الرئيسيةأخبارالمخرج محمد بوزاكو: ملف الغازات السامة لا يزال قابلا للإنفجار في أي لحظة

المخرج محمد بوزاكو: ملف الغازات السامة لا يزال قابلا للإنفجار في أي لحظة

عرض المركز السينمائي المغربي على منصة إلكترونية، يومي 3 و4 يوليوز الجاري، الفيلم الروائي الطويل الأول “إيبيريتا” للمخرج المغربي محمد بوزاكو، وذلك في إطار أفلام الحجر الصحي.
فيما يلي حوار مركز مع هذا المخرج الريفي حول فيلمه الذي يتناول استعمال الطيران العسكري الإسباني في حرب الريف لقنابل كيماوية تحتوي غازات سامة لا زالت تبعاتها تلاحق ساكنة المنطقة:

أعتقد أنها المرة الأولى التي يتعرض فيها فيلم سينمائي مغربي لموضوع الغازات السامة التي استعملت من طرف الطيران العسكري الإسباني ضد المقاومين وسكان الريف إبان الحرب، فما هي الدوافع الأساسية التي جعلتك تختار هذا الموضوع في أول فيلم روائي طويل من إخراجك؟
أعتقد ذلك أيضا، فبحكم انتمائي لهذه الرقعة الجغرافية من الوطن، التي عاشت أحداث حرب الريف، حيث استعمل الإسبان الغازات السامة الممنوعة ضد المقاومين، وجدت نفسي وأنا أتتبع هذا الملف معني إلى حد كبير بهذه القضية المسكوت عنها. لذلك أعتبرها مسؤولية تقع على عاتق كل من يشتغل في مجال الإبداع، حيث ينبغي التطرق لها حتى نعرف حقيقتها ومدى ارتباطها بمرض السرطان المتفشي في المنطقة، ولم لا جر إسبانيا للإعتراف بجرائمها والاعتذار عنها.

لاحظت طغيان الطابع المسرحي على مساحة كبيرة من زمن الفيلم، بما في ذلك هيمنة الحوارات والتصوير في الفضاءات المغلقة… مما جعل إيقاع الفيلم بطيئا نسبيا.. هل سبب ذلك ضعف في ميزانية العمل؟
الفيلم عبارة عن مجموعة مشاهد يطغى عليها الطابع البيداغوجي وما يتطلبه ذلك من ضرورة بسط الموضوع من كل جوانبه وتبيان بعض الأمور الدقيقة كالإحصائيات والحقائق التاريخية المرتبطة بملف الغازات السامة. كما أن الخلفية التي تدور فيها الأحداث يطغى عليها جو مأساوي تتحرك فيه الشخصيات بشكل بطيء كما لو أن الفيلم بكامله يختزل في لحظة عزاء، ولعل هذا إذن ما جعل بعض المشاهد يطغى عليها الطابع المسرحي.
طبعا للميزانية تأثير على مجموعة من الأشياء كان بودنا تصويرها بطريقة أخرى.. لكن ما كان يهمنا بالدرجة الأولى في الحصيلة هو إيصال الفكرة والتأريخ لها.

لاحظت تفاوتا في أداء الممثلين والممثلات، فبعضهم كان مقنعا في تشخيصه، كما هو الشأن بالنسبة لحسن أجواو (في دور خوصي) وفاروق أزنابيط (في دور سليمان) ونوميديا (في دور فتيحة) وميمون زانون (في دور زيان)…، والبعض الآخر كان أقل إقناعا، فهل يرجع ذلك إلى موهبة ودرجة تمرس واحترافية كل واحد منهم أم إلى الكاستينغ وإدارة الممثلين؟
كما تعرفون، فالممثلون هنا في منطقة الريف لم يتخرجوا من معاهد التكوين ولم يدرسوا فن التشخيص. هم فنانون يتوفرون على مواهب طوروها على خشبات المسرح، الباقي اشتغلنا عليه جميعا من خلال بعض المسلسلات والأفلام التلفزيونية والسينمائية. لذلك من الطبيعي جدا ونحن في مرحلة البداية من أجل إرساء دعائم صناعة سينمائية بالمنطقة أن يكون هناك نوع من التفاوت في الأداء، وحتى إدارة الممثل تصطدم كثيرا مع الحالة العامة التي تتسم بغياب تكوين أكاديمي في التشخيص. لكن، بالرغم من ذلك بزغ شعاع العديد من المشخصين، وهم في طريق تحقيق نجوميتهم مع اضطراد أعمالهم.

الفيلم يعكس نسبيا الخصوصية الثقافية للمنطقة التي تجري فيها الأحداث، على مستويات اللغة واللباس والفضاءات والديكورات والأكسيسوارات وغير ذلك، كما أن المقاطع الموسيقية الموظفة في بعض المشاهد متناغمة مع الأجواء، كيف جاء اختيار هذه المقاطع الموسيقية؟
صحيح، فموسيقى الفيلم حاول واضعها الفنان ماسين أن يستخرجها من عمق تربة الريف. وقد استند في ذلك على “البندير” و”القصبة” باعتبارهما أداتان أساسيتان ومهمتان في إنتاج موسيقى الحزن والمأساة، مما أعطى للأحداث طابعا واقعيا جعل المتلقي يعيشها وكأنه يتواجد بين جبال الريف.
الاختيار طبعا كان نتيجة استماعي للأغاني التراثية الريفية، ولكوني أيضا عشت مرحلة كانت فيها مثل هذه الموسيقى تذاع على الراديو، حيث كانت دائما تعطيني ذلك الإحساس بالفناء.

ينتهي الفيلم باعتراف الطيار العسكري خوصي بأن إسبانيا استعملت قنابل كيماوية محظورة دوليا بها غازات سامة خطيرة (تسمى إيبيريتا) في حرب الريف، الشيء الذي كان له ولايزال أثر وخيم على الإنسان والطبيعة، حيث مات العديد من المقاومين وسكان القرى الريفية بمرض السرطان. كما ينتهي الفيلم أيضا بموت الطاهر ومساعده، رمزي الفساد بالقرية، فهل هذا سيمهد الطريق لمستقبل أفضل للمنطقة بعد معاناة طويلة على مستويات عدة؟
اخترت أن أنهي الفيلم بقنبلة كانت تحت التراب ولم تنفجر منذ سنوات حرب الريف، لكنها انفجرت بين يدي الطاهر ومساعده وهما بصدد حرث الأرض، لأشير بذلك إلى أن ملف الغازات السامة لا يزال قابلا للإنفجار في أي لحظة ما دام لحاف السكوت والطمس لا يزال يلفه.. خاصة وأن تبعات استعمال تلك القنابل السامة لا زالت المنطقة تعاني منها لحد الآن..هي أيضا إشارة إلى أن إسبانيا لا تزال تمسك جمرة الغازات السامة بين يديها وأن الوقت قد حان للاعتراف بما ارتكبته، وذلك لأنها مهما فعلت سيأتي يوم وتشتعل تلك الجمرة في راحة يدها.

 

أجرى الحوار: أحمد سيجلماسي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *