باعتبارها قيدومة المخرجات السينمائيات المغربيات، حظيت فريدة بورقية بتكريم يليق بمكانتها، وذلك في حفل اختتام الدورة 21 للمهرجان الوطني للفيلم الذي احتضنته قاعة سينما روكسي ليلة السبت سابع مارس الجاري.
وقد قدم في حقها الصديق عمر بلخمار، رئيس الجمعية المغربية لنقاد السينما، شهادة جامعة مانعة ألقى من خلالها الكثير من الأضواء على بيوفيلموغرافيتها.
بدوري أساهم بالورقة التعريفية التالية تقديرا مني لهذه المبدعة الكبيرة، التي أمتعتنا بأعمال تلفزيونية وسينمائية كثيرة على امتداد عقود من الزمن:
فريدة الدراما المغربية:
تعتبر المخرجة فريدة بورقية واحدة من الأسماء اللامعة في مجال الدراما التلفزيونية المغربية والعربية، استطاعت بحرفية عالية أن تنقل إلى الشاشتين الصغيرة والكبيرة صورا بليغة فنيا من واقعنا المجتمعي الذي يحبل بالمشاكل المختلفة (معاناة المرأة في القرية والمدينة، الهجرة القروية وانعكاساتها، مشاكل الإرث والتبني، البطالة وانحراف الشباب، القهر الإجتماعي والشطط في استعمال السلطة إلخ … )، الشيء الذي خلف صدى طيبا في أوساط النقاد والمتتبعين وجعل جل أعمالها تحظى بالقبول والنجاح الجماهيري الكاسح، هذا بالإضافة إلى حصول بعضها على جوائز داخل الوطن وخارجه.
فريدة بورقية من مواليد الدار البيضاء (درب السلطان/ كاريان كلوطي) يوم 23 يناير 1948، بعد الدراسة الإبتدائية بمسقط رأسها أرسلها والدها (وكان مناضلا في صفوف الحركة الوطنية المناهضة للإستعمار الفرنسي) وعمرها لا يتجاوز 13 ربيعا إلى “الإتحاد السوفياتي” (سابقا) لاستكمال دراستها الثانوية بمدرسة داخلية بضواحي موسكو خاصة بأبناء اللاجئين السياسيين من جنسيات مختلفة، فانكبت أولا على دراسة اللغة الروسية وبعد ذلك أنهت دراستها بالحصول على شهادة البكالوريا العلمية، الشيء الذي أهلها للإلتحاق بجامعة باتريس لومومبا (شعبة الكيمياء). إلا أن احتكاكها في الحي الجامعي، وهي طالبة في السنة الأولى، بطلبة أجانب ومشارقة على وجه الخصوص (من مصر ولبنان) يتابعون دراستهم في فنون الرقص والموسيقى والباليه والفوتوغرافيا والمسرح والسينما شكل انعطافة أساسية في مسارها التعليمي ومستقبلها المهني، إذ توطدت العلاقات بينها وبينهم وشعرت بقربهم الثقافي منها وأدمنت على مرافقتهم لمشاهدة الأفلام والمسرحيات وغيرها من العروض الفنية. وبعد سنة بيضاء التحقت بمعهد الفن الدرامي بموسكو (معهد لوناتشارسكي) لدراسة فن التشخيص أولا ثم الإخراج ثانيا (من 1968 إلى 1973)، وتخرجت من هذا المعهد بدبلوم في الإخراج الدرامي (ماجستير في الفنون والإخراج المسرحي).
عادت فريدة إلى المغرب سنة 1973، واشتغلت كمدرسة للفن الدرامي بالمعهد البلدي للدار البيضاء سنة 1974، وفي إطار الخدمة المدنية داخل مؤسسة “الإذاعة والتلفزة المغربية”، بالرباط أولا ثم باستوديوهات عين الشق بالدار البيضاء ثانيا، تعرفت على عبد القادر لقطع والأخوين مصطفى وعبد الكريم الدرقاوي العائدون من بولونيا بعد مرحلة التكوين السينمائي، وتم تعيينها بعد انقضاء فترة الخدمة المدنية كمخرجة موظفة بالتلفزة المغربية.
أخرجت بورقية منذ التحاقها بالتلفزة المغربية في منتصف السبعينات من القرن الماضي مجموعة من برامج الأطفال والأفلام الوثائقية ذات الطابع السوسيوثقافي (أفلام وثائقية عن المرأة المغربية بمناسبة السنة الدولية للمرأة وبرنامجي “سباق المدن” و “رسامو الشمال” كنماذج) والأعمال الدرامية (مسلسلات وأفلام بشكل خاص)، كما قامت بتغطية العديد من التظاهرات.
ولعل أول فيلم تلفزيوني أخرجته رفقة العيادي الخرازي كان عنوانه “المنزل المطلوب”، وبعده أخرجت ما يقارب خمسة عشر فيلما من بينهم “دوار الشوك” و”الحي الخلفي” و”صدفة الخاتم” و”بنات رحمة” و”القرصان الأبيض” و”بابا تكونيكطا”… وما يفوق عشرين مسلسلا من بينهم “خمسة وخميس” و “جنب البير” و “الدار الكبيرة” و “حوت البر” و “عز الخيل مرابطها” و “أولاد الناس” و “جنان الكرمة” و ” دواير الزمان” و “المجدوب”…
أما أول فيلم سينمائي من إخراجها فقد كتب قصته الفنان محمود ميكري بعنوان “الجمرة” (1982) وقام ببطولته الكوميديان مصطفى داسوكين ومصطفى الزعري وسعاد صابر ورشيدة مشنوع وآخرين، وبعده أخرجت الأفلام التالية: “طريق العيالات” (2007) من بطولة منى فتو وعائشة ماهماه وآخرين (سيناريو يوسف فاضل) و”زينب زهرة أغمات” (2013) من بطولة فاضم العياشي إلى جانب محمد خويي وعبد السلام البوحسيني وفريد الركراكي وجميلة شارق وبنعيسى الجيراري والراحلين محمد مجد وأمينة رشيد وآخرين (السيناريو من توقيع محمد منصف القادري) و”عودة عزيزة” (2016)، من تشخيص عائشة ماهماه وعبد الرحيم الصمدي وربيع القاطي والراحل أحمد أزناك وأخرين، و”إناس إناس”، وثائقي حول الفنان الراحل محمد رويشة صورته سنة 2015 بخنيفرة وميدلت وتنغير (لم يعرض بعد)…
طنجة الأدبية