كان عمر الممثل القدير محمد رزين 33 سنة عندما شارك لثاني مرة أمام كاميرا السينما في فيلم “السراب” (1979) للراحل أحمد البوعناني، وذلك بعد أول تجربة سينمائية له مع نبيل لحلو في فيلمه “القنفودي” (1978).
بمناسبة عرض المركز السينمائي المغربي على منصة إلكترونية لفيلم “السراب”، يومي 11 و12 يوليوز 2020، في إطار أفلام حالة الطوارئ الصحية، أجرينا حوارا مركزا مع “رزين السينما المغربية” حول مشاركته في هذا الفيلم وعلاقته بمخرجه وبطله المبدعين الراحلين أحمد البوعناني ومحمد الحبشي.
فيما يلي نص هذا الحوار:
كيف جاءت مشاركتك في فيلم “السراب”؟
المرحوم أحمد البوعناني كان مواكبا لبعض العروض المسرحية المنظمة بمسرح محمد الخامس، وقد شاهدني وأنا أشخص أدوارا على الخشبة مع فرقة “القناع الصغير”، كما عاين أدائي في فيلم “القنفودي” (1978) لنبيل لحلو أثناء تركيب هذا الفيلم بمختبر المركز السينمائي المغربي، واقتناعا منه بقدراتي التشخيصية اقترح علي تشخيص دور سيدي رحال “البوهالي” في فيلم “السراب”. اشتغلت على الدور لمدة ليست بالقصيرة، إلا أنه في الأخير فضل أن يكلفني بأداء دور آخر، هو دور عباس القروي المرتبط بحماره ارتباطا من نوع خاص، معتبرا أنني الأقدر على تشخيص هذا الدور بالشكل المطلوب. وكما شاهدتم في الفيلم فقد أسند دور سيدي رحال إلى الممثل القدير مصطفى منير.
المشهد الافتتاحي المصاحب للجنريك صورناه بنواحي مدينة الخميسات، كمحاولة تجريبية بكاميرا صغيرة، إلا أنه أعجب المخرج واحتفظ به ولم يعد تصويره مرة أخرى.
“السراب” هو أول وآخر فيلم روائي طويل من إبداع الراحل أحمد البوعناني، كتابة وحوارا وإخراجا وتركيبا، كيف كانت إدارته لك كممثل؟ وفي أية شروط إنتاجية؟
البوعناني مخرج مثقف له رؤية لما يريد تصويره والتعبير عنه في فيلمه، يشرح لكل ممثل ما هو مطلوب منه في الدور ويستمع إلى اقتراحاته، وبعد مناقشة واقتناع من الطرفين يتم المرور إلى مرحلة التصوير. عندما يرغب في إبداء ملاحظة تخص طريقة تأدية الممثل لدوره ينفرد به ويشرح له وجهة نظره بأدب، بعيدا عن أنظار الآخرين. إنه فنان مرهف الإحساس وذو أخلاق عالية يحترم الممثلين ويوفر لهم ظروفا ملائمة لكي يبدعوا في تشخيصهم للأدوار المسندة إليهم والعمل معه فيه متعة واستفادة. ورغم الميزانية المتواضعة التي وضعها بين يديه المركز السينمائي المغربي تحت إدارة قويدر بناني، وهو الجهة المنتجة للفيلم، اشتغلنا في ظروف حميمية وكأننا أفراد أسرة واحدة. لماذا؟ ببساطة لأن جل العاملين في الجوانب التقنية هم زملاء له من الموظفين بالمركز المذكور، فالتصوير كان تحت إشراف الراحل عبد الله بايحيا، والتقاط الصوت أشرف عليه الراحل يحيى بو عبد السلام، والملابس والديكور والماكياج كلفت بهم زوجته الراحلة نعيمة السعودي… إلخ.. زد على ذلك أن مشخصي الأدوار الرئيسية كانوا من وجوه المسرح البارزين آنذاك وهم الراحلون محمد الحبشي ومحمد سعيد عفيفي وعبد الله العمراني إلى جانب فاطمة الركراكي ومصطفى منير وعبد ربه…
حدثنا بعض الشيء عن مكانة الراحل البوعناني في حقلنا السينمائي وبعض ذكرياتك معه..
كانت علاقتي به علاقة احترام متبادل، فعندما أراد السفر هو وزوجته إلى باريس لتقديم الفيلم هناك ترك ابنتيه تودة والباتول مع أسرتي إلى حين عودته إلى أرض الوطن، ومن ثمة ظلت علاقتنا مع بعض طيبة. الرجل من طينة الكبار له بصمته الخاصة في المونطاج، مجال تخصصه، وله أيادي بيضاء على الكثير من المخرجين شبابا وكهولا، كما قدم خدمات كثيرة للسينمائيين المبتدئين. ومع كامل الأسف لم تستفد سينمانا الوطنية من قدراته الإبداعية بالشكل المطلوب بسبب المضايقات التي تعرض لها، خصوصا في سنوات الرصاص، وما مورس عليه من إقصاء وتهميش أثناء مزاولته لعمله كموظف بالمركز السينمائي. لقد عانى الكثير منذ صغره، حيث قتل والده وهو في سن المراهقة، وماتت إبنته البكر الباتول وشب حريق في شقته بالرباط وضاع من جراء ذلك جزء من أرشيفه السينمائي والثقافي، وفي الأخير فضل العزلة في مكان قريب من دمنات ليتفرغ للكتابة. عزاؤنا فيما تركه لنا من أفلام على قلتها ومن كتابات أدبية ورسومات وسيناريوهات صور بعضها من طرف مخرجين آخرين ولا زال البعض الآخر منها ينتظر.رحم الله سيدي أحمد البوعناني.
الممثل الراحل محمد الحبشي كان رائعا وعفويا في تشخيصه لدور السي محمد في الفيلم، كيف كانت علاقتك به آنذاك؟
كانت تربطني بالراحل محمد الحبشي علاقة صداقة من نوع خاص، ولي ذكريات كثيرة وجميلة معه.. هو ممثل بالفطرة تلقى تكوينا رصينا بالمركز المغربي للأبحاث المسرحية بالرباط.. اشتغلنا معا في مجموعة من الأعمال المسرحية والتلفزيونية.. لقد استفدت منه ومن ممثلين وممثلات آخرين من عياره كالراحلين محمد سعيد عفيفي وعبد الله العمراني والكبيرة فاطمة الركراكي وغيرهم.. فهؤلاء كانوا من أعمدة المسرح المغربي في عصره الذهبي. وليس غريبا أن ينال الحبشي سنة 1982 جائزة أفضل تشخيص رجالي عن دوره في فيلم “السراب” بالدورة الأولى للمهرجان الوطني للفيلم بالرباط، في حين فاز أحمد البوعناني بجائزتي الصحافة وأفضل حوار وحصلت زوجته نعيمة السعودي على جائزة أحسن ديكور.
الحبشي كان إنسانا بسيطا ومسالما، له مزاجه الخاص ويبتعد عن كل شخص لا يمكنه التفاهم معه. عانى كثيرا داخل الوسط الفني، وعندما تحسن وضعه المادي بسبب ما خلفه له والده بعد وفاته من أراضي ترك الجمل بما حمل وابتعد نهائيا عن المجال الفني، تاركا وراءه أدوارا خلدت اسمه في تاريخ السينما لعل أقواها دوريه في “السراب” للبوعناني و”حلاق درب الفقراء” (1982) للراحل محمد ركاب.
أجرى الحوار: أحمد سيجلماسي.