في البدء كانت الانطباعية، محاكاة الأماكن والطبيعة، واهتمام بالظل والضوء والإشتغال على تطوير حركية الفرشاة، الأمكنة تنوعت بين شفشاون، تطوان وروندة الأندلسية، وعبر تراكم العطاء في هذا الأسلوب الفني، تعددت محطات العرض عبر أرجاء الوطن وبعض مدن فرنسا ، إسبانيا ، وبلقائه بالفنانة التشكيلية هيلين فورتان بمدينة أفينيون بفرنسا سنة 2002 حيث كان يعرض هناك… وبعض نقاش فني عميق ، ولد لديهما مشروع فني ثنائي تمثل في الاشتغال على الرموز والعلامات… واللذان شكلا بالنسبة إليهما بالإضافة إلى دلالالتهما الرمزية عنصرا تشكليا غنيا بالمكونات الجمالية…اشتغل عليه كل واحد من منظوره الجمالي ذي المرجعية الحضارية والاجتماعية…
اشتغلت إيلين هناك ، وبحث سعدون هنا، وكانت ثمرة هذه التجربة معرض ثنائي بمدينة نيم بفرنسا سنة 2005. وحينما كانا معا في مرسم إيلين ، تطورت تجربتهما فوصلت للاشتغال على سند واحد يوقعانه معا، وأعادا تقديم هذه التجربة بنفس المدينة لاحقا..
ظل اهتمام يوسف سعدون بالرموز والعلامات لفترة، وحاول أن لا يعيد إنتاج تجارب سبقته في هذا المجال ،بل أراد أن يضيف لها جديدا، وجرب مجموعة من التقنيات والأدوات والمواد ، فوظف الجلد وبعض الصباغات الطبيعية ومسحوق الألوان ، وكانت ثمرة هذا البحث معرض يمدينة خيرونة بإسبانيا سنة 2006.
وتشاء الصدف مرة أخرى أن يلتقي هناك بمجموعة من الشعراء الإسبان الذين أعجبوا بتجربته ، واقترحوا عليه أن يشتغل على نصوصهم الشعرية ، فانطلقت المغامرة واشتغل لمدة ثلات سنوات على مجموعة من القصائد … كان هاجسه الإبداعي هو إعطاء نفس جديد للقصيدة عبر لغة التشكيل ، وكان لا يرى في اللوحة ترجمة ميكانية للقصيدة ، بل كانت هذه الأخيرة مصدر إلهام للإبداع التشكيلي.
وفي سنة 2009، قدم تجربته هذه بمعرض بمدينة خيرونة حيث حضر الشعر والتشكيل والموسيقى ، وكان كل شاعر يلقي قصيدته بجانب اللوحة التي التحمت بالشعر…
واعترافا بنجاح التجربة صدر هناك ديوان شعري ضم هذه القصائد مرفقة باللوحات التشكيلية للفنان يوسف…
وأمام قوة القصائد وصورها واستعاراتها الدالة ، كان لا بد له أن يطور تقنيته ويبحث في أسلوب تشكيلي يناسب مضامين هذه الأشعار…حضر الجسد بقوة ، فكانت بداية اهتمامه بالجسد وتوظيفه تشكيليا عبر إظهار تجلياته ودلالاته المتنوعة.
وسيتعمق اختيار الفنان لموضوع الجسد حينما سيبدأ مشاركاته في مهرجان الفلامنكو المنظم من طرف جمعية ألامبرا بمدينة أفينيون بفرنسا والذي يديره صديقه المغني العالمي لويس دي لا كارسكا… لكن الجسد هنا في تجربته الجديدة سيأخذ منحا آخر، جسد راقص وحركي ويعكس قوة تعبير الفلامنكو، هي ليست رقصة، هي آهات جسدية تترجمها قوة الأداء التي لا تناسبها سوى قوة حركية الفرشاة واللطخة الصباغية التي تخترق الألوان بكل أطيافها..ومع تراكم الاشتغال على موضوع الفلامنكو، بدأت التقنية تتطور عند الفنان يوسف سعدون ، فأصبحت مساحات التعبير عنده أكثر شساعة،وأضحت حريةالإبحار على السند بكل أنواعه وبتقنيات مختلطة لاحود لها… لا فرق لديه بين الصباغة الزيتية والمائية ومسحوق الألوان وكل مايمكن أن يخلف أثرا على السند ، اهتمامه بالتركيب والأشكال وتناغم الألوان وتنافرها صار هما أساسيا للحظته الإبداعية… فدخلت البصمة على الخط وصارت نقطة انطلاق لعمله الفني… وكبر اهتمامه بالمادة والحياكة وأخذ حرية أكبر في التعامل مع الجسد ، يحضر بقوة تارة وتارة أخرى يغيب نهائيا لكي يعطي للأشكال التجريدية الغارقة في الطوفان الأزرق بحمولنها الساخنة فرصة أكبر للتعبير… ومع غياب الجسد يبقى طيفه الرمادي حاضرا بقوة.
هو يعمق تجربته في هذا الاختيار التقني… تخلص من الإطار في الكثير من الأعمال وكذا من الشكل التقليدي للوحة-مربع-مستطيل…فصارت اللوحة عنده ذات أشكال مفتوحة ، هي لوحة من دون إطار لكي تنفتح عبر امتداتها نحو الأفق..وصارت اللوحة عنده لوحات… واحدة تكمل الأخرى، هي لوحة مجزاة ، حين تنفصل عن بعضها البعض تشكل جسما فنيا مستقلا..وحين تجتمع تتكامل مع بعضها فتصير لوحة بحجم أكبر… تتداخل عبر امتداداتها الأشكال والألوان…
هي تجربته هكذا، متطورة ومتصاعدة، مفتوحة على كل المغامرات..وستكون فيها بالتأكيد مساحات لحرية التجريب اﻹبداعي…
أمينة بنونة