الحاكوز

يعتبر اليوم الرابع عشر من يناير في كل سنة، فاتح السنة الفلاحية أو السنة الامازيغية.
وفي مناسبة الحاكوز والسنة الامازيغية 2970، التي تصادف ليلة الثالث عشر يناير من كل السنة استقبالا للسنة الفلاحية الجديدة، نقول لكم مبروك الحاكوز داميمون، واسكااس ذاامبارك.
ففي هذا اليوم تحتفل فيه الأسر المغربية بيوم يقسم فصل الشتاء إلى نصفين، مثل احتفالها بالعديد من المناسبات، ومن بينها رأس السنة الفلاحية هذه، الذي تطلق عليه عدة تسميات كأمغار، يناير، الحاكوز أو الحاكوزة.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد، إلى أن العديد من الأسر في البيوت المغربية، لا زالت تحيي هذا الحدث، الذي دأب القدامى على الاحتفال به منذ زمن بعيد، رغم تعرضه لبعض النسيان في العقود الأخيرة، شأنه في ذلك شأن الكثير من التقاليد المغربية التي اندثرت. علما بأن تسمية هذه المناسبة، تختلف من مكان إلى آخر.
إن الاحتفال يتم يوم بداية ألسنة الفلاحية، وحسب هذا التقويم فإن هذا اليوم يصادف منتصف (الليالي)، التي هي عبارة عن أربعين يوما؛ العشرون الأولى تعرف (بالليالي الكحلاء / السوداء)، وسميت هكذا لكثرة أمطارها وسواد غيومها، كما سميت العشرون الثانية (الليالي البيضاء) وسميت كذلك لكون الأمطار تقل فيها شيئا ما.
ومعروف أن الكثير من المغاربة يتبعون في هذا اليوم، طقوسا مختلفة حسب المناطق؛ ففي منطقة سوس مثلا، تحضّر النسوة صحنا من عصيدة الشعير أو الذرة، ويضعن فيه نواة التمر، ولمن صادف النواة من أفراد العائلة الحق في تناول هذا الطبق، وتقدم له هدية بالمناسبة.
أما في بعض المناطق الأخرى، كالمغرب الشرقي، فيتم شراء الفواكه الجافة من لوز وجوز وغيرها، على غرار عاشوراء في بعض الجهات الأخرى. وأما في مناطق جبال الأطلس والسهول المجاورة لها، فيتم تهيئ طبق من الكسكس بالدجاج وسبعة أنواع من الخضر أو أكثر. وهذه الوجبة يتم إعدادها كعشاء ليلة 13 يناير، وقد يقوم البعض بذبح وإعداد طيور الدجاج بعدد أفراد الأسرة، كما يتم تتويج هذه الوجبة بالبيض المسلوق، وتناول الرمان الذي تكون ربات البيوت قد احتفظن به منذ موسم الرمان الماضي. وفي جهات أخرى تعتمد هده المؤكولات على الكسكس بالحليب والبيصارة مع أفضل أنواع زيت الزيتون والبيض. ومما يقدم أيضا، الإسفنج أو البغرير لكونهما من العجائن المخمرة، وكذا بعض أنواع المأكولات المطبوخة بالحليب كالأرز وهربل، تيمنا ببياض الحليب والبيض، ليكون العام عاما صافيا وأبيض من كل المشاكل والشوائب، وفائضا بالخيرات.
أما الأطفال الصغار، فيقومون في هذه الأسر، ببعض العادات خلال هذه الليلة، حيث يضعون قشور البيض والرمان في منديل تحت الوسادة، إذ يخبرهم الكبار بأن (للاحاكوزة) وهي امرأة ستحضر ليلا (على شاكلة بابا نويل)، لتتلمس ما إذا كانت بطون الصغار ممتلئة بالطعام، فتحول تلك القشور إلى قطع نقدية أو هدايا رمزية، وهي عملية يقوم بها الكبار طبعا تشجيعا للصغار على الأكل.
ومن مظاهر الاحتفال الشائقة بهذا اليوم في منطقة جباله، أن الحاگوزة وهي امرأة عجوز، تأتي بالليل لتفقد الأطفال الصغار وتوزيع الهدايا على الطيبين منهم، في حين تهدد من لا يأكل جيدا منهم ذلك اليوم، بملء بطونهم. ومما يميز هذه الاحتفالات الحاكوزية، أن الأطفال الصغار يضعون في هذه الليلة فطيرة او سفنجة يوجد بداخلها لوز أو أرز أو بيض، معدة خصيصا للاحتفال بهذا اليوم، حيث يخفونها تحت وسادتهم حتى تأتي الحاگوزة وتأخذها ليلا، أي يتقاسمون معها حصتهم من فطيرة الاحتفال وتباركهم فيكونون محظوظين طيلة العام.
كل هذا عبارة عن تكريس للاحتفال بالأرض وخيرات الطبيعة. لهذا كانت بعض الأسر الفلاحية تجتمع وتتزاور فيما بينها متبادلة مختلف تبريكات (لعواشر). وبالنسبة لمدينتنا القصر للكبير، كانت الأسر القصرية كلما هلت هذه الليلة المباركة، قامت بتحضير الإسفنج بشكل جماعي، وترك بعضه في طبق حتى لا تقوم للا حاگوزة بقلبه حسب اعتقادهم. كما يتم تحضير طبق “الحمص بالكرعين” او الكسكس بالخضاري عشاء لليلة الحاگوز. وهناك نشاط خاص بالأطفال في هذا الاحتفال السنوي الفلاحي. ذلك أنهم يتجولون بين الأزقة مرددين نشيدا خاصا بالمناسبة، يقولون فيه:
حاكوزة حاكوزة
تحت الرحى مركوزة
ولي عاندو شي عايلة
كاحلولة فنطوزة
خارجوها الحاكوزة……..
وبينما النساء منشغلات مع الفطائر والاسفنج والاطفال مع الدروب لطلب البركة من الاهل والجيران كان بعض الشباب يقومون في هذه المناسبة الكريمة، بتقاليد وأنشطة أخرى مثل تخويف الأطفال بألبسة غريبة كباجلود، أو أقنعة مخيفة مصنوعة من جلد الخروف او المعز، و تركيب قرون وشوارب من المعز، ووضع كسكاس على رؤوسهم به فتايل نار مشتعلة. على أن الهدف كان هو فرحة الناس وإسعادهم، طردا لكل كراهية مقيتة.
وعند الانتهاء من الحفل، تتبادل النساء الفطائر والاسفنج، وبعد العشاء يجلس الناس مع بعضهم او يذهبون عند جيرانهم أو أهاليهم محملين بالعشاء، من أجل (القصارا) بفطائرهم ودواجنهم .
ومن المسلمات المتفق عليها أن للبيئة أثرا قويا على الكائنات الحية، كما على باقي مظاهر الطبيعة. ومن هنا، كان للارتباط بالأرض منذ القديم، تأثير أقوى على الناس؛ فقد مارسوا الزراعة والفلاحة، وربطوا تقويمهم بالموسم الفلاحي، وبنوا المنازل من التراب في محاكاة للطبيعة التي يعيشون فيها، ولبسوا ثيابهم من وحيها، مثلما هو الأمر بالنسبة لجلابيب فلاحينا المحليين ذات اللون البني كلون الأرض التي يعيشون فوقها.
فكل سنة فلاحية والشعب المغربي الكريم ومنه فلاحونا الأكرم، بألف خير وطيبون.

أمينة بنونة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *