افتتح الفنان التشكيلي يوسف سعدون يوم 15-12-2017 ” برواق الفن” بتطوان معرضه الفني والذي سيستمر إلى غاية 30- 12- 2017. وقد عرض الفنان تجربته الجديدة والمتفردة في عالم الفن التشكيلي. ويعتبر الفنان سعدون واحد من أبرز الأسماء المتألقة في سماء الفن حيث شارك في عدة تظاهرات وطنية ودولية، كما أنه أحرز على عدة شواهد تقديرية وترك آثارا فنية في الفضاءات العمومية بطنجة ومكناس ومارتيل.
تتسم التجربة الجديدة للفنان سعدون برؤية فنية تجمع بين القلق والأمل، بين الأسر والتحرر…في عالم مكسو باللون الأزرق. هذا الحلم الذي يداعب كل لوحاته المعروضة، يرسم مسارات الخلاص للإنسانية. تحت اللون الأزرق تتعايش كل الألوان خارج غطرسة التنازع، مما يضفي على لوحاته توازن خلاق.
نشير إلى أن رواق الفن عرف توافد مشاهير وأعلام فنية وشخصيات…أسهمت بحضورها في دعم التجربة الجديدة للفنان يوسف سعدون.
لماذا أطلقت على أعمالك الأخيرة الحلم الأزرق؟
كل لحظة إبداع بالنسبة لي هي لحظة حلم، وكل أحلامي منذ الطفولة ولحد الآن كنت أعيشها ولازلت بالأزرق، من هنا حضر الأزرق بقوة في أعمالي/أحلامي، وكل عمل من أعمالي الفنية أتخيله محطة حلم بالنسبة للمتلقي يسبح من خلالها في أعماق تيمة ذاك العمل. وحينما أبدع أعمالي، وكأنني أستعيد ذكرى من ذكريات عشتها بجوار الإله- كما اعتقد الإغريق- حتى أنه يُخيّل لي أنني أرى عملي الفني ماثلا أمامي قبل أن أشرع في إنجازه. لا أخفيكم إذا قلت لكم، إن عملي يتجسد جسدا ماثلا متكاملا وكأنني أراه في حلمي الأزرق، فقط يحتاج لتنزيله على قماش أو سند ما.
تعكس أعمالك أزمة إنسان يعيش حالة من الرعب والقلق داخل فضاء مجهول؟؟!!
ليس هذا فحسب، هناك أيضا الفعل والمبادرة نحو الانعتاق (موضوع الصرخة في أعمالي) انسجاما مع موضوع الحلم (الحلم نحو الأفضل) تيماتي مرتبطة بالإنسان، أتمثل قضاياه في أعمالي الفنية في بعدها الكوني، وأنا بهذا أتماهى مع مفهوم الالتزام الذي ولد معي ويعطي مبررا لإبداعاتي. وأعتقد أن الفن يجب أن يصب في قضايا الإنسان. وأعتبر ما دون ذلك تشويش على الحياة وتزييف لها.
هل يمكن اعتبار الحلم الأزرق ناقوس خطر أم مشروع فني يأمل في التحرر من أسر المجهول؟
يتطلع مشروعي الفني بالأساس إلى أفق مفتوح تقنيا ومفاهيميا: على المستوى المفهوم، قد يكون الآن ناقوس خطر لكنه ليس آني..أستشرف آفاقا له لا متناهية حتى لا يموت مع انتهاء اللحظة، لهذا فهو مشروع يحلم بالإنسان، يسجل لحظاته، يتماهى معه إبداعيا، وفي نفس الوقت يفتح له نوافذ للأمل.
أما على المستوى التقني، فهو أيضا مشروع يوظف اللون الأزرق بدلالاته الرمزية وبحضور طيف الألوان الأخرى المتناغمة معه..كما أنه منفتح على مختلف التقنيات الصباغية، ولا يتردد في مزجها دونما اعتبار لخصوصياتها.
كنت قد أعلنت في بعض المناسبات عن” الطلاق الإيديولوجي”. هل الحلم الأزرق كرؤية جديدة تندرج خارج الإكراه الإيديولوجي؟
عشت فترة من حياتي، يتقاطع في داخلي الإيديولوجي والإبداعي. وحينما كان يحضر الأول، يتضاءل الثاني حتى أنه يتوارى إلى الخلف في انقطاع شبه تام .عشت هذا المخاض لفترات طويلة حتى أحسست أن الإيديولوجي أسرني وكبل طاقاتي الإبداعية، كما أن تطور الوضع السياسي ومآل الممارسة السياسية جعلتني أنأى بنفسي لكي لا أعيد إنتاج العبث (العبث ليس بالمفهوم الفلسفي) فقررت الانتصار للجانب الإبداعي الذي يسكنني والذي جعلني أتواصل مع الإنسان في شموليته بمنأى عن انتمائه ومعتقداته وأعيش لحظاتي السامية في الحلم الأزرق. هذا المخاض يتقاسمه معي مجموعة من الأصدقاء المبدعين والممارسين في الحقل السياسي يعيشون نفس التجاذبات..فمنهم من لا يزال يتعايش مع هذه التجاذبات، ومنهم من انتصر للإبداع وأنتج صورا راقية فنيا وفكريا..أذكر هنا مجموعة من الإخوة على سبيل الذكر: حسن نجمي، محمد الأشعري، وشرف الدين مجدولين..
