في إطار سلسلة ” كتاب صدر” واحتفاء بكتاب Los medios de comunicación y el cambio político en Marruecos “وسائل الإعلام والتحول السياسي في المغرب” للإعلامي المتميز محمد المودن، الصادر باللغة الإسبانية عن دار النشر “فيزيوننيت”، بمدريد برسم السنة: 2018 ، نظم منتدى روافد للثقافة والفنون بتطوان، يوم الجمعة 9 نونبر2018، بالمركز السوسيوثقافي لمؤسسة محمد السادس للتربية والتكوين بتطوان لقاء علميا من أجل تقديم الإصدار بمشاركة الإعلامي القدير: الأستاذ محمد بوخزار، والأديب والمترجم مزوار الإدريسي.
افتتحت الأمسية الأستاذة فاطمة الميموني بكلمة عن المنتدى رحبت فيها بالضيوف الكرام وأعربت عن شكرها للمشاركين الذين تكبدوا مشاق السفر، تعبيرا منهم عن دعمهم للمنتدى ولأنشطته التي تهدف إلى خدمة المثقف المغربي وتشجيع فعل القراءة من خلال الاحتفاء بالإصدارات الجديدة وتكريم مؤلفيها. وأشارت إلى أن كتاب الإعلامي والجامعي محمد المودن يستحق الاحتفاء نظرا لأهمية الموضوع الذي تناوله..
استهل اللقاء بمداخلة الإعلامي الخبير بالشؤون الإسبانية المغربية الأستاذ محمد بوخزار الذي انطلق من أن الكتاب يثير أسئلة كبيرة ، وأنه موجه للقارئ الأجنبي لتقريبه من ملامح المشهد الإعلامي في المغرب الحديث؛ ومن أن المؤلف يمارس دورا تعليميا أكاديميا ، يضطر معهما إلى التعريف بمسلمات ، ليس القارئ على دراية تامة بها.
كما عبر المتدخل عن عدم اتفاقه مع المؤلف بخصوص بعض المنطلقات التي بنى عليها كتابه ، خاصة حجم الدور الذي يسنده لوسائل الإعلام في صنع التحول أو التغيير السياسي. ومما لفت انتباه الأستاذ بوخزار في كتاب الأستاذ محمد المودن ، تأكيده على وجود “إعلام مستقل ” في المغرب، ليس كحامل لما يعتمل في المجتمع من أفكار ونقاشات صاخبة بخصوص القضايا السياسية والاجتماعية بل يعتبره أداة حاسمة للتغيير والتحول السياسي ، مارسه فعلا خلال فترات سياسية مفصلية .
كما أشار الأستاذ بوخزار إلى فكرة أخرى- حاضرة في الكتاب- تتجلى في إيمانه بوجود صراع مستديم بين السلطة بمسمياتها الأخرى، والإعلام المستقل؛ يحارب تغولها ويرغمها على التراجع.
وانتهى الأستاذ محمد بوخزار إلى أن كتاب “وسائل الإعلام والتحول السياسي في المغرب” يعد لبنة أولى ضمن مشروع كبير،ربما، يعكف عليه المؤلف الذي يمتلك القدرة والكفاءة العلمية والخبرة الميدانية ليفيد القارئ بمؤلف اشمل عن موضوع يحتاج إلى تضافر الجهود .
وفي مداخلته أكد المترجم والأكاديمي مزوار الإدريسي على أن الكتاب يستهدف القارئَ الإسبانيَّ والأمريكي-اللاتيني، طالما أن اللغة الإسبانية وثقافتها تشهدان احتضارا أو اجتثاثا في قلعتها بشمال المغرب، كما رأى أن المادة الموجودة فيه مفيدة جدا للقارئ العاديّ، في حال تعريبه أو ترجمته إلى العربية.
وتكمن قيمة الكتاب ،حسب المتدخل، في تعريفنا بالدور الذي قامت به الصحافة في حلحلة الواقع السياسي المغربي، حيث يستعرض المؤلف فيه الصراع على السلطة بين الدولة التي تُحكم سيطرَتها عليها وتتحكم في وسائل الإعلام المختلفة وتروِّج للخطاب الذي يخدم مصالِحها من جهة، ووسائل الإعلام غير الخاضعة لها من جرائد تنظيمية حزبية ومستقلة ومواقع إلكترونية ومُدوَّنات وصفحات التواصل الاجتماعي.
