الرئيسيةمقالات و دراساتعبد السلام عامر: خلود ووفاء لموسيقار القصر الكبير

عبد السلام عامر: خلود ووفاء لموسيقار القصر الكبير

ازداد الموسيقار عبد السلام عامر بمدينة القصر الكبير، شمال المغرب. وقد رأى النور بحومة لالة بنت أحمد في أبريل من العام 1939، كان أبوه يخدم في الجيش الإسباني، توفي بعد ايام من ولادته ليترك زوجته ووحيدها وحيدين يكافحان مطبات الحياة.
بعد عامين، ستحدث لحظة التحول الأولى في حياة عامر، إذ أصيب بمرض أدت محاولة علاجه بالطب الشعبي إلى فقدانه البصر. الحادث أثر جدا في أمه فحاولت، وهو بعد صبي مسكون بالأسئلة، إنقاذه من الظلام، فأدخلته إلى كتّاب لحفظ القرآن الكريم وشذرات من النحو والأدب، وفي الكتاب سيحظى التلاميذ بزميل يبصر بقلبه معتمدا في ذلك على سمعه، ثم مع مضيّ الأيام، اكتشفوا ومعلمهم أن عامر يملك أكثر من مجرد ذاكرة؛ فكل ما يسمعه من القرآن والأناشيد والنصوص يعلق بذهنه على نحو مدهش، فحفظ القرآن الكريم، والتحق بعد مرحلة الكتاب بمدرسة ابتدائية ودرس فيها إلى السنة الخامسة، ثم لسبب ما، ترك الدراسة، حتى تقدم لاحقا لينال الشهادة الثانوية كمترشح حر، وكان وفق ما يروى، الناجح الوحيد من بين من تقدموا معه.
عرف عبد السلام عامر بذكائه الحاد وسرعة البديهة وموهبة الحفظ لكل ما يسمعه من معارف أدبية وفنية للمرة الثانية والثالثة على أبعد تقدير. وقال عنه الاستاذ محمد الموذن :
(عبد السلام عامر نغم جميل في سنفونية الطرب العربي، نجم لامع ضمن كواكب مجرة القصر الكبير الفكرية والأدبية والفنية، حرم نعمة البصر الحسي، وحباه الله نعمة النبوغ والإدراك الوجداني، أصغى جيدا لأصوات الطبيعة وهمس الروح، وترجمها ألحانا جميلة وأنغاما آسرة)…
(وبالمناسبةكا ن عامر متحدي كبير رغم انه كفيف ولكياسة القول، يسمى الكفيف بـ”البصير”، وعامر كان مثالا لهذا المعنى، فقد شوهد في أحد الأيام يقود دراجة هوائية كأي شخص… ليس في المسألة أي معجزة، كل ما في الأمر، أنهم استهزؤوا به قبل ذلك حين ركبها فوقع أرضا، فتوعدهم بإصرار أن ينجح في مرة مقبلة.

وإن كان عامر قد فقد بصره، فقد عُوض بذكاء متفتق وبديهة حادة، وذاكرة ألقة… كان صديقا للمذياع، والمذياع صديقه يضيء عليه عتمة أيامه، فاشتهر بحفظه السريع والواسع للقصائد وشتى ضروب المقاطع الموسيقية.
كما مارس الشعر والمسرح وفن التلحين بموهبته الفائقة، واشتهر بحفظه عن ظهر قلب للعديد من القطع الغنائية الشرقية والمغربية كالموسيقى الأندلسية والطرب الغرناطي والأمداح النبوية وفن السماع والتجويد والإنشاد عن طريق الزوايا والاذاعة، وهو لا يعرف العزف على أية آلة موسيقية. اعتمد عبد السلام عامر أسلوب ” الدندنة ” في التلحين، متجاوزا القواعد المتعارف عليها في هذه العملية، وبدت مواهبه في هذا المجال تظهر منذ فترة المراهقة حين كان يلحن الأناشيد التي يؤديها رفقة زملاء الدراسة. وسرعان ما أخذت هذه الموهبة مسلكا جادا، بعد أن اقتنع بقدرته على التلحين، رغم انه كان لعامر الشهادة الثانوية تمكنه أن يتقدم ليعمل مدرسا، إلا أن مسّا موسيقيا كان قد تملكه فصار لا يرجو لحياته مسارا سوى أن يمضي في الموسيقى…

وكانت أعماله الفنية الأولى من إنتاجه كلمة ولحنا وأداء، أول قطعة سجلها بصوته هي قصيدة “رمضان” ثم تلتها قصيدة “قالت لي روح” وبعدهما قطعة زجلية بعنوان “مبان خيال حبيبي الغالي” وقطعة “الساقية والبير” سجلت هذه الأغاني بالإذاعة الجهوية لمدينة “طنجة”·
ولقيت نجاحا طيبا، غير أن عبد السلام عامر في مرحلته الثانية ولونه الشعري الفني الجديد آمن وقرر على الرغم من صوته الجميل التشبث بقضية الاختصاص أي التلحين فقط).

