*** لعبت “طنجة الأدبية” منذ أن تحولت إلى مجلة، دورا رائدا في الإعلام الثقافي المغربي والعربي، واستطاعت بأفقها الواعي الواسع، رغم ضيق اليد، أن تنحت في صخور الثقافة المغربية والعربية بيوتا وقصورا من خطاب تنويري متوازن وعميق وعلى مستوى عالٍ من الكفاءة والجودة.
ونحن نعلم أن عددا من المنشغلين بالهَمِّ الثقافي في بلادنا يدركون قيمة مجلة “طنجة الأدبية”، وحقيقةَ مساهمتها الكبيرة في حماية الحرف الأدبي ببعديه النثري والشعري، والعبارة الفكرية، واللمسة النقدية الجادة، وروح الإبداع والابتكار والإنجاز، لكن بالرغم من ذلك؛ فإن هناك من يحاول أن يتغاضى عن الجهد الإعلامي الثقافي للمجلة، وأَنْ يتجاهلها في بعض المحطات التي تُصنع هنا وهناك من مدننا المغربية العامرة للاعتراف بعطاء هذا المنبر الإعلامي أو منحه شهادة امتنان، وكأنه يسعى من خلال إقصائها إلى أن يكافئ عملها النبيل بجزاء سنمار.
صحيح أن عددا من الصحف المغربية قامت بأدوار، متفاوتة، في نشر الثقافة المغربية، والدفاع عن قيمها الإبداعية، وهو أمر محسوب لها لا ينكره أحد، إلا أن ذلك لا ينفي أن الإعلام الثقافي في كثير من الصحف المغربية خجول ومرتبك، وتحيط به الضبابية، وتنقصه الخبرة، وتعوزه الرؤية والمنهج والرسالة. بدليل أن صفحات هذه المنابر الإعلامية تكاد تجتهد في إغراق متلقيها وقارئها بسيل جارف من مواد الترفيه والتسلية وتزجية الوقت، فضلا عن توغلها في قضايا السياسة والاقتصاد بمعناه الإشهاري، والرياضة بمنطق نتائجها، والفن البعيد عن مقاصده الإيجابية البنَّاءة. في حين نحتاج إلى إعلام ثقافي قوي؛ رؤيةً وهدفاً، يعمل، بوعي وطني ملحوظ، على ضخ أكبر قدر من المعلومات والأخبار والمعطيات والتحاليل والتصورات الثقافية الإبداعية والنقدية التي من شأنها أن تميز الشخصية الثقافية المغربية الموسومة تاريخيا بالأصالة والتعددية والابتكار والجدية والجودة، وتدفع بها إلى مزيد من التطور والارتقاء.
ولا نذيع سراًّ إذا أشرنا وذَكَّرنا؛ بأن مجلة “طنجة الأدبية” وبعض المنابر الثقافية القليلة الأخرى تجد نفسها، في كثير من الأحيان، وحيدة في سوق الإعلام الثقافي، تكتب وتبدع وتنشر وتنافح وتصارع فوارس الدهر من ضعف المقروئية، وغياب الدعم المالي بشكل شبه مطلق، وسوء توزيع، بينما أُكرهت منابر إعلامية كثيرة على الانسحاب والاحتجاب والفناء. لذلك نرى أن الحكومة ممثلة في قطاعها الثقافي مَعنيةٌ بالنظر، إيجابا وعلى وجه السرعة واليقظة، إلى تقوية مشاريع الإعلام الثقافي المغربي، وإقامة شراكة حقيقية معها من أجل تطوير قيم المواطنة والمشاركة والإبداع، ودعم بعضها بصورة حقيقية ومنتظمة. كما أن وزارة الثقافة مطالبة بالإسراع في تسديد ما عليها من إلتزامات مالية حتى تتمكن المجلات الثقافية من الاستمرار في الصدور وإعادة الدعم الذي تم حجبه عن المواقع الإلكترونية الثقافية.
طنجة الأدبية