** أثارت مجلة “جون أفريك” الفرنسية في عددها رقم 2955 الصادر بتاريخ (من 27 غشت إلى 3 شتنبر 2017) ضجة كبيرة في أوساط الفيسبوكيين المغاربة بنشرها لملف “صحفي” تدعي فيه أن “الإرهاب ولد في المغرب”.
وهذه الضجة الكبيرة التي قادها مغاربةٌ كثرٌ على صفحات شبكة التواصل الاجتماعي كشفت أن الغيرة الوطنية لا تملأ إلا قلوب البسطاء من مختلف شرائح المجتمع المغربي، بينما أثبتت، بالمقابل، أن المسؤولين المغاربة لم يأبهوا للأمر مطلقا، ولم يستفزهم الملف “الصحفي” بتاتا، ولم يزعجهم القول بأن: الإرهاب ولد في المغرب، بأي صورة من الصور.
لكن الملف الفرنسي البئيس أماط اللثام عن حقيقة كان يجهلها عدد كبير من الشعب المغربي، وهي أن المجلة كانت تتلقى أموالا طائلة من مؤسسات عمومية مغربية وشركات اقتصادية مغربية ضخمة من أجل ضمان استمرارها وانتشارها وتأثيرها داخل الأوساط الأفريقية والإقليمية والمغاربية، في وقت ترفض فيه هذه المؤسسات وهذه الشركات ضخ، ولو، “فتات” مالي في صناديق بعض الجهات الإعلامية الوطنية القادرة على إحداث الفارق سياسيا واقتصاديا وثقافيا ودبلوماسيا على الصعيدين العربي والأفريقي، بل وحتى الأوربي والأمريكي.
بيد أنه مهما حاول المسؤولون المغاربة التضييق على صحف ومجلات فرنسية اقتصاديا وسياسيا، فإن فَلاحَهم في ذلك لن يتجاوز الحد المطلوب، ولن يُرضِي طموحات أغلب المغاربة الذين يرون في دعم الإعلام الفرنسي، تحت أي مبرر، من أمواله العامة، عمل غير مسؤول، ويحتاج إلى فتح تحقيق بشأنه، بل وطَرْحِه علناً من فوق منصات بعض المؤسسات الدستورية؛ وعلى رأسها مجلسي النواب والمستشارين.
إن المسؤولين المغاربة مطالبون بتجاوز منطق التضييق المالي إلى ما يمكن تسميته ب “منطق توازن الرعب الإعلامي”. أي ضرورة اللجوء إلى نفس السلاح التي اتكأت عليه مجلة “جون أفريك” في قصفها اللامسؤول لموقع المغاربة الحضاري والإنساني والأخلاقي والتربوي. لذلك فإن أي قول بأن هناك علاقة متينة بين المغرب وفرنسا، وتقارب ثقافي وحضاري بينهما، هو قول هش لا يستند إلى أي حجة تاريخية أو واقعية. وعلى الإعلام المغربي أن يجتهد في إظهار حقيقة انتماء الإرهاب وولادته بفرنسا، سواء باستنطاق واقعها الراهن من خلال عنصريتها وتضييقها على المهاجرين المغاربيين والأفارقة إداريا وسياسيا واجتماعيا، أو من خلال استحضار ماضيها، القريب، الاستعماري الدموي الرهيب الذي مارست فيه القتل الفردي والجماعي ضد مدنيين مغاربيين وأفارقة عزل، علما أن تاريخها القديم لم يكتب إلا بحبر دموي قاتم اللون فوق جثت آلاف الأبرياء من الأوربيين والعرب والمسلمين.
إن الإعلام الفرنسي غير مؤهل إطلاقا لتقديم دروس في السلام، والتعايش، والتسامح، ومحاربة الإرهاب، لأن تاريخ بلده مليء بالأحداث الأليمة الغاشمة التي يندى لها الجبين. فإذا قلنا أن فرنسا قتلت مليون ونصف مليون جزائري من سنة 1830م إلى سنة 1962، فمن الصعب أن نصفها أو نقول عنها بأنها دولة تناهض الإرهاب، وتعمل على نشر قيم الإخاء والحرية والمساواة. بل تصوروا أن فرنسا التي توهمنا بغباء وبلادة، بأن الإرهاب لم يولد بها ولم ينل عطفها وحدبها، قتلت في سنة 1945م بمدينة سطيف الجزائرية أزيد من 45 ألف مواطن جزائري ؟؟؟ ودمرت مدينة الدار البيضاء المغربية سنة 1907م عن آخرها؛ مخلفة آلافا من الضحايا القتلى والمعطوبين. كما قتلت مئات الآلاف في أفريقيا السوداء، وزجت بمغاربة وأفارقة أبرياء، لا ناقة لهم ولا جمل، في أتون حروبها القذرة بأوربا.
إن استثمار الحقائق الاستعمارية التاريخية لإدانة الإرهاب الفرنسي وفضحه على المستوى الإعلامي؛ ضرورة مغربية لرد العدوان الإعلامي الفرنسي؛ وإجباره على الانسحاب من أي معركة إعلامية يستهدف من ورائها تلفيق الأكاذيب ضد المغاربة، وطمس الحقائق التي تثبت سلميتهم وتسامحهم، وتغيير الوقائع التي تؤكد انتماء الإرهاب لكيانات صهيونية ودول صليبية لا تتوقف عن قتل الناس من مختلف الجنسيات.
وعليه، فإن ملف المجلة الفرنسية “جون أفريك” حول “إرهاب” المغاربة في أوربا لم يكن مستفزا أبدا لمن خَبَرَ الذهنية الإعلامية الفرنسية، وأحاط بالتاريخ الفرنسي الاستعماري، وأدرك خلفية الحروب الثقافية التي تشعلها باريس، من حين لآخر ولحاجات في نفس “جاكوب”، ضد العواصم المغاربية. ولكن الذي أزعجنا حقا هو عدم قدرة المسؤولين المغاربة عن الرد بشدة وشراسة ضد هذا البهتان الإعلامي الفرنسي سياسيا وإعلاميا، وعجزهم المستمر عن فهم وإدراك “حقيقة” أن الصور والرسائل الإعلامية تشكل قوة ثقافية وحضارية قادرة على إحداث تغييرات جوهرية ومؤثرة في المجتمع المحلي والدولي، وعلى خلق قيم ومواقف جديدة يقتنع بها الجمهور المتلقي؛ وكأنها مقدسة أو نزلت للتو من السماء. رغم أنها، في الواقع، تبقى غير صحيحة، أو أنها لا تحتاج إلى ذكاء أو تأمل عميق لكشف سوء خطابها وغاياته.
إننا نحتاج إلى جيل جديد من الإعلاميين المغاربة، يحسن، مهنيا، مناقشة القضايا الدولية ذات الارتباط بوطنهم، ويقدر على صياغة أجوبة شافية عن أسئلتها المعقدة، بخطاب واضح لا يفك ارتباطه بقيم الموضوعية والنزاهة، ولكنه أيضا لا يفتقر إلى الأنياب الحادة، ولا إلى اللسان الجارح. فالحرب ضدنا، باتت اليوم، حضارية سياسية؛ توظف فيها كل أسلحة الرعب الإعلامي سواء القذرة منها، أو النزيهة وذات المصداقية.