شهدت سنوات السبعينات والثمانينات من القرن الماضي أوج انخراط الطبقة المثقفة في العمل السياسي والاهتمام بقضايا المجتمع، إلى درجة أنه كان من الصعب التفريق بين المناضل الحزبي وبين المثقف، لأن الأول كان عليه أن يكون حاملا لِهَمّ ثقافي والعكس صحيح. وكان هذا راجعا لزخم المرحلة وللغليان الذي كانت تشهده، بحيث اختلط ماهو ثقافي بما هو سياسي واجتماعي بشكل كبير. لكننا سنشهد بعد ذلك تراجع المثقف ليصبح مجرد مُتَفرِّج على مايقع وغير مُدل بدلوه فيه.
ويبدو أن الفترة الأخيرة قد شهدت رجوعا محتشما للمثقفين للاهتمام بالشأن السياسي، وكانت الانتخابات التشريعية الأخيرة مناسبة لقياس كمِّ هذا الرجوع وأهميته. إذ ظهر وبالملموس، خصوصا في مواقع التواصل الاجتماعي ومن خلال بعض المقالات، أن المثقف المغربي لم يَستَقِل كُلِّية من السياسة والاهتمام بمصير البلد كما كان يُرَوَّجُ لذلك، وأن رجوعه لم يكن يتطلب سوى ظهور حزب أو أحزاب تمثل ما يطمح إليه.
لكن المثير للاهتمام خلال الانتخابات المنصرمة هو عدم وجود تمثيلية للمثقفين في اللوائح الانتخابية، بحيث أن الأحزاب المغربية تُفَضِّل “موالين شكارة” على الناس المثقفين أو المناضلين، فباستثناء حزب واحد أو حزبين يُقدِّمان مناضليهما كمرشحين، ومن بينهم أناس حاملين لأفكار، فإن الأحزاب الأخرى تُفضل استقطاب أصحاب رؤوس الأموال والمستثمرين الذين يأتون مع أموالهم ليدعموا حملات هذه الأحزاب ويضمنوا عن طريق شراء الذمم – في كثير من الأحيان – أصوات شرائح مُعوِزة من المجتمع مازالت تبيع أصواتها إلى الآن.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو : هل هي مجرد صحوة مؤقتة أم هو رجوع حقيقي للمثقف العضوي بالمفهوم الغرامشي للاهتمام بالشأن السياسي وبهموم المجتمع بعد سنوات كثيرة غاب فيها عن الساحة السياسية؟
ندع الجواب للأيام والسنوات القادمة، فهي الكفيلة بالجواب على تساؤلنا.
طنجة الأدبية