استدعى تفشي الأمراض والأوبئة وما صاحبها من إعلان لفترة الطوارئ الصحية ، وجود تأثيرات متفاوتة ومختلفة على فئات اجتماعية معينة لاسيما فئة النساء اللواتي تضاعفت أعبائهن الاقتصادية والصحية والمجتمعية، لتقيس سلامتهن الجسدية والنفسية ، وتؤذي إلى تراجع في مستوى إعمال مقاربة النوع الاجتماعي، التي بذلت الدولة والمجتمع جهودا حثيثة للنهوض بها ،عبر برامج وتدابير تحد من التمييز بين الجنسين ،وتفتح أمام النساء أبواب المشاركة والوصول إلى الموارد والفرص .
فكيف يمكن للمنظمات المدنية المهتمة بقضايا النوع الاجتماعي، المساهمة في الجهود الحمائية للدولة والمؤسسات الدولية من أجل اجتناب التداعيات المختلفة الجوانب لفترة الطوارئ الصحية على فئة النساء تحديدا؟
منذ بداية سبعينيات القرن الماضي بدأ مفهوم النوع الاجتماعي يطرح بقوة على أجندات عمل المؤسسات الدولية، وكانت العديد من الأبحاث الاجتماعية حوله تعزي مختلف الفوارق التمييزية التي تعاني منها النساء داخل المجتمع إلى محددات بيولوجية، ومع تطور مناولة هذا المفهوم بحثيا ودراسيا تبين أن النوع الاجتماعي له محددات أعمق تأسس للفوارق الحقيقية بين الجنسين وهي قائمة على الجوانب السيوسيولوجية تعود للأنماط التربوية ،والعقليات المجتمعية والتمثلات السلوكية والثقافية داخل المجتمعات، فكلما كانت المرأة فقيرة وأمية كلما عانت أكثر من مختلف الظواهر الماسة بكرامتها الانسانية.
وبعد انعقاد مؤتمر بكين سنة 1995 ، صدرت عنه توصيات لكافة الدول والحكومات باتخاذ ما يلزم من تدابير من أجل إشراك حقيقي للنساء وادماجهن في التنمية ، فشكلت هذه المرحلة تحولا أساسيا في ظهور مجتمع مدني نسائي، قوي وديناميكي اشتغل على قضايا التمكين المجتمعي للنساء، عبر إقرار الحقوق السياسية والمدنية ،ثم الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والحق في التنمية والتنمية المستدامة.
لكن مع انتشار وباء كوفيد 19 خلال مطلع سنة 2020 ،ودخول العديد من الدول في حالة الطوارئ الصحية ، ظهرت على السطح تحديات عديدة جابهت عمل المنظمات المدنية لاسيما المهتمة بقضايا النساء ،اذ نبهت تقارير بعض المنظمات الدولية إلى بعض الأخطار المحدقة بهن ذات الصلة بالجوانب الصحية والاجتماعية والاقتصادية على وجه التحديد .
لقد قدم التقرير الصادر عن صندوق الأمم المتحدة للسكان معطيات ذات دلالة على خطورة اصابة بعض النساء بالوباء ،لاسيما اللواتي يعشن ظروفا صحية خاصة كالحوامل والمسنات و من يعانين من الأمراض المزمنة أو من هن في وضعية اعاقة، و مع تراجع خدمات بعض المرافق الصحية للقرب في فترات الحجر الصحي، فإن تتبع أوضاعهن تراجع بشكل ملحوظ، مما يستدعي مبادرات المجتمع المدني لتيسير الحصول على الدواء والعلاج بشكل مستدام وفوري.
و بما أن نسبة النساء العاملات في القطاع الصحي تشكل حوالي 70% لاسيما الأطر التمريضية والشبه طبيبة ، فهذا يستدعي أخذ مزيد من الاحتياطات الوقائية للحيلولة دون اصابتهن بالوباء وتقديم كل أشكال الدعم النفسي والمعنوي لهن ولأسرهن.
كما تعتبر التحديات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، من المهددات المباشرة لسلامة العديد من النساء، حيث ساهم توقف كثير من الأنشطة الاقتصادية ببلادنا ،في تدهور دخل الأسر وتراجعه لاسيما الفئات الهشة والمحددة، التي تشكل النساء المعيلات للأسر أزيد من 17% داخل المجتمع ،أغلبهن يشتغلن في مهن مؤقتة وغير محمية اجتماعيا وتبلغ نسبة الأمية في أوساطهن أزيد من 68% ، ومع كل اجراءات الدعم الاجتماعي التي اتخذتها الدولة لصالح الفئات الفقيرة ،فإن احتياجات الأسر والأفراد لاتزال متعددة مما دفع بالمنظمات المدنية في إطار ما تمليه قيم التضامن والتكاثف للمبادرة بتقديم المساعدات العينية التضامنية في إطار ما يسمح به القانون، لسد الخصاص في هذا الجانب .
غير أن هناك نوعا أخر من الدعم لا يقل أهمية عن سابقيه يتعلق بالمواكبة النفسية والإرشادية للنساء، اللواتي ارتفعت في حقهن بعض الممارسات المشينة كالعنف بكافة أشكاله ،نظرا لتزايد وثيرة التوترات الأسرية ما بين الشركاء الأزواج، أو ما بين الآباء والأبناء ، فحسب دورية رئاسة النيابة العامة الصادرة في أواخر أبريل المنصرم ،بلغ العنف المبلغ عنه أزيد من 800 شكاية، انخفضت نسبته عن نفس الفترة الزمنية من الشهر الماضي ، وهذا راجع إلى انخفاض نسبة العنف داخل الفضاء العام بحكم فرض إلزامية الحجر الصحي ، مما يستدعي تدخلا استعجاليا للمنظمات المدنية النسائية لفائدة المتضررات من هذه المعاملات السيئة وتخصيص كل آليات المرافقة للتبليغ والتوجيه .
كما يعتبر تحدي مواكبة العملية التعليمية التعلمية للأبناء من الأهمية القصوى، حيث سيعتمد نظام التعليم عن بعد عبر استعمال الوسائل التكنولوجية الحديثة ، فوجدت النساء أنفسهن مجبرات للإشراف على تتبع دروس أطفالهن المتعددة بمناهج معقدة ، وعدد لا يستهان منهن لا يتوفرن على أي شهادة تعليمية في حين تبلغ نسبة الأمية في أوساط النساء حوالي 42،1% ، بالعالم القروي تحديدا وداخل أحزمة الفقر على هوامش المدن ، لتبادر المنظمات المدنية الفعالة إلى مساعدة النساء والأسر في تدريس الأطفال والتواصل مع المدرسين وتيسير كافة السبل الكفيلة بتحقيق تعلم فعال .
وختاما لا بد من التأكيد أن وباء كوفيد 19 هو أزمة صحية لا يمكن مجابهتها إلى بالوقاية عن طريق اتباع الارشادات الصحية الضرورية والمحافظة على أقصى شروط النظافة والتعقيم، وعليه فإن تثقيف النساء لتملكنهن المعرفة الوقائية لحمايتهن وحماية أفراد أسرهن و فضاءات عيشهن الداخلية والخارجية ،هي معركة ممتدة عبر الزمان وفي كل مكان، ولعل متاحات العالم الرقمي يسرت إيصال المعلومة و شرحها ، وإعادة استعمالها من طرف الجميع ولاسيما المنظمات المدنية التي من أهم مجالات تدخلها كل أشكال التوعية والتحسيس المجتمعية .
د.عبدالرزاق لعوج