الرئيسيةافتتاحيةإسهام معرض الدار البيضاء الأخير للكتاب والنشر في تحقيق الأمن الثقافي

إسهام معرض الدار البيضاء الأخير للكتاب والنشر في تحقيق الأمن الثقافي

** قدم الوزير محمد الأمين الصبيحي بمجلس النواب مؤخرا، حصيلة الدورة 19 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، وهي حصيلة إيجابية في نظر الوزير الذي اجتهد ملء جهده، في إعطاء أرقام وإحصائيات وقراءات واستنتاجات قال عنها أنها دلائل على نجاح الدورة.
والواقع، أن الوزير الصبيحي لم يكن مطالبا، إطلاقا، بتقديم هذه الحصيلة التي يختلف حول تقييمها و”التنقيط عليها” الكثيرون من المعنيين بالهم الثقافي أو المستصغرين له، لأن المعرض في أصله وأساسه، ليس إلا حدثا واحدا يصب في نهر من الأحداث الثقافية العديدة التي تؤطر مشهدنا الثقافي، وتمنحه التألق والوهج، أو تزيد من متاعبه وآلامه المؤسفة. ولكن الوزير كان مطالبا بتوضيح دور هذا المعرض في ضمان الأمن الثقافي، وحماية التراث الحضاري للأمة المغربية، خصوصا وأن الدورة التاسعة عشر من هذا المعرض الدولي، زادت من تأكيدها على أن بلادنا مازالت تحبو على ركبتيها في مجال تنظيم مثل هذه المعارض، وأنها لم تستفد مطلقا من أخطاء الدورات السالفة.
إننا لا نسعى إلى تقديم قراءتنا المهنية للدورة 19 الأخيرة من معرض الدار البيضاء للكتاب والنشر، ولكننا بالمقابل نطمح مع الوزير الصبيحي إلى صياغة الأسئلة والأجوبة الممكنة عن معنى الأمن الثقافي الذي يمكن لمثل هذه المعارض أن تقوم به وتحققه.
فالأمن الثقافي معناه تحقيق الإشباع الذاتي من حاجات الأمة الثقافية، ودرء الخوف من الخصاص، والاستلاب، والغزو الفكري، والهيمنة التراثية على قيمنا الحضارية.. فهل المعرض المذكور في دورته الأخيرة نجح في تحقيق التراكم الثقافي، ومغالبة الافتقار الذي يعانيه قطاع الثقافة على مستويات الإبداع والإنتاج والاستقطاب؟.
صحيح أن المعرض لوحده عاجز عن تحقيق أمننا الثقافي، ولكن ما هي المداخل الأخرى التي من خلالها نستطيع أن نحقق هذا الأمن الذي بات اليوم مهددا، ليس فقط بفاعلية العولمة الثقافية العابرة للحدود والزمان والإنسان والحضارات، وإنما أيضا بجهلنا للقيم الثقافية وقدرتها على تفادي صدمات المستقبل الحداثية والإعلامية والاقتصادية والسياسية والأخلاقية.
إن أمننا الثقافي إنجاز مؤجل، ولا يمكن تحقيقه إلا بتحرير المؤسسات الثقافية الرسمية من وهم “حراستها” لقيمنا الثقافية من الاختراق أو الذوبان أو التشويه (أولا)، وبتثوير البنية التحتية للثقافة داخل مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا التعليمية، وداخل مسارحنا، وسينماتنا، وقنواتنا التلفزيونية، وكتبنا، ومجلاتنا الإبداعية والصحفية (ثانيا)، وبرفع أيادي الأوصياء، ممن يسمون أنفسهم بالنخبة، أو رجال الفكر، أو المثقفين المتعالين، عن ثقافتنا المغربية المهددة راهنا، بمزيد من الانحسار، والتقوقع، والارتداد عن ولوج العصر العولمي، باعتباره عصرا اتصاليا وحضاريا بامتياز (ثالثا).
والأمن الثقافي لا يعني أبدا الانغلاق، والانكماش، والهروب إلى الماضي حيث النبش في الأوراق الصفراء، وإثارة قضايا النجاسة، والحيض، والنفاس، ومدى طهارة دماء البرغوث، وإنما هو شرط أساسي للمساهمة في بناء الحياة المجتمعية المتكاملة اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا وسياسيا وأخلاقيا، بما يجعل ثقافتنا المحلية (الوطنية)، قادرة على تلوين الثقافات الأخرى الوافدة، وتوجيهها بكيفية تصبح معها – هذه الثقافات – جزءا من ذاتنا الثقافية التي نعتز بها، وندافع عنها، ونعمل على تسويقها في الداخل و الخارج.

طنجة الأدبية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *