يُعدّ المفكر الجزائري مالك بن نبى أحد رُوّاد النهضة الفكرية الإسلامية في القرن العشرين ويُمكن اعتباره امتدَادًا لابن خلدون، ويعد من أكثر المفكرين المعاصرين الذين نبّهوا إلى ضرورة العناية بمشكلات الحضارة.
كانت جهود مالك بن نبي في بناء الفكر الإسلامي الحديث وفي دراسة المشكلات الحضارية عموما متميزة، سواء من حيث المواضيع التي تناولها أو من حيث المناهج التي اعتمدها في ذلك.
وكان بن نبى أول باحث يُحاول أن يُحدّد أبعاد المشكلة، ويحدد العناصر الأساسية في الإصلاح، ويبعد في البحث عن العوارض، وكان كذلك أول من أودع منهجًا مُحدّدا في بحث مشكلة المسلمين على أساس من علم النفس والاجتماع وسنة التاريخ”.
ولد في 5 ذو القعدة 1323 هـ الموافق لـ فاتح جانفي سنة 1905 م بمدينة قسنطينة شرق الجزائر، وترعرع في أسرة إسلامية محافظة. فكان والده موظفًا بالقضاء الإسلامي حيث حول بحكم وظيفته إلى ولاية تبسة حين بدا مالك بن نبي يتابع دراسته القرآنية. والابتدائية بالمدرسة الفرنسية. وتخرج سنة 1925م بعد سنوات الدراسة الأربع.
سافر بعدها مع أحد أصدقائه إلى فرنسا حيث كانت له تجربة فاشلة فعاد مجددًا إلى مسقط رأسه. وبعد العودة تبدأ تجارب جديدة في الاهتداء إلى عمل، كان أهمها، عمله في محكمة آفلو حيث وصلها في مارس 1927م، احتك أثناء هذه الفترة بالفئات البسيطة من الشعب فبدأ عقله يتفتح على حالة بلاده. وقد استقال من منصبه القضائي فيما بعد سنة 1928 إثر نزاع مع كاتب فرنسي لدى المحكمة المدنية،
أعاد الكرة سنة 1930م بالسفر لفرنسا ولكن هذه كانت رحلة علمية. حاول أولاً الالتحاق بمعهد الدراسات الشرقية، إلا أنه لم يكن يسمح في ذلك الوقت للجزائريين أمثاله بمزاولة مثل هذه الدراسات. فتركت هذه الممارسات تأثيرًا كبيرًا في نفسه. فاضطّر للتعديل في أهدافه وغاياته، فالتحق بمدرسة (اللاسلكي) للتخرج كمساعد مهندس كهربائي، ممّا يجعل موضوعه تقنياً خالصاً، أي بطابعه العلمي الصرف، على العكس من المجال القضائي أو السياسي.
انغمس مالك بن نبي في الدراسة وفي الحياة الفكرية، واختار الإقامة في فرنسا وتزوج من فرنسية ثم شرع يؤلف الكتب في قضايا العالم الإسلامي، فأصدر كتابه الظاهرة القرآنية في سنة 1946 ثم شروط النهضة في 1948 باللغة الفرنسية و قد ترجم الكتاب إلى العربية عام 1960 م وقد أضاف ملك بن نبي فصلين إلى النسخة العربية، الذي طرح فيه مفهوم القابلية للاستعمار ووجهة العالم الإسلامي 1954، أما كتابه مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي فيعتبر من أهم ما كتب بالعربية في القرن العشرين.
انتقل إلى القاهرة هاربا من فرنسا بعد إعلان الثورة الجزائرية سنة 1954م تاركا وراءة زوجته التي رفضت مرافقته فرنسا التي لم يعد إليها إلا في 1971 حظي في مصر باحترام كبير، فكتب فكرة الإفريقية الآسيوية 1956. وعين مستشارا منظمة التعاون الإسلامي منصب سمح له بمواصلة الكتابة الفكرية وإرسال المال ليعول زوجته في فرنسا.
طور مالك بن نبي معرفته باللغة العربية حيث راجع كل كتبه المترجمة للغة العربية وشرع بالكتابة بالعربية وإلقاء المحاضرات بالعربية وزار سوريا ولبنان لإلقاء محاضرات هناك
عاد مالك بن نبي في 1963 للجزائر بعد إستقلالها، فعين سنة 1964 كمدير عام للتعليم العالي، فقام ،واصل مع ذلك إلقاء المحاضرات والتأليف، فصدر له آفاق جزائرية (Perspectives algériennes) وكذلك الجزء الأول من مذكراته.
استقال من منصبه سنة 1967، ليتفرغ كلية للعمل الفكري الإسلامي والتوجيهي. فساهم بمقالات متتابعة في الصحافة الجزائرية خصوصًا في مجلة “Révolution Africaine” (الثورة الإفريقية) التي شارك فيها إلى سنة 1968 بمقالات في صميم تصوراته حول إشكالات الثقافة والحضارة ومشروع المجتمع، وقد جمعت هذه المقالات كلها في كتاب بعد وفاته.
1968- 1973: أوصى مالك بعض المقربين إليه من الطلبة الذين كانوا يتابعون حلقاته ببيته، خصوصًا الذين كانوا يشتغلون بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف، بتنظيم ملتقيات لتوعية الأجيال الصاعدة كما حث على فتح مسجد بالجامعة المركزية، وفي خضم الصراعات الفكرية والمذهبية، ولو كان ذلك بمقدار متر مربع واحد.
طُبعت العديد من الكتب عن حياته وفكره، خاصة من قبل المهتمين بالنهضة والإصلاح، من أهمها: (في صحبة مالك بن نبي) و(مقاربات حول فكر مالك بن نبي) الذان كتبهما عمر كامل مسقاوي، تلميذه الذي ترجم بعض أعماله إلى العربية، والوصي على نشر كتبه.
توفي في الجزائر يوم 31 أكتوبر 1973م الموافق ل 4 شوال 1393 هـ، مخلفا وراءه مجموعة من الأفكار القيمة والمؤلفات النادرة.
وتم دفنه في مقبرة سيدي أمحمد بوقبرين بالجزائر العاصمة.