*** ليس من النقد، ولا من باب التشاؤم، القول بأن الكلام عن الدخول الثقافي بالمغرب بات اليوم، وكما بالبارحة، مجرد لغط.. بل تسلية لا طائل من ورائها.
إذ ليس هناك من مؤشرات دالة على بداية هذا الدخول.
إن حركة النشر ضعيفة، تعكسها واجهات المكتبات و الأكشاك الفارغة من أي عناوين جديدة. وأسماء الكتاب والأدباء المعروفون لدى القراء غائبة بإنتاجاتها عن هذا الدخول. والأنشطة الثقافية من معارض وندوات ومحاضرات وصالونات نقاش وتبادل وجهات نظر تدور ببطئ و فتور و تثاؤب.
وكتابات النقاد حول ما تم نشره في السنة الماضية أو ما قبلها، لا يسمع لها صوت، بل ولا زعيق ولا نعيق ولا نقيق.
ومن ثمة، فإن حركة النشر تقع على كواهل أصحاب بعض الإنتاجات الأدبية والثقافية.. أي على نفقاتهم الخاصة، رغم ضعف قدراتهم الشرائية، وأسعار الطبع الفاحشة والمرعبة.
إذا، كيف يمكن الحديث عن مظاهر الدخول الثقافي في ظل الصورة المتحدث عنها أعلاه؟ نطرح هذا السؤال للبحث عن الأطراف المسؤولة عن هذا الوهم الذي يسميه البعض مجازا – أي بوعي منه أو بدون وعي – بالحياة الثقافية.. و الدخول الثقافي.. والنشاط الثقافي.. تعددت الأوهام و الواقع في فضحها واحد.
لا شك أن الدولة تحمل الوزر الأكبر في غياب احتفالية ثقافية ما لهذا الدخول، كلما حل بيننا شهر شتنبر وأكتوبر من كل سنة. فهي تفضل أن توظف قدرا مهما من المال العام، في تنظيم وإقامة مهرجانات صاخبة لتعرية الأجساد وترقيصها “على واحدة و نص”، وتخدير الرؤوس بأنغام وحالات موسيقية لا تمت بصلة بالفن الرفيع والأصيل والمؤثر في النفوس والأرواح و الشخصية
المعنوية للأفراد والجماعات.. (ونستثني هنا بطبيعة الحال بعض المهرجانات السينمائية التي أضحت عنوانا بارزا لمغرب ناجح في نسج هوية سينمائية محمودة).. على أن تحمل أثقال النشر عن أدباء وكتاب مشهود لهم بالعطاء والكفاءة والجودة وقصر اليد وخواء الجيب.
ونحن نستغرب كيف لا يوجه المسؤولون عن واقعنا الثقافي، وجوههم (للاستفادة) شطر بعض دول المشرق العربي التي لا تتردد ولا تتوانى ولا تتورع عن تسخير إمكانياتها المادية والمالية والزمنية والعلمية والأدبية، في إنتاج الكتب النافعة المختلفة، وتسويقها محليا وعربيا ودوليا، بأثمنة معقولة وفي متناول الجميع.. لنحاول الوقوف بالتأمل و الملاحظة المتأنية، على طبيعة الكتب التي تنتجها الدولة في مصر و سوريا و الكويت والإمارات والأردن (وفي زمن نتحسر عليه اليوم كانت العراق بوابة مشرعة لصناعة الحدث الثقافي بكل هيبته وجلاله ).. وطبيعة الأنشطة الثقافية التي يتم إحياؤها بهذه الدول.. وفي كيفية تنظيم ملاحم الاحتفال والاعتراف والتكريم لمثقفيها ومفكريها.. لنحاول أن نستخلص الدروس المفيدة من هذه الدول، كي نتوفق في توفير مؤشرات أولية لدخول ثقافي يبعد عنا شبح الركود عن حياتنا الثقافية.
طنجة الأدبية