بات من الملاحظ أن العولمة لها دور كبير في السياسة والثقافة والاقتصاد والتكنولوجيا…، وقد احتلت العولمة اهتماما بارزا في جميع ثقافات العالم، ومنها الثقافة العربية، وهذا ما ظهر وتجلى في الأدبيات العربية. والسؤال أين يكمن تأثير العولمة على الثقافة العربية؟
ولمعالجة هذه الإشكالية وإشكاليات أخرى يمكن التطرق للبعض من الأفكار حول ظاهرة العولمة :
الكاتب حسن عبد الله العايد في كتابه أثر العولمة في الثقافة العربية يرى أنه من جهة تعمل العولمة في نظر البعض على تشجيع الانقسامات القومية والدينية والعرقية والثقافية باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان وتؤكد على صراع الثقافات، وهي بهذا تسعى إلى تفتيت الكيانات الكبيرة القائمة على أساس التعدد الثقافي والقومي والديني، كما تعمل على توحيد العالم على ثقافة أمريكية دارجة واحدة .
والأستاذ عبد المجيد عمراني في كتابه محاضرات في تاريخ الفكر الفلسفي والسياسي يقول : وفي نظر البعض الآخر أن العولمة تدعو إلى العالمية الجديدة وهي بذلك تدعو إلى التنافس البشري في مختلف الميادين، وبالتالي تطالب بعولمة الاقتصاد، وبعولمة التكنولوجيا، وبعولمة السياسة، والتعليم، وبعولمة الثقافة والحضارة، وهي تدعو إلى فكر فلسفي جديد في ظل التاريخ المجتمعي الجديد .
وأما الكاتب محمد محفوظ في كتابه الحضور والمثاقفة ( المثقف العربي وتحديات العولمة) يقول : من هنا يرى البعض ضرورة مواجهة تحديات العولمة على المستوى الثقافي، ويتم هذا بإنهاض الحياة الثقافية العربية والإسلامية، ووصلها بالأفكار الإنسانية العليا التي تثري مسيرة الثقافة العربية والإسلامية، وتزيدها زخما وحيوية، وهذا لأنه يتم مواجهة عصر العولمة ثقافيا بزيادة إطلاق حرية الإبداع وأفكار المساءلة والنقد والحوار، وأيضا التوجه إلى القضايا الإستراتيجية والابتعاد عن كل ما يمنع حيوية وحرية العمل الثقافي العربي والإسلامي .
ومن جهته يرى جيرار ليكرك في كتابه العولمة الثقافية (الحضارات على المحك) أننا ننتقل من عالم سيطرت فيه العزلة الثقافية إلى عالم آخر يسوده التبادل الثقافي وهذا دون أن ندرك ذلك. وهذا بالانتقال من عالم يتميز بالاستقلالية الثقافية لجماعات معزولة تقليدية إلى عالم آخر هو عالم يسوده تعميم العلاقات المتبادلة والتواصل.
في حين يرى المفكر زكي الميلاد وهذا في مجلة الكلمة، العدد: 20 ، أنه من يرجع إلى الأدبيات العربية لا يجد أنها تقدّم فهما وتعرّفا واستكشافا للعولمة بقدر ما تقدم تهويلا، وكأنها تصف شبحا قادما من عالم غريب خارج كوكبنا الشمسي على طريقة تصفهم روايات الخيال العلمي. فلا تعرف كيف تصفه، وتحدد هويته، وتشخص قسماته وملامحه، فتقول عنه أي شيء بأوصاف التهويل والتضخيم، أو المجاز والافتراض. ومن هنا يتضح لنا أن الثقافة العربية والأدبيات العربية لم تعط تعريفا واضحا للعولمة، لأن العولمة مصدرها الرئيسي هو الغرب ومن ابتكاره وبالتالي فهي لا تتماشى مع متطلبات الأدبيات العربية .
كما يرى أيضا المفكر زكي الميلاد في كتابه الإسلام والعولمة ( لماذا لا تكون العولمة مكسبا لنا؟ ) أن الفكر العربي خلال القرن الأخير، ومن خلال احتكاكه بالظواهر والقضايا والمفاهيم التي وردت له من خارج منظومته الفلسفية والفكرية هو أن يبدأ قراءاته الأولى بالتوجس والتشكيك والرفض والصدام إلى زمن، وينتهي في زمن آخر إلى صورة أخرى ورؤية مختلفة. وبالتالي، فإن الفكر العربي كان بحاجة إلى وقت حتى يتجاوز صدمة العولمة .
