عندما كان يأتينى هاتف الموت وأنا على قيد الحياة.. كم كنت أتمنى.. حين أموت أن أدفن فى مقبرة فوق سطح الأرض.. لأئتنس بالزائرين.. الذين فقدتهم فى الحياة…
حتى هذه الأمنية لم تتحقق. . ودفنت في مقبرة تساوي سقفها مع سطح الأرض. . وظل اللحد يحفر ربما مترين أو أقل أو يزيد. . حتى وصل لباب المقبرة.. ثم رفعونى من الحامل.. وهم يُسمون ويكبرون. . وسحلوني بداخلها.. مددنى اللحد. . بعد فك الأربطة الملتفة حول جسدى.. حتى أستطيع أن أجلس وأْحاسَب وأيضًا الرباط الذى يضم الفك بالجمجمة.. ثم خرج وأعاد الباب إلى ما كان عليه. . وأحكم إغلاقه. . ثم ردموا الحفرة ثانية على الباب.. وتركونى وحيدًا.. لم يتغير شيئًا.. من الدنيا إلى الآخرة. . ربما يمتاز هذا المكان بالسكون فى بعض الوقت..
كنت أظن بأنى سوف أرتقى بعض الشيء وأصعد درجة حتى أشعر بالونس، بعد أن تركونى وحيدًا ورحلوا. . من كل المسام..
خرج منى الدود. . وتكالبت عليا جيوش جرارة لا تحصى ولا تعد كالنار التى أوقدت فى الهشيم. . وقبل البدء.. سألنى قائدهم:
– من أين نبدأ ؟ ولك حق الاختيار سعدت بهذا السؤال؟. . وبهذا الاهتمام. . وشعرت بقدر نفسى.. لأول مرة أجد من يسأل عنى وعن رأيي ويهتم بى؟! بادلته السؤال بسؤال..
– هل سألتم من جاء قبلى؟
– لم نسأل ولكنا تعاطفنا معك.. لأننا لم نجد فيك ما يشبعنا. . يبدو أن غيرنا سبقنا إليك. . قبل أن تأتى إلينا. . لك حق الاختيار. . من أين نبدأ حتى لا نضيع الوقت.. هل من عينيك، أم من أذنيك، أم فمك ، أم من قدميك، أم يديك، أم من لسانك.. أم من كل ذرة فى جسدك.. كل هذه الجوارح.. شاهدة عليك..
هل هذا حساب؟
– ليس حسابًا نحن ضحايا مثلك. بعد أن نفرغ منك يقضى علينا!. لك أن تختار. . من أين نبدأ حتي لا نضيع الوقت..
ابدؤا كيفما يحلو لكم وأتركوا لى لسانى لأتحدث به بعض الوقت.
– لك ما شئت
– لى رجاء لو تسمح. . قبل البدء رفقا بالكبد أنهكته الفيروسات حتى فشل وتوقف. . والكليتين لوثهما ماء الشرب المسمم وتوقفا عن دورهما وأصابهما الفشل.. والسكر الذى نخر عظامى وبترت ساقى وبعض أطرافي. . وجئت إلى هنا فى نهاية الأمر؛ لأنى لم أجد من يكفلنى. . لم أعد أملك شيئًا. . وأنا فى البدء ملكت الألم والحسرة ! مهلًا ورفقا بي. . لم أعد أحتمل. . حتى زفير الدود. . لى عتاب ولوم. . كنت أتمنى. . وأنا فى الدنيا أن أقتص من ظالمي. . كنت أتمنى من يخطئ أن ينال عقابه فى الحال حتى أتشفى فيه. . أنا لا أريد الانتظار.. حتى أحصل على حقي فى الآخرة. . لأنى ظُلمت فى الدنيا. . .
– لقد تجاوزت حدود الكلام. . ودخلت فى المحظور.. . ونحن نأسف لك. . لقد أجهزنا على كل شيء فى غفلة منك. . لم يبق منك إلا لسانك. ونحن
عليك أن تصمت الآن. .
عزيز فيالة – مصر