ألا ترى معي أن المشروع بهذا الحجم يتطلب انخراطا فنيا جماعيا لتبليغ مضامين رسالته وطنيا وخارج الحدود؟
الحقيقة أن المشروع ولد على عتبة أبواب الحلم، له قضاياه ورؤاه وتطلعاته وآفاقه شكلا ومضمونا. كما أنه مفتوح في وجه كل الحالمين للانخراط فيه عبر أجناسهم الإبداعية، ليس على مستوى التشكيل فقط، بل على مستوى الحقول الإبداعية الأخرى. وفي هذا الصدد، أود أن أذكر بتجربة لي ضمن هذا الحلم ومتمثلة في انفتاحي على الشعر حيث اشتغلت على مجموعة من القصائد لشعراء إسبان وتوج هذا الاشتغال بمعرض في مدينة خيرونة بكطالونيا، حيث ألقى الشعراء نصوصهم الشعرية بجوار لوحاتي، وأسفرت هذه التجربة على صدور ديوان شعري أنيق جمع الشعر والتشكيل. أتمنى أن تتكرر هذه التجارب مستقبلا مع إخوتي بالمغرب أو في العالم العربي، لأنني أومن بجسور التواصل بين المبدعين والتعاون فيما بينهم.
أما بخصوص مسألة تبليغ رسائل هذا المشروع، فإن الدعوة مفتوحة أمام النقاد لبسط تجربتي وتحليل مكوناتها وإبراز إيجابياتها والوقوف عند تعثراتها، وأظن أن هذه المسألة قد بدأت ترافق تجربتي من خلال مجموعة من القراءات لأعمالي والمنشورة في بعض الجرائد الورقية والإلكترونية، وأخص بالذكر هنا الناقد الدكتور شرف الدين مجدولين الذي استعرض بدايات هذه التجربة من خلال قراءة جميلة نشرت بجريدة القدس. وكذلك الصديق الشاعر حسن نجمي الذي ضمن كتابه “الشاعر والتجربة” مقالة عن تجربتي تحت عنوان “يوسف سعدون يرسم آثار خطواته الأولى”. وكذا النقاد التشكيليون أذكر منهم، شفيق الزكاري وإبراهيم الحيسن ومحمد خصيف الذين تناولوا بالنقد والتحليل انشغالاتي التشكيلية الحالية.
مسار حافل بالعطاء الفني والجمالي، هل يمكن اعتبار،في إطار هذه السيرورة، إبداعاتك الأخيرة بمثابة قطيعة مع الأعمال السابقة.؟
صحيح هي قطيعة من زوايا طريقة الاشتغال والتقنية، لكنها استمرار لذاك النفس الإبداعي الذي سكنني ولازال، إذ أعتبر كل المراحل التي مرت منها تجربتي متناغمة، وكل واحدة أسست للأخرى، وهي مفتوحة على كل الاحتمالات، لكنني أشعر أنني حينما تخلصت من قيود التجسيم والانطباعية أحسست بحرية أكبر للتعبير عن قضايا حلمي الأزرق. أظن أن هذا التطور بالنسبة للفنان أمر طبيعي. والفنان الذي يبقى عند مرحلة واحدة يجترها طيلة مساره الفني يسقط في الرتابة وتكرار الذات..الإبداع مفتوح على كل الاحتمالات التقنية والإبداعية تماما كالطبيعة. إن تجربتي الحالية أعتبرها مرحلة قد تؤسس للقادم من المشاريع عبر صيرورة البحث والعمل.
في بعض الأحيان نحتاج للقطيعة وخلخلة الثوابت (الإبداعية) من أجل تشييد الإضافات في مسار الفن..ولولا هذه القطيعة وخلخلة الثوابت لما وصل الإبداع البشري لما وصل إليه الآن. وهذا ما أحاول تطبيقه عند محطة الحلم الأزرق..
كلمة أخيرة
شكرا لكم على هذه النافذة الجميلة والجادة التي أطللت عبرها على قرائكم الأعزاء. وما انفتاح منبركم على مجال التشكيل، سوى دليل على مساركم الإيجابي في مقاربة الفن في مساراته المتعددة.
حاورته: أمينة بنونة