كما لاحظ مزوار الإدريسي أن المؤلِّف، على الرغم من سعيه إلى الحياد والموضوعية، وهما موقفان يُفتَرض أن يَصْدر عنهما كل صحافي أو إعلامي عموما، قد أَبْرَزَ تعاطُفَه مع الصحافة المستقلة، وأظهرَها ضحية مواقف عديدة.
كما لاحظ أيضا أن الكتاب يستعرض تاريخ الصحافة والإعلام مغربيا، لكنّه، أفرد الحيز الأكبر للمركز أي ”المغرب النافع“، حيث كانت الهيمنة للاستعمار الفرنسي، ولم يشر تاريخيا إلى الإنجازات الكُبرى للإعلام في ”المنطقة الخليفية“، التي عرفت نشاطا قويا، وقوة يُشهَد لها بتأثيرها في واقعها قبل الاستقلال.
وفي تدخله، أشار المؤلف الدكتور محمد المودن إلى أن كتابه يستند إلى قناعة ترى أن الإعلام المغربي خاصة منه ذاك المنخرط في رهانات بناء مجتمع متطور تقدمي ديمقراطي بكامل المواطنة، استطاع أن يصيرا فاعلا سياسيا بأثر واضح على مسار التحول السياسي في البلاد، وأوضح أن المقصود بالتحول السياسي الصراع القائم بين السلطة ومن ينازعونها بالحضور والهيمنة على الفضاء السياسي المغربي، بمعنى واقع محكوم بتجادبات الصراع، وليس نتيجة متحققة وأيضا من منطق التدافع ذاك بين السلطة ووسائل الإعلام على التأثير في الرأي العام وصناعة المواقف وكسب الدعم في هذه المعركة، يتبين كيف أن السلطة السياسية كانت تروم تحويل وسائل الإعلام إلى أداة لها لتقوية هيمنتها وتوسيعها ، لكن في المقابل أيضا فالإعلام المغربي- على ضوء الخصوصية المشار إليها أعلاه نفسه- لم يسمح من منطلق آلياته في التأثير وصناعة الخطابات ومن منطلق الوعي بوظيفته، أن تمارس السلطة السياسة في المغرب هيمنة مريحة ولا كاملة ، بل استطاع أن يؤثر في اجندتها على نحو واضح في مراحل مختلفة من تاريخ الصحافة بالمغرب ، حتى صار فاعلا سياسا بأثر أ قوى في التحول السياسي من الفاعل السياسي نفسه او من المثقفين أنفسهم ،وتشهد على ذلك معالم كثيرة يقف عندها الكتاب مثل ، القدرة على مراقبة الفعل السياسي والسلطة ، تبني مطالب التحديث والديموقرطة، اختراق الحدود التي تضعها السلطة على مجالات الهيمنة عندها ، التسلل إلى مخابئ المقدس و اخراجه الى ضوء المعالجة والنقاش والمساءلة.
كما أوضح المؤلف أن كتابه يصدر عن جهاز مفاهيمي مستمد من المعارف المتصلة بالاتصال والإعلام وبالاتصال السياسي ، ومنظورات ثقافية لمعالجة صور التدافع بين السلطة السياسية وبين وسائل الإعلام في المغرب ولمظاهر الفعل السياسي للإعلام بالمشهد السياسي في البلاد ، بل وحتى التأثير في دينامية التحول لديه. فمقولات الهيمنة ، والفضاء العام، والراي العام، و …. visbilite و الفعل السياسي action politique des medias ،التمثيلrepresentation كلها أدوات اجرائية لقراءة الصراع على الهيمنة من جهة ومقاومة الهيمينة من جهة ثانية . فالكتاب ينظر الى وسائل الإعلام على انها أدوات لإنتاج المعلومة والمعارف والمعنى نفسه، ما يعني أيضا أن الإعلام يحمل معه عناصر الهيمنة ووسائل شرعنتها كذلك، هده العناصر تتوق السلطة إلى امتلاكها لتغدية هيمنتها وتعززيها (ص32)
وفي نهاية اللقاء عبر الجمهور الحاضر، من باحثين وطلبة وأساتذة، عن تفاعله الكبير من خلال النقاش المستفيض الذي أعقب المداخلات ، ومن خلال التساؤلات التي طرحها الحاضرون.. وهي تساؤلات تعكس نوعية الحضور وكذا اهتماماته بموضوع الإعلام المغربي وما يثيره من أسئلة لدى المتلقي.
طنجة الأدبية