من معاناة الفراق والشوق للمدينة الأم، مثل العديد من أبناء القصر الكبير، وفراق الوالدين في سبيل تلقي العلم وإيمانا منها على يد أستاذ، اختارته دون غيره في بداية مسارها، لأن يكون نبراسها في التعلم. إذ انتقلت معه لاستكمال السنة الدراسية، فشاءت الأقدار ان يغير مقامها، بسبب رغبتها في أن ينير طريقها نحو عوالم الشعر والأدب، اقتناعا بالحقيقة القائلة: بالعلم والفكر يستطيع الإنسان أن يجعل عالمه من الورد أو من الشّوك.
الشاعرة والقصاصة الزهرة الحميمدي، من مواليد مدينة القصر الكبير، يوم 25 مارس من سنة 1962. درست بها المرحلة الابتدائية، في مدرسة البنات (المحلة). وفي سنة 1975، انتقلت مع أختها الى مدينة العرائش، حيث تابعت تعليمها الإعدادي والثانوي، تاركة قلبها بالقصر الكبير… لكنها أضحت اسما لامعا بين التلاميذ، لما تميزت به من جدية ومثابرة، ومشاركات عديدة في المجال الشعري والفني والمسرحي، في إطار الأنشطة المدرسية …
فقد برزت موهبتها الأدبية والمسرحية والشعرية، خلال دراستها بإعدادية الإمام مالك بالعرائش، حيث ألفت أول مسرحية باللغة الفرنسية، تحت عنوان (الطفل الغبي L’enfant stupide )، ثم قامت بإخراجها وتمثيلها فوق خشبة المسرح المدرسي، فنالت الجائزة الأولى التي كانت بداية تحقيق طموحاتها ونجاحاتها..
ونتيجة لجديتها وجهودها، أمكنها الحصول على الباكلوريا بميزة حسن جدا، سنة 1984، في ثانوية محمد بن عبد الله بالعرائش. الأمر الذي سمح لها بالالتحاق بالمركز التربوي الجهوي في مدينة طنجة. وهناك اسهمت في العديد من الندوات والأمسيات الشعرية، باللغتين العربية والفرنسية. وقد تخرجت من هذا المركز التربوي سنة 1986. ولم تتوقف الزهراء الحميمدي عند هذا الحد في طموحها الدراسي، بل تمكنت من الحصول على الإجازة في الأدب الفرنسي.
وحين تم تعيينها أستاذة للغة الفرنسية، بإعدادية عبد الكريم الخطابي، في مدينة العرائش، انصرفت لتدريس أجيال عديدة على مدى 29 سنة. كما أنها أقبلت على تنشيط العديد من الفعاليات التربوية والجمعوية، مزاوجة بين عملها التربوي والثقافي، إذ نظمت كثيرا من المهرجانات والملتقيات الثقافية والأمسيات الشعرية، في القصر الكبير والعرائش وطنجة ، متصدرة عددا من النوادي والجمعيات الأدبية، كما تدل اللائحة التالية:
ـ رئيسة نادي النوارس – للمسرح والشعر والموسيقى، بإعدادية عبدالكريم الخطابي.
-رئيسة نادي المسرح بالكراكيز بنفس الاعدادية
-رئيسة نادي النوارس للمسرح والابداع بثانوية الحسن الثاني في العرائش .
-رئيسة نادي الاسبرديس الثقافي بدار الشباب الراشدي في العرائش .
-رئيسة فرع العرائش لجمعية بيت المبدع الدولية . من سنة 2013 الى سنة2017
-عضو فاعلة بجمعية القدس للتضامن .
-رئيسة اللجنة الثقافية بجمعية المحصحاص في العرائش.
-عضو فاعلة بجمعية الشريف الادريسي.
-عضو فاعلة بجمعية إفاسن إسرحان في العرائش ..
كما أسهمت في العديد من التظاهرات الثقافية منها:
– مشاركتها مع جمعية الأطباء في أيام تحسيسية ضد التدخين .
– مشاركتها في حملات بيئية مع “جمعية النضال الأخضر” في العرائش .
