أطلت الشاعرة الفلسطينية آمال عوّاد رضوان بمجموعتها الشّعريّة المترجمة للإنجليزيّة “بسمة لوزية تتوهّج”، متجاوزة بها حدود الوطن الفلسطينيّ، لترسم لوحة جديدة من لوحات الإبداع الأدبيّ على خريطة الأدب الفلسطينيّ بشكل خاصّ، والعربيّ بشكل عامّ، ومؤكّدة على رسوخ الفكرة الثقافيّة والإبداعيّة، عبر التّواصل والتّعاون بين مكوّنات الفعل الثقافيّ والأدبيّ في وطننا العربيّ الكبير، عبرَ ما توّجتْهُ دار الوسط للنشر والإعلام في فلسطين، ودار الأدهم للنّشر والتّوزيع في مصر، بمساهمة جميلة وكبيرة للشاعر والمترجم حسن حجازي.
الإصدار “بسمة لوزية تتوهج” الديوان الشعريّ، ترجمه للإنجليزيّة الأديب والشاعر والمترجم المصريّ حسن حجازي، احتوى على عشر قصائد باللّغتين العربيّة والإنجليزيّة .
الإصدار المترجَم للشاعرة آمال عوّاد رضوان جاء ثمرة للتّعاون بين دار الوسط للإعلام والنشر في فلسطين، ودار الأدهم للنشر والتوزيع في جمهوريّة مصر العربيّة، وتضمّن ترجمة لقصائد الديوان الشعريّ :بَسْمَةٌ لَوْزِيَّةٌ تَتَوَهَّجُ، فِي مَهَبِّ رَصِيفِ عُزْلَةٍ، أَوْتَارٌ مُتَقَاطِعَةٌ، عُصْفُورَةُ النَّارِ، أَنْفُضُ الْغُبَارَ عَنْ مَتْحَفِ فَمِكَ، كَيْ لَا تَتَهَاوَى، شَوْقِي إِلَيْكَ يُشْعِلُنِي، أَيَائِلِي مُشْبَعَةٌ بِرَائِحَةِ الْهَلَعِ، غَيْرَةُ حَبِيبِي، تَعْلِيقٌ، أَحِنُّ إِلَى حَفِيفِ صَوْتِكَ، إضافة إلى الأهداء والمقدمة والسيرة الذاتية للشاعرة الفلسطينية التي ما زالت تقول:
آمال :
لَيْسَتْ سِوَى طِفْلَةٍ خَضْرَاءَ انْبَثَقَتْ مِنْ رَمَادِ وَطَنٍ مَسْفُوكٍ فِي عُشٍّ فِينِيقِيٍّ مُنْذُ أَمَدٍ بَعِيدٍ!
أَتَتْ بِهَا الْأَقْدَارُ، عَلَى مُنْحَنَى لَحْظَةٍ تَتَّـّقِدُ بِأَحْلَامٍ مُسْتَحِيلَةٍ، فِي لُجَّةِ عَتْمٍ يَزْدَهِرُ بِالْمَآسِي، وَمَا فَتِئَتْ تَتَبَتـَّلُ وَتَعْزِفُ بِنَايِ حُزْنِهَا الْمَبْحُوحِ إِشْرَاقَاتِهَا الْغائِمَةَ، وَمَا انْفَكَّتْ تَتَهَادَى عَلَى حَوَافِّ قَطْرَةٍ مُقَدَّسَةٍ مُفْعَمَةٍ بِنَبْضِ شُعَاعٍ، أَسْمَوْهُ “الْحَيَاة”!
عَشِقْتِ الْمُوسِيقَا وَالْغِنَاءِ، فَتَعَلَّمَتِ الْعَزْفَ عَلَى الْكَمَانِ مُنْذُ تَفَتَّحَتْ أَنَامِلُ طُفُولَتِهَا عَلَى الْأَوْتَارِ وَسَلَالِمِ الْمُوسِيقَا، وَقَدْ دَاعَبَتِ الْأَنَاشِيدُ الْمَدْرَسِيَّةُ وَالتَّرَانِيمُ حَنْجَرَتَهَا، فَصَدَحَتْ فِي جَوْقَةِ الْمَدْرَسَةِ، إِلَى أَنِ اتَّشَحَ حُضُورُهَا بِالْغِيَابِ الْقَسْرِيِّ مُدَّةَ سَنَوَاتٍ، لِتُعَاوِدَ ظُهُورَهَا فِي كُورَال “جَوْقَةِ الْكَرَوَان” الْفِلِسْطِينِيَّةِ!
