إيفان بونين هو أديب وشاعر روسي ولد في 22 أكتوبر 1870 وتوفي في 8 دجنبر 1953. نال جائزة نوبل في الأدب عام 1933. صدر له أول ديوان شعر في منتصف الثمانينات من القرن التاسع عشر.
سيرة الحياة
ولد ايفان اليكسيفتش بونين في 23 أكتوبر عام 1870 بمدينة فورونيج في اسرة نبلاء ينتمي اليها الشاعر فاسيلي جوكوفسكي والشاعرة آنا بونينا.
في عام 1874 قررت اسرة بونين ترك المدينة والاقامة في قرية بوتيركي بمحافظة اوريول حيث كانت توجد آخر ضيعة للأسرة. وهناك استمع ايفان إلى حكايات واغاني الفلاحين وتشبع بحب الريف الروسي. وكتب لاحقا عن هذه الفترة من حياته يقول:
“ان ذكريات الطفولة ارتبطت منذ ان كنت في سن السابعة بالحقول وبيوت الفلاحين وساكنيها”
وكان الصبي بونين يقضي طوال يومه في القرى المجاورة ويرعى الماشية مع الصبيان من أبناء الفلاحين وربطته اواصر الصداقة مع بعضهم. ووصف بونين هذه الفترة من حياته في رواية “حياة ارسينييف” التي تمثل سيرته الذاتية قائلا: انني كنت اقلد الرعاة واتناول مع شقيقتي ماشا الخبز الأسود والفجل و”الخيارات الخشنة والمحببة”، ولدى تناول مثل هذا الوجبات من الطعام “تشعر وكأنك اصبحت قريبا من تلك الارض، وكل ما يجري تحسسه وتلمسه والذي خلق منه الكون”. وايامذاك شعر ايفان باعترافه نفسه بكل “عظمة الكون الربانية” والتي غدت الموضوع الرئيسي لأبداعه الأدبي شعرا ونثرا. وفي هذه السن بالذات تكشف تعامله الأدبي مع الحياة والذي تجسد في القدرة على تصوير الناس عبر الايماءات والحركات إذ كان محدثا موهوبا منذ ذلك الوقت. وفي سن الثامنة نظم بونين أول قصيدة . ولدى بلوغه الحادية عشرة من العمر التحق عام 1881 بالمدرسة في مدينة يليتس. وفي البداية كانت الدراسة سهلة حيث كان يحفظ قصيدة من صفحة كاملة اذا ما اعجبته. لكن في الاعوام التالية مضت الامور في الدراسة اسوأ فأسوا وفي العام الثالث ابقي في صفه لكي يعيده في العام التالي. علما ان معلميه لم يكونوا من ذوي المعارف والتأهيل العالي. لكن بونين واصل في المدرسة قرض الشعر مقلدا ميخائيل ليرمنتوف وبوشكين وغيرهما من شعراء روسيا الكبار. ولم يكن يجذبه ما يطالعه اقرانه في هذه السن بل كان يقرأ كل كتاب يقع بين يديه.
لم يختتم بونين تعليمه في المدرسة وواصل التعليم لاحقا بصورة مستقلة تحت اشراف شقيقه يولي اليكسييفتش الاستاذ في الجامعة. وفي خريف عام 1889 بدأ العمل في صحيفة “اورلوفسكي فيستنيك” ونشر فيها قصصه واشعاره ومقالاته في النقد الأدبي وخصص له عمود دائم في الصحيفة. وكان يكسب رزقه من الكتابة الأدبية. وكان ابوه قد افلس في عام 1893 وباع ضيعته ومن ثم بيته. ولم يجد الشاعر الفتي من يتلقى العون منه.
وتعرف بونين لدى عمله في الصحيفة على فارفارا باشينكو ابنة طبيب في المدينة والتي كانت تعمل هناك في مراجعة النصوص قبل طبعها.وكان يعكر هيامه الشديد بها حدوث مشاجرات بينهما احيانا، لكن العلاقة بينهما لم تختتم بالزواج ، حيث عارض ابواها زواجها من شاعر فقير. وقد تحدث بونين عن غرامه الأول في الكتاب الخامس من روايته “حياة ارسينييف” الذي صدر بعنوان “ليكا”.
