أنهى مرافقي حكايته مع الفقيه الريسوني ، ولا تزال ضحكات إبني متقطعة إلى أن خمدت تدريجيا ، حينما جره من يده قائلا تعالى معي، فيما كنت أنظر من نافذة زاوية سيدي الفاسي وأتأمل الإهمال الذي لحق بها ، ” منذ أن مات السي سلام آخر مقدم للزاوية وهي مهملة ” وأشار إلى دكان “هذا دكان السي سلام رحمه الله ” التحقت بهما مررنا بجانب مسيد الفقيه الجزار توقفنا قال ، كنا نمر من أمام هذا المسيد لانسمع إلا صياح الأطفال وهم يضربون فيما أصوات القراءة تحاول تغطية الصراخ ومع ذلك كان يصل الصراخ الى آذاننا وربما ميزنا من الصوت كان يخضع لحصة الفلقة ، أشار إلى درب هذا درب العفو وهذا درب بلهرادية كلاهما يتصل بدرب سيدي اللباس إلى للا فاطمة الأندلسية ، قصدنا درب سيدي ميمون ، توقف مرافقنا سلم على شخص أطل من دكان تبادلا حديثا وديا ، قال لي هذا سيدي محمد ولد يطو ، سألته عن الإسم الذي كثيرا ما وقع في أذني قال سياتي ذكرها لاحقا أريد ان اطلعكم عن حمام سيدي ميمون ، تابعنا المسير ماهي إلا خطوات كانت الجدران الخلفية للمسجد الاعظم تظهر لنا ونحن نسير بمحاذاتها عرجنا على درب كتب على مدخله درب سيدي ميمون ، قال مرافقي ها نحن في حضرة أحد ملوك الجان ، لمعت عينا إبني وانتابتني قشعريرة خفيفة ، وقفنا أمام باب حمام سيدي ميمون ، الباب واسع والمدخل فسيح ، تناهت إلى مسامعنا أصوات نساء ، لعلها الفترة الخاصة بالنساء ، دخلت أراد ابني أن يتبعني اوقفه مرافقي ضاحكا كبرت على مرافقة والدتك للحمام ، انتابت إبني حيرة إلى أن فهم أن الأمر يتعلق بحمام حقيقي ، تركت إبني ومرافقي أمام باب الحمام ولجت المدخل الفسيح جدران عالية كجدران حصن منيع ولجت بهو الحمام أو ما يطلق عليه الكلسة جلست امرأة بدينة بيضاء البشرة حركاتها متثاقلة على وجهها نصف ابتسامة ادركت أنني لا أريد الاستحمام لأنني لا أحمل معي صرة ولا سطل ربما تعودت هذا النوع من الزائرات ، دون مقدمات أشارت لي بإمكانية الدخول والزيارة .
حمام لايشبه باقي الحمامات في هندسته منعرجات ومداخل ومكان يفضي إلى آخر ـ ذكات ونوافذ مغلقة شموع موقده ورائحة الحناء تعبق المكان ، نسوة وفتيات اسدلن شعورهن وأخريات متمسحات بهاته الذكة أو تلك ، كل دكة تمتل مقام احد ملوك الجان سيدي ميمون الباشا حمو لالاميرة وغيرهم من الملوك التي يتم استحضارها في ليلة جيلالة او كناوة ، انتابني شعور غريب وكأنني في عالم آخر أو أنني سافرت في الزمن ، حينما كان هؤلاء الملوك يتدبرون الشأن اليومي ولا يزال آثارهم وقوتهم الخفية تتحكم في مصائر الناس ، وكأنني سمعت ذقات طبل وصنجات كناوة تنبعث من أحد الأركان أو هكذا خيل إلي ، انتابتني رغبة في مغادرة المكان وأنا أغادر وضعت في يد الطيابة ورقة نقدية أخذتها دون أن تنظر إليها ، فيما كانت نظراتها مصوبة نحوي وكأنها تقرأ آثر الزيارة وأنا أغادر سمعتها تردد تنفعك الزيارة ابنتي …
أمينة بنونة