كَمْ عَشِقَتْ أَقْدَامُهَا الْمُعَتَّقَةُ بِالتُّرَاثِ الرَّقْصَ الشَّعْبِيَّ، وَكَانَ لِخَطَوَاتِهَا الْبَحْرِيَّةِ نَكْهَةً مَائِيَّةً تُرَاقِصُ ظِلَالَ شَبَابٍ طَافِحٍ بِالرَّشَاقَةِ فِي فِرْقَةِ دَبْكَةٍ شَعْبِيَّةٍ، إِضَافَةً إِلَى نَشَاطَاتٍ كَشْفِيَّةٍ وَأُخْرَى عَدَيدَةٍ، تَزْخَرُ بِهَا رُوحُ فَتَاةٍ تَتَقَفَّزُ نَهَمًا لِلْحَيَاةِ!
أَمَّا لِمَذَاقِ الْمُطَالَعَةِ وَالْقِصَصِ وَالرِّوَايَاتِ فَكَانَتْ أَسْرَابُ شَهْوَةٍ؛ تَحُطُّ فَوْقَ أَنْفَاسِهَا حَدَّ التَّصَوُّفِ وَالتَّعَبُّدِ، مُنْذُ أَنْ تَعَلَّقَتْ عَيْنَاهَا بِسَلَالِمِ فَكِّ الْحُرُوفِ، وَكَانَ لِلْقَلَمِ الْمَخْفِيِّ فِي جَيْبِ سُتْرَتِهَا وَتَحْتَ وِسَادَتِهَا صَلِيلٌ يُنَاكِفُهَا، كُلَّمَا شَحَّ رَذَاذُ نَبْضِهِ فِي بَيَاضِهَا، فَيَفْغَرُ فَاهَهُ النَّارِيَّ مُتَشَدِّقًا بِسِحْرِهِ، كَأَنَّمَا يَحُثُّهَا لِاحْتِضَانِهِ، كُلَّمَا ضَاقَتْ بِهِ الْأَمْكِنَةُ، وَكُلَّمَا تَعَطَّشَ إِلَى خَمْرِهَا، فَتُحَلِّقُ بِهِ فِي سَمَاوَاتِ فُيُوضِهَا، وَمَا أَنْ تَصْحُوَ مِنْ سَكْرَتِهَا، حَتَّى تُمَزِّقَ مَا خَطَّتْهُ وَنَسَجَتْهُ مِنْ خُيُوطِ وَجْدِهَا، لِتَمْحُوَ كُلَّ أَثَرٍ يُبِيحُ لِلْآخَرَ أَنْ يُدْرِكَ مَا يَعْتَمِلُ فِي نَفْسِهَا، وَلِأَنَّ مَكَانَةً سَامِقَةً وَأَثَرًا جَمًّا وَمَهَابَةً لِلْأَدَبِ، تَخْشَى أَنْ تَتَطَاوَلَ إِلَيْهِ، أَوْ تُقْحِمَ نَفْسَهَا فِي وَرْطَةٍ لَا خَلَاصَ مِنْهَا.
مَا بَعْدَ الْفَتْرَةِ الثَّانَوِيَّةِ حَلَّتْ مَرْحَلَةُ مَنْفَاهَا عَنْ طُفُولَتِهَا الزَّاهِيَةِ، حِينَ اسْتَلَبَتْهَا مَخَادِعُ الدِّرَاسَةِ الْجَامِعِيَّةِ الثَّلْجِيَّةِ مِنْ أَجِيجِ نَشَاطَاتِهَا، وَمِنْ ثُمَّ؛ تَمَلَّكَتْهَا مَسْؤُولِيَّاتُ الزَّوَاجِ وَالْأُسْرَةِ وَمِهْنَةِ التَّدْرِيسِ، وَاقْتَصَرَ دَوْرُهَا الْأَسَاسِيُّ عَلَى مَرْحَلَةٍ جَدِيدَةٍ؛ هُوَ بِنَاءُ عَالَمٍ مُحَبَّبٍ آخَرَ بَعِيدًا عَنْهَا قَرِيبًا جِدًّا مِنْهَا، الْأُسْرَةُ بِكَامِلِ مَسْؤُولِيَّاتِهَا الْجَمَّةِ، وَفِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ وَبِفِعْلِ سِحْرِ الْأُمُومَةِ، نَمَا فِي قَلْبِهَا عِشْقٌ جُنُونِيٌّ لِلْعَطَاءِ، رَغْمَ طَرَاوَةِ الْحَيَاةِ وَقَسْوَتِهَا، وَكَانَ بَخُورُ الذِّكْرَيَاتِ يَعْبَقُ بِكِبْرِيَائِهَا، وَيُمَرِّغُهَا بِعِطْرِ الطُّفُولَةِ الْهَارِبَةِ!
