سكت المحللون…. وجم المتنبئون… وتركوا فؤادي وحده ملتهبا وقد وصلته شظايا حامية من نيران بيروت…. لجأت إلى قلمي عساني أبثه شجوني ولواعجي وعساه يواسي في عروبتي جرحا آخر ويضمد في إنسانيتي ندبا آخر….. ولكن ماباله هذه المرة وعلى غير عادته يتمنع ولا يطاوعني… أتراه تجمد فيه المداد من هول الصدمة فتمرد بكامل إرادته على حرارة هذا الجو…. هل تراه أشفق علي فأراد أن يعفيني من كلمات مسكوبة على الورق لا تسمن ولاتغني من جوع…… أم هل تراه عجز أن يجاري بمداده الضعيف كل هذا الضجيج القوي المتلاطمة أمواجه بداخلي……
لايهم…..فانا مصرة على إفراغ كل مايملئني… قلمي الغالي سامحني… سأرمي بك هذه المرة بعيدا… لن انتظر مدادك كي يرضى ويجود علي، فلم تعد تقنعني وتشفي غليلي كلماته المطرزة على الورق ….الآن أريد أن اصرخ …أن أصيح بملء فمي وجوارحي.. كفانا ألما …كفانا جراحا …فالجسد أثخن بما فيه الكفاية والدواء عز والندوب الغائرة لم تعد تنفع معها وصفات العشابين ولا أدوات الجراحين …..كفى…. والله تعبنا… والله هرمنا في انتظار لحظات سلام… لحظات أمان …….لحظات يتحقق فيها حلمنا العربي الذي يبدو أن الأيام نكلت به وبنا فما زادته إلا ترهلا وشحوبا وما زادتنا إلا يأسا منه وقنوطا.
فقط رجاء…. لاتخذليني أنت… سأتوجه إليك مستعطفة… اجل أنت يا بلد الفيروز النادر ويا بلد الأرز الشامخ… سأتوسل إليك….سأرجوك أن تطفئي نيرانك وألاتنطفئي…. سأرجوك أن تخمدي اللهيب الذي أحرقك وان تسترجعي قواك لتشعلي لهيب الأمل من جديد في أزقتك وشوارعك… عاهديني أن تنبعثي مرة أخري من رمادك فقد عرفتك قوية تعشقين الحياة…. وعاهديني أن يعلو طائر الفينيق من أراضيك راقصا على نغمات فيروز وهي تصدح… سألوني “شو صاير” ببلد العيد ……قلت لهم بلدنا عم يخلق جديد…. لبنان الكرامة والشعب العنيد….
فاطمة أمهوري
كاتبة من المغرب