تناقلت الصحف في 20 نوفمبر الحالي أن إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة عقدت اجتماعا رسميا طرحت فيه اعادة هيكلة لجان المجلس الأعلى بهدف :” تصحيح المسار.. ووضع التصورات والسياسات العامة للثقافة المصرية”. هكذا نجد أن إيناس عبد الدايم تنوي الآن تصحيح مسار إيناس عبد الدايم بعد عامين كاملين من بقائها في الوزارة! لأنها تولت الوزارة في يناير 2018 وبعد نحو شهر تتم عامين في منصبها. ما الذي قدمته الوزيرة خلال هاتين السنتين؟. من الواضح بداية أن مصر تخوض أكثر من حرب على أكثر من جبهة: حرب ضد الارهاب يستشهد فيها شباب لنا، وحرب على الطائفية التي تشتعل فتنها كل فترة، ناهيك عن الصراع مع الجهل وتدهور الذوق الفني على كل المستويات حتى انحدرت أوضاعنا إلى حمو بيكا في الموسيقا ورمضان في الأفلام. وبالرغم من أن كل تلك الأوضاع ليست جديدة، وأنها كانت قائمة منذ تولي إيناس عبد الدايم منصبها، إلا أننا على مدى عامين كاملين لم نسمع ولو مرة أن الوزارة أعدت أو تعد برنامجا ثقافيا للقيام بدورها في تلك المعارك. الأكثر من التقاعس عن القيام بالدور المطلوب، أوالتخاذل والتكاسل، أن تمسي الوزارة عاملا من عوامل التدهور، تساهم في ترسيخ الأوضاع التي نسعى لمكافحتها. وسأضرب مثالا واضحا. كان هناك مشروع ثقافي يسمى ” مسرح الجرن” تولاه المخرج المعروف أحمد اسماعيل منذ عشر سنوات، بمبادرة منه، لينفذ بعروض شعبية تنويرية إلى نحو أربعة عشر ألف مدرسة اعدادية، يعيش تلاميذها مرحلة التكوين الفكري، وقدم المخرج الكثير على ذلك الدرب، حتى أن أحمد عواض رئيس هيئة قصور الثقافة استدعاه وطلب منه مشروعا مماثلا لتغطية ثماني وثلاثين مدرسة في المنيا ، مدينة التطرف، وأعد المخرج المشروع وقدمه بالتوازي مع المشروع الأكبر ” مسرح الجرن”، فلم يجد أي استجابة من المسئول، فالتقي بايناس عبد الدايم في مايو 2018 وسلمها ملف المشروعين، الكبير والصغير، فلم تكتفي بتجاهل مشروع مدارس المنيا بل وأوقفت المشروع الأصلي الكبير! وتناول تلك القضية كتاب في الأهرام والأخبار والشروق لكن الوزيرة أصمت أذنيها ولم تستجب لشيء! فهل هذه هي مساهمة وزارة الثقافة في الحرب على التطرف الفكري؟ وقف المشاريع الثقافية التي طالما نادينا بمثلها لتجوب القرى وتنشر النور بين التلاميذ وتستأصل التطرف في مهده؟. مثال آخر: في 18 نوفمبر الحالي أصدر المركز القومي للسينما التابع للمجلس الأعلى قرارا بناء على قرارات وزيرة الثقافة بالغاء وحدة ” دعم أفلام الشباب” ( السينما المستقلة) والقرار بتوقيع د. سعاد شوقي رئيس المركز. وبذلك تغلق الوزارة الباب أمام الفكر الشبابي الأكثراستنارة وأمام امكانية تطوير قدرات الشباب الفنية والفكرية للمساهمة في انقاذنا من أفلام السوق ومحمد رمضان وكل تلك التفاهة التي تنشر قيم العنف والبلطجة. فهل هذه هي مساهمة وزارة الثقافة في الارتقاء بالذوق الأدبي والفني؟. إن المثالين المذكورين الواضحين يدلان بما لا يدع مجالا للشك أن الوزارة بوضعها الحالي لا علاقة لها بهموم الثقافة المصرية ولا بالمعارك المصيرية التي تخوضها مصر لا من قريب ولا من بعيد. الأكثر إثارة للدهشة ألا يكون لمصر بكل تاريخها في المسرح عرض مسرحي واحد يمثلها في مهرجان المسرح العربي في دورته الثانية عشرة أواسط يناير 2020 ! هناك عرض واحد لكنه خارج المسابقة الرسمية لأن شرط المشاركة في التسابق الرسمي أن يكون مؤلف العرض ومخرجه عربيا. ولا عرض واحد مصري من البلد الذي عرف المسرح منذ مئة وخمسين عاما! إلى هذا الحد تدهورت أوضاعنا الثقافية في ظل الوزيرة. هناك قضايا أخرى كثيرة تطعن في أداء إيناس عبد الدايم منها على سبيل المثال ارتفاع أسعار الكتب في هيئة الكتاب، وقصور الثقافة، مما يعني بشكل مباشر حرمان قطاع واسع من الجماهير من إمكانية القراءة والاستنارة وبقائه في قاع الظلمات الفكرية. لم أر، ولم أٌقرأ، ولم أسمع عن أي برنامج لوزارة الثقافة في العامين المنصرمين على صعيد أي قضية رئيسية من قضايا الوطن، ماعدا الأنباء التي تتناثر عن سوء استخدام النفوذ، والتعيين بالواسطة، ومازالت ترن في الآذان أصداء فضيحة تعيين أربعمائة موظف في قصور الثقافة بعقود مزورة. هل تستطيع الوزارة أن تقدم برنامجا ؟ أن تقوم بشيء؟ وهل تستطيع إيناس عبد الدايم أن تصحح المسار الذي حفرته لعامين كاملين إيناس عبد الدايم ؟! أم أننا سنظل في مرحلة نوم العوافي في الشأن الثقافي؟! يقولون إن الوزيرة عازفة.. عازفة عن كل هموم الثقافة المصرية!
د. أحمد الخميسي. قاص وكاتب صحفي مصري