أما جلال أمين في كتابه العولمة يقول : وهناك من يرى أن العولمة لها أثر من آثار التقدم التكنولوجي في طمس الهوية الثقافية للأمم لا يختلف في طبيعته عن أثره في الاعتداء على هوية الفرد داخل الأمة الواحدة، فالأثر بشع في الحالتين والخسارة فادحة، وإن كانت تستخدم في وصفه أسماء براقة. فما يرتكب ضد هوية الفرد داخل الأمة الواحدة يحدث تحت شعار زيادة الرفاهية الاقتصادية، وكأن الرفاهية الإنسانية يمكن تجزئتها إلى جزء اقتصادي وجزء غير اقتصادي. وما يرتكب ضد الهوية الثقافية للأمم يحدث تحت شعار ( التنمية الاقتصادية)، وكأن نهضة الأمم لا تقاس إلا بمتوسط دخل الفرد من السلع والخدمات.
ومن الغريب أن القلق المتزايد داخل المجتمعات المتقدمة اقتصاديا، من التهديد الذي تتعرض له بعض أنواع الحيوانات والطيور التي يهددها التقدم التكنولوجي بالانقراض، لا يقابله قلق لما يحدث لثقافات الأمم المختلفة من وراء هذا التقدم التكنولوجي نفسه، مع أن هذه الثقافات مهددة هي أيضا بالانقراض، والخسارة في هذه الحالة لا تقل فداحة .
والكاتب علي بن إبراهيم الحمد النملة في كتابه فكر الانتماء في زمن العولمة يقول : ونجد أن هناك من يقول إن العولمة بأبعادها المختلفة إنما هي مؤامرة على الإسلام، لا تختلف عن التيارات القديمة، كالاستعمار والتنصير والاستشراق والغزو الفكري، ولكنها أعطيت هذا المصطلح المحايد لتكون أقرب إلى القبول. وبسبب من عدم دقة المصطلح في تحديده وضوحا، ومقابلة بالأصول عندنا، يظل مصطلحا مضطربا يصعب معه تحديد الموقف العلمي المؤهل منه، رغم ما قد يقال: إن العالم قد خطا خطوات بعيدة في هذا المجال، ونحن هنا لا نزال نناقش المفهوم ومدى قبوله أو رفضه، لأن هذا النقاش سيظل دائما، مادام هناك تخوّف في عقولنا الباطنة والظاهرة من أي مؤثر حادث يزاحم ما نحن عليه من منطلقات ومبادئ ومُثُل .
وليست هذه الوقفة دعوة للرفض، ولكنها دعوة للتريث، وعدم الاستعجال في الرفض أو القبول، حتى يتضح المصطلح، ويقابل بما أريد له أن يحلّ محله. وقد وقفنا على مدار التاريخ الفكري والثقافي في التعامل مع هذه الحركات، مهما تلبّست بمصطلحات وهّاجة، فلسنا عاجزين اليوم بإذن ”الله تعالى“ عن التعامل مع مستحدثات الأفكار المتلبسة بمصطلحات باهرة مُبهرة، لأننا قادرون على الاحتواء، وقادرون على تلمس الطريق الصحيح، وإيجاد البدائل غير الموجودة، وفي البدائل الموجودة الراسخة المؤصلة خير مرجع لنا في المقابلات والمفاضلات .
وأما فيك جورج وبول ويلدينج في كتابه العولمة والرعاية الإنسانية يقول : وهناك من يرى بأن تأثير العولمة من الناحية الثقافية أدت إلى زيادة الاحتكاكات الثقافية بين الناس من خلال التليفزيون والانترنيت والسياحة، وعلى الرغم من ذلك فإن آثارها ليست عميقة بدرجة كبيرة .
وفي الأخير يمكن القول أن العولمة أحدثت ضجّة في العالم العربي في جميع المجالات: الاقتصادية، والسياسية، والثقافية،… وغيرها. وبما أن العولمة منشأها من الغرب، فعند دخولها للعالم العربي أصبحت كصدمة وكثر الجدل لمواجهة سلبياتها على العالم العربي. كما أن للعولمة من الايجابيات في عالم التكنولوجيا والتطور العلمي والمعرفي، وهذا من خلال التواصل مع أشخاص آخرين من دول مختلفة تفصل بينهم مسافات بعيدة، وتساعد أصحاب الشركات الكبرى في تحقيق التواصل مع مختلف الشركات في العالم في مجال التسويق وتحقيق الأرباح وفي مجالات أخرى دون عناء السفر، الأمر الذي يتطلب التوازن في طريقة النظر وطريقة التعامل مع العولمة، فلا نرفضها بالمطلق ولا نقبلها بالمطلق، ولأن العولمة تمثل لنا تحديا فالمطلوب الاستجابة لهذا التحدي وليس الهروب منه، أو عدم الاكتراث به، وفي مقدمة الاستجابة تطوير المعرفة بالعولمة .
سـمـيـة غـريـب من الأغواط – الجزائر