ويشير كاتبو سيرة بونين إلى ان الكثيرين كانوا يتصورون بونين شخصا جافا وبارد الطبع. وكتبت فيرا مورومتسيفا – بونينا تقول: “حقا كان يتراءى للبعض احيانا انه كذلك، فقد كان ممثلا بارعا… لكن من لم يعرفه حتى النهاية ما كان ليتصور مدى رقة روحه”. وكان بونين من الناس الذين لا يكشفون خفايا نفوسهم. وكان يتميز بطبيعة غريبة جدا. وهيهات ان يمكن ايجاد كاتب روسي آخر عبر عن مشاعر الحب بكل نكران ذات واندفاع كما فعل ذلك في رسائله إلى فارفارا باشينكو حيث جمع في احلامه صورة كل ما هو جميل وساحر وجده في الطبيعة والشعر والموسيقى. ويشبه بونين من حيث البحث عن المثل الأعلى في الحب الشاعر الألماني غوته الذي اعترف بأن “روايته الآم فرتر” تجسد لحد كبير سيرة حياته.
في خريف عام 1892 انتقل ايفان بونين مع صديقته باشينكو للأقامة في بولتافا حيث كان يعمل شقيقه يولي اليكسييفتش في منصب خبير في دائرة الاحصاء في المدينة. وألحق شقيقه الأصغر وصديقته بالعمل هناك.
وقد تجمع في قضاء بولتافا ايامذاك عدد من المثقفين المنتمين إلى الحركة الشعبية “نارودنايا” في اعوام السبعينيات والثمانينيات في القرن التاسع عشر. وشارك الاخوان ايفان ويولي بونين في هيئة تحرير صحيفة “اخبار محافظة بولتافا” التي كانت خاضعة منذ عام 1894 تحت تأثير المثقفين التقدميين. ونشر ايفان بونين بعض اعماله في هذه الصحيفة وكذلك في جريدة “كييفليانين”، وفي هذه الفترة بدأ نشر اشعار وقصص بونين في المجلات “السميكة” مثل “فيستنيك يفروبا” و”مير بوج” و”روسكويه بوغاتسفو” وجذبت اهتمام كبار النقاد. وتنبأ له الناقد نيقولاي ميخايلوفسكي لدى مطالعته قصة ” مشهد من القرية” بأن يصبح ” كاتبا كبيرا”.
في فترة 1893 – 1894 ابدى بونين ولعا كبيرا بالحركة التولستوية فزار القرى التي يعيش اهلها وفق وصايا تولستوي في العودة إلى احضان الطبيعة واتباع اسلوب حياة بسيط . وفي يناير عام 1894 زار تولستوي نفسه في ضيعته والذي اقنعه بالعدول عن ” الغلو في حياة البساطة” التي كان يدعو اليها بعض اتباعه.
في ربيع وصيف عام 1894 قام ايفان بونين بجولة في انحاء أوكرانيا. وقد اعرب في كتاباته عن اعجابه بأوكرانيا وقراها وسهوبها وسعى إلى التقارب مع شعبها والاصغاء إلى اغانيه وصدى روحه.
في عام 1895 هربت منه صديقته باشينكو التي تزوجت صديقه ارسيني بيبيكوف. وقد تأثر بونين لهذا الحدث كثيرا فترك عمله في بولتافا وانتقل إلى بطرسبورغ ومنها إلى موسكو حيث انخرط في اوساطهما الأدبية. وحقق هناك نجاحا باهرا . كما التقى مشاهير ادباء ونقاد العصر مثل تشيخوف وكورولينكو وكوبرين وميخايلوفسكي وسولوغوب وغيرهم.
ومن ثم سافر إلى اوديسا حيث تزوج آنا تساكني في عام 1898 لكن العلاقة الزوجية لم تدم طويلا بعد وفاة طفلهما الوحيد نيقولاي وانتهت بالطلاق. ومن هناك سافر إلى يالطا حيث التقى تشيخوف وغوركي وتعرف على المخرج المسرحي قسطنطين ستانيسلافسكي والملحن سيرغي رخمانينوف وفناني مسرح موسكو الفني الذين زاروا المدينة آنذاك. علما ان علاقته توطدت كثيرا مع تشيخوف وصار غالبا ما يزوره في يالطا وفي موسكو.
وشهدت بداية التسعينيات مرحلة جديدة من حياة بونين حيث قام برحلات كثيرة في أوروبا وبلدان أفريقيا والشرق الأوسط التي تركت فيه انطباعات شديدة تجسدت في قصصه التي لقيت اقبالا كبيرا لدى القراء ولمع اسمه بصفته من احسن كتاب روسيا في تلك الفترة.
