اهتزت هياكل بعلبك اللبنانية بالموسيقى ليل الأحد في حفل استثنائي خرق جدران الصوت والصمت وسُمعت أصداؤه في العاصمة بيروت عبر استقدام شاشات عملاقة نقلت أجواء الفرح والأمل القادمة من الشرق اللبناني.
والتزاما بمعايير الوقاية اللازمة من فيروس كورنا تابع اللبنانيون عبر شاشات التلفزيون الحفل الوحيد لمهرجانات بعلبك الدولية هذا العام تحت عنوان (صوت الصمود) في وقت يشهد فيه لبنان أزمة اقتصادية هوت بالعملة المحلية وباتت تشكل أكبر خطر منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990.
ومن دون جمهور وعلى مدى ساعة كاملة قدم المايسترو اللبناني هاروت فازليان موسيقى كلاسيكية لبنانية وغربية مع كورس شبابي من الجامعات اللبنانية داخل معبد باخوس الروماني الأثري.
واستقدمت شاشات عملاقة إلى منطقة المتحف الوطني في بيروت لعرض حفل بعلبك كما وضعت شاشات كبيرة عند تقاطع الرينج في وسط العاصمة وهو المكان الذي غالبا ما يشهد مظاهرات واحتجاجات منذ 17 أكتوبر تشرين الأول الماضي ضد النخبة الحاكمة في البلاد.
أحيت الحفل الأوركسترا الفلهارمونية اللبنانية برفقة جوقة الجامعة الأنطونية وجوقة جامعة سيدة اللويزة وجوقة (الصوت العتيق) بقيادة فازليان.
وتخللت الحفل صور من الأرشيف لفنانين لبنانيين وعالميين مروا على أدراج بعلبك في لمسة فنية لونت جدران القلعة بتوقيع مهندس الديكور اللبناني الفرنسي جان لوي مانجي.
بدأ الحفل بعزف النشيد الوطني اللبناني وسط إشعاعات ضوئية عكست ألوان العلم اللبناني، وارتفعت الموسيقى مع الصوت بإخراج محترف عبر تصوير جوي قاده المخرج اللبناني باسم خريستو.
وعزفت الفرقة الموسيقة مقطوعات من أعمال، لودفيج فان بيتهوفن، أحد أعظم عباقرة الموسيقى في العالم بمناسبة مرور 250 عاما على ميلاده.
وقدمت الأوركسترا على مدى عشرين دقيقة مقاطع من مسرحية (أيام فخر الدين) التي كانت قد قدمت على أدراج بعلبك في 1966 للأخوين رحباني والفنانة فيروز بتوزيع جديد أعده كل من أسامة وغدي الرحباني.
وعزفت الأوركسترا مقاطع موسيقية وأخرى مغناة قدمها الكورس وبينها (يا مهيرة العلالي) و(راجع بصوات البلابل) و(بيي راح مع العسكر).
وعلى جدران الهياكل الأثرية أطل الممثل اللبناني رفيق علي أحمد بخلفية صور تستعرض تاريخ الأديب اللبناني جبران خليل جبران(1883-1931).
جاء الحفل برعاية الرئيس ميشال عون وبمناسبة الاحتفال بالذكرى المئوية لإعلان لبنان الكبير ومن إنتاج لجنة مهرجانات بعلبك، وهو الأول بعد أزمة كورونا الصحية في لبنان.
من جانبه، اعتبر قائد الأوركسترا هاروت فازليان أن ما قدمه ليس برنامجا أو مهرجانا بل هو ”رسالة أمل بأننا نستطيع أن نقيم حفلات أينما أردنا“.
وأضاف لرويترز ”من لبنان لدينا الأفكار والشغف والرؤية لنقدر نعمل شي كتير كبير. لدينا تاريخ عمره آلاف السنين، يمكن الآن بلدنا يمر بمشاكل وقصص لكن هذه القلعة مرت بمشاكل وقصص، فكتير حلوة العلاقة بين لبنان وقلعة بعلبك“.
وأكدت نائلة دي فريج رئيسة لجنة مهرجانات بعلبك أن جميع الفنانين والفنيين عملوا في مشروع الأحد الضخم مجانا.
وقالت لرويترز ”هي صرخة كبيرة نقول من خلالها إننا نريد أن تستمر الحياة، وإذا كانت الناس ستشاهدنا من شاشاتهم في المنازل فهذا أكبر حفل لدينا … آمل أن يقف الناس ويصفقوا من منازلهم“.
وعلق ناشطون وسياسيون على الحفل بإعجاب وأطلقوا عبر موقع تويتر وسم (عليّ الموسيقى). وتحت هذا الوسم كتبت وزيرة العدل ماري كلود نجم تقول إن بعلبك الليلة تشكل لبنان الحضارة ”الذي نفتخر به“.
وعلقت الوزيرة السابقة عن حزب القوات اللبنانية مي شدياق قائلة هذا هو ”وجه لبنان الحضاري الذي يريدون حرماننا منه“.
وقدم وزير السياحة رمزي المشرفية الشكر لمن ”منح هذا الأمل“ وقال معلقا على تويتر إن مهرجانات بعلبك الدولية منحت ”الحب والعمل الفني المتكامل بقيادة المايسترو فازليان وإن لبنان مهما اشتدت الأزمات يبقى وطن الفرح والحياة وسنعيد أمجاده“.
وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة من الحفل مع تعليقات من ناشطين وفنانين أبدوا إعجابهم بما شاهدوه.
وكتب المغني اللبناني وائل كفوري على تويتر ”ع كل التلفزيونات في ذات المشهد بالذات إنشالله الشعب اللبناني بيتوحد متل الشاشات“.
طنجة الأدبية-رويترز