداع. وقد انطلقت الشاعرة في نشر إبداعها منذ نهاية الثمانينيات، حيث فرضت وجودها كشاعرة مجيدة، إذ شاركت في العديد من المهرجانات والملتقيات الشعرية. كما حصلت على جائزة الإبداع النسائي بفاس سنة 2000 . ومعلوم أنها تعتبر من مؤسسي جمعية الامتداد الأدبية بالقصر الكبير، كما أنها عضو في اتحاد كتاب المغرب.
وقد صدر للشاعرة أمل الأخضر :
– بقايا كلام، منشورات جمعية الامتداد الأدبية، القصر الكبير، 1995.
– أشبه بي، منشورات دار التوحيدي، الرباط، 2012.
ـ ولها اصدار جديد سيرى النور قريبا
إن الكتابة بالنسبة لأمل الأخضر مرفأ أمان، تلجأ إليه كلما خنقتها قذارة الواقع، معتبرة الشعر شرارة النور االملتهبة داخل الذات، التي تحتاج للكشف والتأمل والاستغوار في كينونة الكلمة، لتنطلق إلى المتلقي بعشق وشغف.
وقد اختارت أمل الآخضر الكتابة الشعرية، لأن الشعر بالنسبة لها بقعة النور المتلفعة بألف حجاب داخل الذات، كما انها تحتاج لشيء من الكشف والتأمل والاستغوار لتبتدئ في لحظة ما، وبطريقة ما، فهي حتما تتعالى عن التحديد الملخص في التعريف المؤطر، إذ هو في رأيها اختراق وعناق بين الكاتب والمتلقي، يشبه إلى حد كبير حالة العاشق والمعشوق.
ونقلا عن الأستاذ الأديب محمد العربي العسري، في الجزء الثالث من كتابه (أقلام وأعلام من القصر الكبير في العصر الحديث) صفحة 159، نورد رأي الناقد نجيب العوفي في شاعرتنا، خلال حديثه عن شاعرات من الشمال، في مقاله (الشعر بتاء التأنيث )، حيث يقول فيها: ((امل الأخضر صوت مترع بدفء القصر الكبير، وشاعرية القصر الكبير الضاربة في الحنايا والأعماق ، ولا يشذ شدو هذه الشاعرة عن إيقاع العزف السابق، ان لكل حقبة شعرية نبضها الخاص ونغمها الخاص)) .
وتقول هي عن نفسها في أحد الحوارات، التي أجريت معها: ((انا شخص غارق في الحلم حتى عظم القصيد، لا أبارحه مطلقا ولو تعلق الامر بحياتي الطبيعية على هامش الكتابة. اترك ضوءه يقودني في ظلمة المعيش كعصا البصيرة أهش بها على الجرح فيبرأ، واسهرها في وجه قبح الفلوات فأتحرر من عديم السديم . ربما كان الحلم في النهاية هو الشعر أتركه يفترش خطوي وأنا عابرة السبيل الحافية في أرض الشوك، أهرب من خلاله نحو مروج العراء الروحي، حيث لا تجامل أمام مرآة النهر الهادر، حيث لا ركون إلى مديح النفاق الآسن حيث وحده شلال الروح الأنقى ينهمر في الأعالي جارفا ظفائر الذات، متفتقا سقوف الدواخل، حافرا على حدود التخوم أخاديد عميقة أشبه بالزلزال)).
فشاعرتنا أمل الأخضر، تعتبر الإبداع الحقيقي، هو ما يشد أنفاسك وكيانك في لحظة تشبه الإنخطاف. وتشوقنا هذه الروحية الشاعرية، إلى الإطلال على شعرها. لهذا يسعدنا ان نستأنس فيما يلي، بالمقطع الأخير من قصيدتها الطويلة (سهرة الموتى):
عَنْ لُعابِ الْمَحْرُومينَ سَأَكْتُبُ أَمامَ فَاتْريناتِ الْمَطاعِمِ
وَ عَنْ حُشودِ الْعَطَاشَى الْغَازِيَةِ ،
بِشِفَاهٍ مُتَشَقِّقَةٍ ، وَ بِنَظَراتٍ زَائِغَةٍ ، ورُؤوسٍ رَخْوةٍ ،
وَ خُطُواتٍ عَشْواءَ .
وَ عَنِ الدَّمِ الْمٌراقِ ، سَأَكْتُبُ ، الدَّمِ الْمَسْفُوحِ ،
وَ الدَّمِ اللَّزِجِ عَلَى الْأَرَصِفَةِ ، وَ أَبْوَابِ الدَّكاكِينِ ،
عَنِ الصِّغَارِ الْمَذَهُولِينَ ، أَمامَ هَوْلِ الْحُرُوبِ ،
وَ عَنِ الْكَلامِ الْكَبيرِ الُمُكَدَّسِ بِالْغُرًفِ
السِّرِّيَّةِ لِقِبَاءِ الْأَرْواحِ .
وَ سَأَكْتُبُ .. عَنْكَ .. وَ عَنِّي.
أمينة بنونة