أكد المفكر والروائي المغربي، محمد برادة، الحاجة الملحة لفتح الطريق أمام النقد الجريء وإعادة النظر في التنظيرات على ضوء الأسئلة التي يفرزها الواقع المتحول باستمرار، وعلى ضوء ما يعرفه عالم اليوم من قفزات متتالية في العلم والثقافة والصراع على قيادة العالم.
جاء ذلك في حديث برادة في إطار محاضرة بمنتدى عبد الحميد شومان الثقافي بعمان، مساء أمس الاثنين، حول “سؤال الثقافة العربية في سياق الإنهزام”، قدمه فيها للجمهور الروائي والناشر إلياس فركوح، الذي اعتبر أن الثقافة يتعين عليها أن تصبح جزءا من الممارسة اليومية لتؤثر في عمق المجتمع وتضطلع بدورها الإصلاحي كاملا.
وفي هذا الإطار، نبه برادة، إلى أهمية دور المثقفين والمفكرين في إنجاز الإصلاح وبلورة مساكن التحول، بما أن التاريخ العربي سجل، على مدار عقود، مواقف مشرفة لمثقفين دفعوا ثمنا فادحا نتيجة ذلك، تمثلت في السجن والتعذيب والقتل والنفي.
واعتبر برادة أن الفضاء العربي، بما هو عليه من تباينات في التفاصيل، هو فضاء موسوم بـ “الانهزام”، كونه لم يفلح في بناء مجتمعات ديمقراطية تترجم تطلعات الدولة المدنية.
وبحسب المفكر المغربي، فإن “ثقافة الإنهزام” تجتاح المجتمعات العربية منذ مدة ليست بالقصيرة، بوصفها أدت إلى استحالة مواكبة التطور وغيبت معنى ومفهوم الانتصار عن العقلية العربية، التي هي انهزامية بطبعها.
وأشار إلى أن صفة “انهزام الفضاء العربي”، تتأكد بالمقارنة مع حركة الفضاء العالمي المذهلة التي نقلت تاريخ وقيم الإنسانية من مستوى حضارة الزراعة والصناعة إلى مستوى غير مسبوق في جميع المجالات، يعتمد الرقمية والذكاء الاصطناعي.
وبرأي المحاضر، فإن “سؤال الثقافة العربية في سياق الانهزام والتفكيك يتشكل من اتجاهين يتصارعان بحثا عن جدلية م خصبة تجاه المستقبل، وهذان الاتجاهان يأخذان شكل صيرورتين متعارضتين، واحدة ترتد إلى الوراء بحثا عن حجج وخطاب يسمحان لها بإطالة عمر الاستبداد، والثانية هي صيرورة ثورية تغييرية تتصادم مع مطالب المجتمعات المدنية في الفضاء العربي، ولا تأخذ في الاعتبار ما تتطلع إليه الحضارة الرقمية والذكاء الاصطناعي”.
وأوضح أن سياق الانهزام الذي نعيشه، أظهر بجلاء أن التصورات الثقافية والسياسية التي ارتكزت إليها الأنظمة الحاكمة في الفضاء العربي، أفضت إلى الانهزام وتأزيم الأوضاع.
وسجل المحاضر أن وجود مفارقة في حقل الثقافة والابداع بالفضاء العربي، جاء نتيجة الطلاق بين الثقافي والسياسي، “ذلك أن المثقفين والمبدعين الذين راهنوا على استقلاليتهم عن السلطة السياسية، اختاروا المساهمة في عملية تفريغ إيديولوجي من خلال نقد الأيديولوجيات التي أسهمت لعقود طويلة، في “تشميع” العقل الواعي وحالت دون مساءلة الواقع بما هو عليه من تعقيد وتبدل دائم”.
وأكد أن سؤال الثقافة في الفضاء العربي، لا يمكن حصره في الجوانب السوسيولوجية المتصلة بشروط الإنتاج والتلقي؛ وذلك لأنه بات يكتسي طابعا خاصا يتمثل في انفصال الثقافي عن السياسي واحتدام الصراع من أجل استعادة الجدلية المخصبة بينهما وتحديد القيم الأساس لعمق الدولة في علاقتها بالمجتمع المدني وبحرية المواطن وبعلاقتهما بالماضي والمستقبل.
ويعتبر منتدى “شومان” مؤسسة غير ربحية تعنى بالاستثمار في الإبداع المعرفي والثقافي والاجتماعي للمساهمة في نهوض المجتمعات في الوطن العربي من خلال الفكر القيادي والأدب والفنون والابتكار المجتمعي.