في مطلع عام 1901 نشر ديوانه “سقوط اوراق الشجر” الذي اثار صدى كبيرا لدى النقاد. وفي عام 1903 منح بونين جائزة بوشكين التي تقدمها أكاديمية العلوم الروسية إلى الأدباء والمبدعين سنويا.
في عام 1906 تعرف بونين في موسكو على زوجته القادمة فيرا مورمتسيفا التي رافقته في جولته في مصر وسورية وفلسطين. وفي هذه الفترة نشر قصصه التي يتحدث فيها عن انطباعاته حول الشرق . ونظم ايامذاك قصائده الشهيرة ذات الموضوع الإسلامي: “ليلة القدر” و”الهجرة” و”امرؤ القيس” و”البدوي” و”القافلة” وكذلك قصصه “معبد الشمس” و”بحر الآلهة” و”ظل الطير” وغيرها.
وقد اتسمت اعماله النثرية بعد هذه الجولة بصبغة جديدة تشيع فيها التلاوين الصارخة وكأنها لوحات زيتية. وقد منحته أكاديمية العلوم الروسية جائزة بوشكين الثانية في عام 1909 لقاء قصة “ظل الطير” وغيرها التي صدرت في تلك الفترة ولترجمته اسعار بايرون إلى اللغة الروسية.وانتخب بونين في العام نفسه لنيل لقب أكاديمي شرف.
وأثارت روايته القصيرة” القرية” التي نشرت في عام 1910 ضجة كبيرة في الاوساط الأدبية وتعتبر بداية شهرة بونين الواسعة في روسيا وخارجها. وكانت بداية نشر مجموعة من الروايات والقصص الاخرى التي ” صورت الروح الروسية وأسسها المضيئة والقاتمة وحتى المأساوية في غالب الاحيان” حسب قوله. وكتب مكسيم غوركي عن رواية “القرية” ان اي كاتب آخر لم يتناول موضوع القرية بمثل هذا العمق والاصالة التاريخية. وعالج بونين على نطاق واسع حياة الشعب الروسي المتعلقة بمشاكله التاريخية والوطنية والقضايا الأكثر الحاحا في تلك الفترة اي الحرب والثورة. وقد صور القرية في زمانه بدون اي تزويق. وقد رسخت هذه الرواية التقاليد الواقعية في الأدب الكلاسيكي الروسي. علما ان بونين لم يلتحق بأية مجموعة ادبية في زمانه وكان لديه اسلوبه الخاص ولغته الشعرية ومعالجته لقضايا عصره . واصبح بونين ظاهرة ادبية متميزة بروسيا في النصف الأول من القرن العشرين بالرغم من اضطراره للهجرة من وطنه إلى فرنسا في 21 مايو عام 1918 بعد قيام ثورة أكتوبر البلشفية في عام 1917. حيث استقل مع زوجته السفينة من اوديسا إلى القسطنطينية(اسطنبول) وانتقل منها إلى صوفيا وبلغراد ووصل باريس في 28 مارس 1920.
وفي فترة 1927 – 1930 كتب بونين مجموعة من القصص القصيرة مثل “الفيل” و”الشمس فوق الدار” وغيرها التي حاول فيها ايجاد اشكال جديدة للكتابة المقتضبة والتي ارسى بدايتها تولستوي وتورجينيف وتشيخوف
في عام 1933 منح بونين جائزة نوبل لقاء روايته “حياة ارسينييف” واعمال اخرى.وكان أول كاتب روسي يحصل على هذه الجائزة.
وفي عام 1936 زار بونين وزوجته ألمانيا وهناك اصطدم لأول مرة بالانظمة النازية حيث جرى اعتقاله واذلاله بسبب اتصالاته مع الناشرين والمترجمين لأعماله. واستقر به المقام لاحقا في غراس حتى نهاية الحرب ولم ينشر في هذه الفترة اي شئ. لكنه كتب مجموعة قصص عن الحب بعنوان “الدروب الظليلة”. وفي عام 1945 ترك غراس وعاد إلى باريس. وفي الاعوام الاخيرة من حياته مرض كثيرا وكتب مذكراته وبدأ بتأليف كتاب عن تشيخوف لكنه لم يتمه. وكتب بونين في المهجر اجمالا عشرة كتب. ووافته المنية في 8 دجنبر عام 1953.