مَا بَيْنَ رُمُوشِ نَهَارَاتِهَا وَوَسَائِدِ لَيَالِيهَا، سَاحَتْ آمَال فِي عُمْقِ بُوَارٍ لَا يَحُدُّهُ خَوَاءٌ، تَارَةً، تَأْخُذُهَا سِنَةٌ مِنْ سُبَاتٍ فِي اسْتِسْقَاءِ الْمَاضِي، وَتَارَةً، تَسْتَفِيقُ مِنْ قَوْقَعَةِ أَحَاسِيسِهَا الذَّاهِلَةِ، حِينَ تَهُزُّهَا الْفَجْوَةُ الدَّهْرِيَّةُ بَيْنَ الْأَنَا وَالْآخَرَ وَالْكَوْنِ، وَبَيْنَ مُجُونِ الضَّيَاعِ الْمُزَمْجِرِ فِتْنَةً، وَبَيْنَ حَانَاتِ الْخَطَايَا الْمُشْتَعِلَةِ كُؤُوسُهَا بِلَا ارْتِوَاءٍ، وَالْوَطَنُ يَرْتَعُ فِي شَهَقَاتِ أَلَمٍ تَعْتَصِرُ أَمَلًا مِنْ كُرُومِ الْمُسْتَحِيلِ!
لَمْ تَفْلَحْ شَفَافِيَّةُ الْوَاقِعِ الْمُرِّ حُلْوُهُ، وَلَا مَهْرَجَانَاتُ الْحَيَاةِ مِنْ صَلْبِهَا عَلَى أَعْمِدَةِ مُدَرَّجَاتِ وَمَسَارِحِ الْحَيَاةِ، بَلِ الْتَجَأَتْ بِصَمْتٍ وَهُدُوءٍ إِلَى كَهْفِ الْأَبْجَدِيَّةِ، وَاعْتَكَفَتْ فِيهِ كَنَاسِكَةٍ تَحْتَرِفُهَا فِتْنَةَ التـَّأَمـُّلِ، حَيْثُ تَصْطَفِي نَيَازِكَ حُرُوفٍ مُتَلَأْلِئَةٍ بِالنُّضُوجِ، كَادَتْ تَسْقُطُ سَهْوًا فِي مِحْرَقَةِ الْأَلَمِ، أَوْ كَادَتْ تَرْجُمُها إِغْوَاءَاتُ الدُّرُوبِ بِحَصًى يَتَجَمَّرُ، لكِنَّهَا حَاوَلَتْ أَنْ تَلْتَقِطَ بِأَنَامِلِ خَيَالِهَا تِلْكَ الْحُرُوفَ اللَّاسِعَةَ الْكَاوِيَةَ، كَيْ تُرَطِّبَ وَجْدَ آمَالِهَا الْمَوْشُومَةِ بِنَشِيجِ خَلَاصٍ قَدْ يَأْتِي!
كَمْ تَمَاوَجَتْ فِي طُهْرِ رُوحِهَا شُعَاعَاتُ إِيمَانٍ صَاخِبَةٌ بِفُصُولِ التَّوَغُّلِ وَبِوُجُوهِ الْجَمَالِ فِي غَدٍ دَافِئٍ، وَكَمْ نَقَشَتْهَا أَنْفَاسُهَا تَنْهِيدَةً مَنْحُوتَةً وَمُشَفَّرَةً، عَلَى شَاهِدَةِ عُمْرٍ يُلَاحِقُهَا، وَيُوَلِّي فِي صَحْوَتِهِ، وَلَا يَلْوِي عَلَى الْتِفَاتَةٍ تَكْتَظُّ بِالْحَسْرَةِ!
“سِحْرُ الْكَلِمَات” هُوَ عَجُوزِي الْمُسْتَعَارُ، وَرَاعِي انْتِظَارَاتِي الْمُؤَجَّلَةِ بِفُوَّهَةِ مَغَارَتِهِ الْخَضْرَاءِ، يَحْرُسُ بِتَمَائِمِهِ وَمَشَاعِلِهِ عَرَائِشَ كُرُومِي، عِنْدَمَا تَسَلَّقَتْ عَلَيْهَا دَوَالِي قَلْبِي وَذَاكِرَتِي الْمَنْهُوبَةُ، وَنُصُوصِي الوُجْدَانِيَّةُ الْمُكَدَّسَةُ عَلَى رُفُوفِ فُسْحَاتٍ تَعَذَّرَ الْتِقَاطُهَا، وَبِعَشْوَائِيَّةٍ لَذِيذَةٍ انْفَرَطَتْ قُطُوفُ أَسَارِيرِهَا عَلَى أَطْبَاقِ الْبَرَاءَةِ عَبْرَ صَفَحَاتِ النِّتّ، لِتُؤَبِّدَ دَهْشَةَ صَمْتٍ عَبَرَتْ كَالرِّيحِ، فَوْقَ ظِلَالِ الْفُصُولِ وَالْعُمْرِ، إِلَى أَنْ كَانَتْ وَمْضَةٌ مُخَصَّبَةٌ بِأَحْضَانِ سَحَابَةٍ مُتَنَكِّرَةٍ، تَرَاذَذَتْ مِنْ جِلْبَابِهَا “آمَال عَوَّاد رضْوَان”، وَمُنْذُهَا، وَآمَال لَمَّا تَزَلْ آمَالُهَا حَتَّى اللَّحْظَةِ تَتَلَأْلَأُ بـمنجزاتها الأدبيّة والثقافيّة.
طنجة الأدبية