وبظهور أول ألحانه نهاية الخمسينات، وكان لم يتجاوز بالكاد عشرين سنة، انتقل عبد السلام عامر لإذاعة الرباط حاملا معه بعض الألحان من أجل تسجيلها هناك، لكن رغبته قوبلت بالرفض من طرف المسؤولين هناك وخصوصا الملحن أحمد البيضاوي، بسبب الأسلوب الذي ينهجه عامر في التلحين. الشيء الذي اضطره للاتجاه صوب إذاعة فاس، حيث سجل ألحانه الأولى رفقة جوقها الجهوي، وهناك تعرف على الفنان عبد الوهاب الدكالي، الذي كان هو الآخر في بداياته الفنية، الذي أدى من ألحان عبد السلام عامر قصيدتي ” آخر آه” و”حبيبتي” ولقيت القطعتان نجاحا منقطع النظير. وعاد عامر من فاس وهو يحمل بين يديه، مفتاح المرور إلى الجوق الوطني للإذاعة، عندها اقتنع أحمد البيضاوي بأنه أمام موهبة غنائية فريدة، الأمر الذي سيتكرس مع توالي الألحان التي ستجود بها قريحة عبد السلام، سيما بعد تعرفه على الشاعر عبد الرفيع الجواهري، فجاء ميلاد رائعة «القمر الأحمر» التي شكلت فتحا في مسار الأغنية المغربية، ورسخت أقدام عامر في مجال التلحين، و قيل أن الموسيقار محمد عبد الوهاب استمع لها مرتين قبل أن يقرر وضعها في خزانته الموسيقية. قد فتحت القمر الأحمر الباب أمامه للتعامل مع العديد من الأصوات المتألقة مثل عبد الهادي بلخياط، وعبد الحي الصقلي وبهيجةإدريس وسعاد محمد، وإسماعيل أحمد، وفي ما بعد محمد الحياني وغيرهم.

قضى عامر عامين في مصر ثم عاد إلى المغرب إثر اندلاع حرب 1967. وحين عاد إلى الوطن تزوج عامر من فاطمة عفيفي، ابنة الصويرة، شقيقة الوزير المنتدب الذي كان مكلفا بالعلاقة مع البرلمان، ورئيس بلدية الصويرة الطاهر عفيفي، القيادي في حزب الاتحاد الدستوري، وكان للعائلة نفوذ كبير في الصويرة.

اختار عبد السلام عامر التعامل مع صفوة من الأصوات الجميلة المتمكنة، مثل المطرب الكبير عبد الهادي بلخياط، ورفيقه المطرب محمد الحياني والفنان عبد الحي الصقلي والفنان الموهوب إسماعيل أحمد والمطربة سعاد محمد، التي غنت ملحمة «المسيرة الخضراء» بعد تلحينها من طرف عبد السلام عامر، لأنها كانت أول أنشطة ودادية متطوعي المسيرة الخضراء بالدار البيضاء، والتي كان الطاهر عفيفي كاتبها العام.
واستقر هذه المرة بحي سباتة بالدار البيضاء، وكان ينتقل في كثير من الأحيان إلى الإذاعة المركزية بالرباط لتسجيل ألحانه العاطفية والوطنية، وشاءت الصدف أن يكون عبد السلام حاضرا يوم انقلاب الصخيرات، صيف 1971 بالإذاعة فأرغمه الانقلابيون على تلاوة بيان الانقلاب، بعد أن حفظوه إياه، وكانوا قبل ذلك قد حاولوا مع عبد الحليم حافظ، الذي كان لحظتها هناك، واستطاع الأخير إقناعهم بإعفائه من هذه المهمة لجنسيته المصرية أما عبد السلام عامر فتم حبسه إلى أن تدخل الأمير مولاي عبد الله ليطلق سراحه. الغريب في الأمر أنه بعد هذه الواقعة اختفى ذكر أكبر الملحنين المغاربة ولم يعد له أثر يذكر باستثناء الأعمال المشتركة مع بعض الفنانين المغاربة والتي لم يكن طمسها مثل القصيدة الخالدة القمر الأحمر” وغيرها .

ومن أهم الشعراء الذين تعامل معهم الموسيقار عبد السلام عامر:
– الشاعر محمد الخمار الگنوني
– الشاعر عبد الرفيع جواهري
– الزجال حسن المفتي
– الشاعر مصطفى عبد الرحمان
– الشاعر عمر أبو ريشة

ومن ألحانه الخالدة:
– قصيدة القمر الأحمر
– قصيدة ميعاد
– قصيدة الشاطئ: للشاعر مصطفى عبد الرحمان
– قصيدة راحلة
– قصيدة قصة الأشواق للشاعر عبد الرفيع جواهري.
– قصيدة دنيا للشاعر عمر أبو ريشة
– قصيدة سبحان الإله للفنانة سميرة سعيد
وهناك مجموعة من القصائد الملحنة لازالت تحتفط بها عائلة عامر.

توفي الموسيقار عبد السلام عامر يوم الاثنين 14 ماي سنة 1979 بمستشفى ابن سينا بالرباط على إثر عملية جراحية أجريت له لاستئصال الدودة الزائدة وهو مصاب بمرض السكري، ونقل جثمانه إلى مدينة الدار البيضاء بدلا من مسقط رأسه القصر الكبير وذلك حسب توصيته ودفن بمقبرة الشهداء وهو لم يكمل بعد الأربعين سنة من عمره.

 أمينة بنونة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *