أيّتُها الشّهيّة البهيّة
يرقُدُ التّاريخُ في أحضانِكِ
بملامِحَ عربيّة
زُمُرُّدَةُُ أنتِ من زمن الفراعنة والفُرس
من صحراء النَوْبة
جاريةُُ طَرُوب من زمن الأقراح
تهبُّ في خِفَّةِ الرَّشَا
لتغسِلَ كُحْل اللَّيل عن جفنها عند الصّباح
بعد أن أحيَتْ حُشَاشَةَ السَّهر
في كَنَفِ الملوك
هَامَ الفؤادُ بِكِ
فَجِئْتُكِ مُمْتطيَّةً صَهْوَةَ الشّوق
على حصانِِ أزرق
حاملة معي بذور ياسمين من الشام
ومن باب المُصلّى والميدان وبيتِ عنبر
ألف قُبْلَةٍ وسلام …
ومن مناكب الأَدوَاح
من معاقل طارق
مَغْرِبَ الشُّمُوسِ والأقْمَار
حيث يطلع النّهار أكثرَ بياضًا من السابق
أحاديثَ عتاب
نسي الزَّمان شبابَه على خَدَّيْكِ
فكم هَفَتْ إليكِ النُّفُوسُ والأكْبَاد
أنا القريبة الغريبة الدَّارِ والْمَزَار
كُلَّما أَنْحَلَتْنِي سَطْوَةُ الهوى
عانَقْتُ الْمَوَانِئَ والْمَحَطَّات
من “طريفة” إلى “برشلونة ”
يحملني إليك حنينُ طفلة
يرتسم في عينيها قَيْظُ أندلسيّةٍ
تحِنُّ لميلادٍ جديد …
أنتِ ياغُرَّةَ البَدْر
أيَّتُها الإسبانيّة الزّاهيّة
سَلِي الزمان عنك وعنّي
سَلِي المكان ومن لحضارتك أقام المقام
وسَأَتْرُكُ صمتي على الحيطان
يَبُوحُ لكِ أنَّ أجدادي وأجدادَك
قطعوا صلتي بك من خِلاَف
بعد ثمان قرون ونَيِّف من عزيز السّلطان
أخشى ان أتذَكّر
فأفْتَحَ جُرْحًا في مقبرة الملح
وأشربُ نَخْبَ خَيْبَةٍ تُعَشِّشُ
في القصور والمساجد
بِوَجْهِ عُروبَةٍ من صلصال
لاشيء عاد كما كان
يكفي كثرة السُّؤال
سأتنفّسُ بعض الهواء
من حقول الكروم والزيتون
وأُرْهِفُ السّمْعَ لماضٍ يقول :
مضتِ الفِرْدَوْسُ وما من رُجوع …
ولم يبق إلّا وَمِيضُ صور …
تغفو مع طلوع الفجر
وجُدْرانٍ خجولة
تَتَثَاءَبُ على أكتافِها شُرُفَاتٍ
يُؤَثِثُها الخِذْلاَنُ والنّسيان
نعم هكذا صار وسيصير
فأنا من قوم تعوَّدوا
على الصُّمود في وجه البلاء
على اُحترام رغَباتِ الأقويّاء
والتَنَحِّي بعزّة
للعويل والبكاء …
حين تُبَاعُ الأوطان
ولا يبقى لها أَثَر
إلا على شِفاهِ الضَّارِعِين
ومناهج التدريس
وأغاني المُخْلِصِين …
نهى الخطيب / المغرب