– مديرة مهرجان الطفولة والشباب سنة 2013 .بنفس المدينة .
-عضو منتسبة للمؤسسة العربية الدولية للآداب والثقافة والفنون بمصر .
ـ رئيسة جمعية بيت المبدع، فرع العرائش
ـ عضو شرفي رابطة كاتبات المغرب فرع القصر الكبير
ـ وهي حاليا رئيسة جمعية بيت المبدع، فرع طنجة .
ـ ولها إسهامات شعرية بنادي الهايكو في الأردن .
-شاعرة وقاصة، وكاتبة في الميدان الإجتماعي والمسرحي، باللغتين العربية والفرنسية.
ـ ستصدر لها قريبا مجموعة قصصية، تحت عنوان :(ترنيمة الماضي).
ـ وفي الشعر، نشرت عدة قصائد بالعديد من المواقع الالكترونية الوطنية والدولية.
ـ من المنتظر أن يصدر لها ثلاثة دواوين باللغة العربية والفرنسية.
لهذا استحقت الحصول على عدة شواهد اعتبارية، أهمها شهادة تقديرية لحصولها على الرتبة الثالثة، على مستوى جهة طنجة تطوان، في عملية انتقاء المترشحين لنيل الجائزة الوطنية الكبرى للاستحقاق المهني لأطر التربية والتكوين. وحصلت أيضا على شهادة الاستحقاق المهني، من طرف وزارة التعليم / الرتبة الثانية على صعيد شمال المغرب. وفي سياق هذا التقدير المستحق، حظيت بلقب شخصية سنة 2016، من طرف المؤسسة العربية الدولية للثقافة والآداب والفنون في مصر. كما تم تكريمها من طرف عدة جمعيات محلية ووطنية.
تقول أسماء المصلوحي عن الزهرة الحميمدي:
((شاعرة موشومة بألق الأقاصي. القصيدة ملاذها ومأواها: تعشق الظل حيث تجد مستقرا لجبلتها. لا الضوء يغريها ولا سباق الوهم نحو المنصات يعنيها. القصيدة مأواها وملاذها وأس كينونتها. حين يندلع الحديث عن الشعر، تصمت في بلاغة. فقط لأنها تكتب القصيدة ولا تتكلم عنها، تذهب نحو الشعر ولا تلوي أعناق الكلمات..! ليس لأنها متواضعة. بل لأنها شاعرة. تلك هي الشاعرة الجميلة زهرة الحميمدي.))
وتضيف أسماء المصلوحي في وصف شعر الزهرة الحميمدي، قائلة:
((زهرة الحميمدي مبدعة تتبدى أنيقة العبارة.رحيبة المعنى. شعرها يخلق في رحم التأمل. لذلك نلمح فيها تلك الميزة التي تدفعنا الى قراءتها عدة مرات، لنكتشف في كل مرة عمقها وأغوارها. ويبدو لي أن زهرة تتأنى في الكتابة. وتلك سمة مبدعات يجهرن بالخشوع في حضرة الشعر.)).
وللاقتراب من شعر الشاعرة، يسرنا أن ندرج فيما يلي قصيدتها “هكذا هي أشعاري”:
هكذا هي أشعاري
طيور فينيق
من تحت الرماد
تنتفض
تمشي على الجمر
تشق الطريق
تغزو السحاب
تهاجر
تغضب
تغار
تسابق الريح
تمشي في المواكب
ترفض
ترقص
تعزف المواويل
تشدو
تراقص الأحلام
تراقصني
تحلم
تغني
تسافر بعيدا
وقد يشدها الحنين
إلي
فتبكي
هكذا هي أشعاري
جداول عطر
ألوان طيف
تغازل خيوط الشمس
عند الوداع
وأبدا
لا تنهزم
لا تنكسر
لا تنحني.
ما أروعه من حنين، لزهرة اينعت في القصر الكبير، وفاح عطرها، فملأ الكون عطرا مضمخا بنسائم نهر لوكوس مفخرة القصر الكبير.
أمينة بنونة