من يتجرأ على ادعاء أنه يملك من التجارب و المعرفة ما يؤهله لقراءة و وجدانية الإنسان.قد يستطيع المرء فهم و تفسير سلوك ما ،لكن من الصعب عليه التوغل في الهذيان لاستنباط المكنون. ما سلف ذكره أعتبره بمثابة حصيلة ناجمة عن تجربة خضتها بوعي أحيانا، و بدون وعي في الغالب .كان الدافع الأول معرفة سر بوهيمية روبيو طنجة .الروبيو الذي لمحته أول مرة أثناء ملازمته لمحمد شكري في ضيافة جمعية الماس بالناظور ، هندامه إذاك ، يوحي إليك أنها الستينات ،أيام كان الهبيز أسلوبا أفرزته دلالة الرفض و المعارضة للهمجية العسكرية ،لكن شباب اليوم جعلوه من الموضة الدالة على أن صاحبها من مدمني المخدرات .
الروبيو بربطة شعره و صمته المخجل و المستفز يجعل مجالسه يخال أنه أمام لوحة سريالية تهرج من الواقع الساقط.قيل عنه الكثير و الكثير، قيل إنه ذالك المفلس تجاريا،الكافر بمنطق الإدخال للمستقبل، يعيش اللحظة و بعد ذلك فليكن الطوفان.لا يعنيه تهكم الآخرين الذي يصل إلى حد نعته بمجنون طنجة .أمجنون من يحب الحياة في هذا الزمن اللعين ،حيث أضحت فيه ثقافة الموت أكثر قدسية؟!
عابر طنجة يشده الروبيو ببراءته و عصيانه ،أما لازمها فقد يرى فيه عنوانه .لحظة مجالسته تحس أنك أمام قديس ينشد السلام و المحبة،يخاطبك بلكنته السوسية عن أيامه الساطعة بطنجة و التي تحولت الآن إلى ذكرى.أمحكوم علينا بالبكاء عليها ؟برقته المعهودة يجيبك مبتسما ،لا وألف لا .ليضيف قائلا “إنني أستمتع بالأيام رغم مرارة بعض لحظاتها و خبث ذوي القربى .أقاوم شر الشيخوخة.أحس أني أقهرها رغم تقهقر قواي عما سبق .لي اليقين أني مازلت أملك حق المبادرة في الحياة.عزلتي لا تعنيني في شيء ، مادامت الصور المزينة لجدران بيتي البئيس تكسرها لتلقي بي في دوامة ضجيج العابرين (تينسي وليامز،بول بولز،جون جينيه ، زفزاف ،شكري…) ،صلتي بهم لم تنقطع رغم قبح المنية التي لا أخشاها .حتما هذا الجسد اللعين سينهار أمامها يوما ما،إذاك سألتحق بالذكرى صحبة المنسيين و المهمشين.إني كنت و مازلت و سأبقى وفيا لجلدي الأول “.
خالد قدومي